هل سمعت اسم دينا هذه من قبل ، دينا التي يتحدث عنها الكثيرون الآن لأنها أهانت القرآن . هل تعرف إن الضجة كلها كانت مجرد رد فعل لما نشرته صحيفة من رأي لأحد المشايخ و اعتبرته فتوى تمثل الأزهر رغم إن الشيخ الموقر ليست له أية صفات رسمية تتبع الأزهر غير صفات سابقة ، و رغم إن الجريدة لم تنشر ما يعتبر نصاً للفتوى ، و حتى لم تذكر أي اعتراف رسمي بهذه الفتوى لا من قبل الأزهر و لا من دار الإفتاء التي تعتبر الهيئة الرسمية الوحيدة المختصة بالإفتاء في مصر .
رغم ذلك أثار الخبر الذي تكلم عن وجود فتوى بإهدار دم الفتاة الألمانية ( دينا ) شهية أعداء الإسلام لمهاجمة ما اعتبروه دليلا على عدم قبول المسلمين للرأي الآخر و حب المسلمين لإراقة الدماء و أشياء من هذا القبيل .. طبعا ذلك ما يريدون بالضبط و قد جاءهم على طبق من فضة و بالتالي لم يفكر أحد في صحة الخبر أو هل مقولة الشيخ نقلت بأمانة و هل تزيد المسألة عن كونها عنواناً مثيراً لجلب القراء ؟ كل ذلك لا يهم أمام فرصة مواتية لشن حرب على الإسلام .. حتى الفتاة الألمانية التي قيل إن الفتوى تهدر دمها راحت تنشر على عدة مواقع إلكترونية إن المسلمين ينوون قتلها و تدعو الناس للتحالف معها ضد هؤلاء الذين يريدون القضاء على حرية التعبير التي يتمتع بها الأوروبيون ، و لاحظ هنا إنها قالت قتلها و لم تقل إهدار دمها و هو – كما يعرف أي عربي – لا يعني القتل ، لكني هنا لا ألومها ، فقد سبقها إلى هذا اللبس ، أو مثله ، الصحفي الذي صاغ الخبر ، و ربما الشيخ إذا كان المنسوب إليه صحيحاً فعلا ً ؛ فمن الأساس إهدار الدم لا يكون إلا لشخص واقع تحت وصايتك ، فأنت من يحميه و يمنعه من الآخرين ، فإذا فعل ما وجدت به إنه غير جدير برعايتك ، أخرجته من حمايتك ، أي أهدرت دمه و بالتالي لو اعتدى عليه أي شخص لن تتقدم لا للدفاع عنه و لا للقصاص من قاتله . هذا هو ما يعنيه إهدار الدم . بما يعني إننا لا يمكننا إهدار دمها لأنها أصلاً غير محكومة بقوانيننا ، و هو ما يشير إليه الشيخ في عبارة مقتطعة بدت غير مفهومة في بداية الخبر الذي سبب الأزمة ؛ لذلك أعتقد إن كاتب الخبر هو من وقع في الخطأ .
أصل الموضوع
أصل الموضوع إن فتاة ألمانية أعتقد إنها لم تتخط سنوات المراهقة أو في أفضل ترجيح تخطتها بسنوات قلائل . هذه الفتاة كونت مجموعة للأصدقاء على موقع الفيس بوك يتحدث عن استخدام ورق تواليت يحمل آيات القرآن الكريم . طبعا ذلك كفيل بإغضاب أي مسلم و هذا بالضبط ما تريده المراهقة الألمانية التي تذكر في صدر مجموعتها إنها تهاجم الإسلام بهذه الطريقة نظرا لوجود فتوى – كما تدعي هي – تدعو لاستخدام أوراق الإنجيل و التوراة للاستنجاء ( مع العلم إن الفتاة تذكر إنها ملحدة لا تعتنق أي دين ) و تورد موقعا إسلامياً يحمل الفتوى المدعاة .
طبعاً . عندما تزور الموقع المذكور ستكتشف كم هذه المراهقة إما مغرر بها من قبل شخص ما يترجم لها باقتطاع ما يريد حتى لا تفهم المجمل .. أو إنها تعرف عربية ركيكة لا تتيح لها فهم النصوص بالكامل ، أو يكون الاحتمال الثالث إنها تعتمد في معلوماتها على مواقع من تلك المتخصصة في مهاجمة الإسلام و التي تحاول تشويه النصوص الإسلامية لتغيير معانيها و بالتالي لخلق صورة سيئة عن الإسلام لدى غير المسلمين أو ضعيفي الثقافة من المسلمين . و كلنا يعرف بوجود ترجمات كاملة من القرآن صنعت في أوروبا منذ قرون لتشويه صورة الإسلام و إثناء الأوروبيين عن اعتناقه .
الفتوى التي تتحدث عنها الفتاة الألمانية هي إجابة عن استفسار هل يكفـَّـر من يهين الإنجيل و التوراة و فيها بعض كلام الله ؟ و إجابة المفتي هي إن من يهين الإنجيل أو التوراة " غير المحرف أو المحرف " و فيها شيء معظم فقد أتى كفرا و العياذ بالله .. و لكن المفتي كالعادة يتخذ صيغة التخيير فيقول " وأما ما علم تحريفه وتبديله منهما وليس فيه شيء معظم، فلا حرج في إهانته " و طبعا نظراً لأنه لا يوجد إنجيل أو توراة ليس فيهما شيئ معظم عند المسلمين لأن فيهما أسماء أنبياء و قصصهم و مواعظهم و بعض كلام الله .. كل ذلك يفهم منه إن إهانة الإنجيل أو التوراة يوجب تكفير من فعلها . فأين ما دفع المراهقة الألمانية للسخط على الإسلام ؟
أيضا الفتوى الأخرى التي تتعلق بالاستنجاء و التي أشار إليها من قال بالفتوى السابقة لأنها تحوي نفس رأيه و بنفس الأسلوب أيضاً فتتكلم على و جوب احترام الكتب المقدسة إلا في حالة " خلوهما عن اسم معظم " و طبعا مرة أخرى لا توجد كتب سماوية لا تحوي اسما معظما عند المسلمين الذين من مقتضيات إيمانهم الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله :
" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " سورة البقرة الآية 285
نعود إلى مجموعة الفيس بوك و مدونات المراهقة الألمانية لنكتشف مزيدا من المغالطات التي تعتمد أسلوب اقتطاع جزء من النص لتغيير المعنى ، فمثلا تقول إن القرآن يصف اليهود بأنهم قردة و خنازير .. و تبدي تعجبها لأنها ترى اليهود كأناس عاديين و ليس قردة أو خنازير . تقول ذلك و تغفل إن القرآن لم يصف اليهود بحال بهذا الوصف و إنما كان يتكلم عن عقاب نزل ببعض اليهود نظرا لإدمانهم الكفر و مخالفتهم كلام الله .
كما تقول إن الله يقول اقتلوا الغير مؤمنين أينما تجدوهم ، و أعتقد إنها تقصد جملة : اقتلوهم حيث ثقفتموهم ، و هي طبعا جملة أخرى مقتطعة من النص الذي يقول :
" وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ ۚ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) سورة البقرة فالجملة التي توردها المراهقة الألمانية يسبقها و يليها تأكيدات أكثر من مرة بأن الله يأمر المسلمين أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم و يخرجوا الذين أخرجوهم ( يعني ليس من الباب للطاق ) ، و يؤكد : و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، و يؤكد : فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم .. كل هذا و من لا يفهم من بعده فالذنب يكون له وحده .
مرة أخرى تقول أشياء تؤكد إنها لا تعرف الكثير عن الإسلام ، فمن أين جاءت بأن ( التقية ) هذا شيء موجود في القرآن و أن القرآن يعلمنا إياه ، ومصطلح التقية هو مصطلح شيعي ، تؤمن به طائفة من طوائف الشيعة ، و هو لا يشير بحال إلى الكذب على غير المسلمين و إنما يدعو المؤمنين به إلى عدم مهاجمة النظام الحاكم الذي يخالف فكرة الإمامية التي يقوم عليها مذهبهم رغم اعتبارهم للنظام هنا مغتصبا للحكم ، و أكاد أجزم إن هذا المفهوم هدفه انخراط الشيعة في المجتمعات غير الشيعية و عدم الإضرار بمصالح المجتمع الذي يعيشون فيه مهما اختلف مع عقيدتهم و هو نفس ما يطالب الغرب المسلمين به ، إذا فاختلاط الأفكار لدى المراهقة الألمانية أدى إلى جعلها تهاجم نفس الأفكار التي تتبناها .
موقف المراهقين من المسلمين
من الواضح إن هدف المراهقة الألمانية تحقق ، فقد أثارت غضب مراهقين مسلمين بما كتبته و بالتأكيد هم مراهقون و ذلك واضح من صورهم التي توردها في مواقعها و واضح أيضا من كلامهم الذي يسوقه الغضب على خلاف ما ينصحنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم عندما يقول للمسلمين إن الصرعة " من ملك نفسه عند الغضب " .
لكنهم لم يملكوا أنفسهم و أعطوها أكبر من حجمها و وجهوا لها تهديدات من قبيل : سأقتلك . أود أن تموتين ميتة بطيئة و مؤلمة . و أنا من القاعدة و سوف آتي إلى ألمانيا لأقتلك . كلها تهديدات لا تصدر إلا عن مراهقين متأثرين بأفلام الرعب الأمريكية . من يريد القتل لا يعلن ذلك .. لكن الفتاة اتخذت هذه التهديدات وسيلة جيدة للدعاية لنفسها و هي كأي مراهقة تبحث عن دور وجدت إن تمثيلية المناضلة هذه تروقها و لو تركناها لبحثت لنفسها عن شيء آخر أو تمثيلية أخرى .
هذه حرب عادية بين المراهقين الخطأ الوحيد فيها هو الزج باسم الأزهر في صراع كهذا .. و حتى الآن لا أحد يعرف حقيقة الفتوى التي صنعت من المراهقة الألمانية شهيدة و هي على قيد الحياة تهلل تحية لقاتل شهيدتنا مروة الشربيني و تتخذه بطلا و تدلل على صحة موقفه بمواقفنا نحن تجاهها .
لو كانت هذه الفتوى صحيحة فذلك معناه إن الشيخ أساء إلى الأزهر و إلى الإسلام و على الأزهر و دار الإفتاء إعلان قواعد محددة لمن له الحق في تمثيلهما عند إصدار الفتاوى لأن الخبر ينسب هذه الفتوى أساسا للأزهر رغم إن مُصدرها لا يحمل أي منصب رسمي و الأزهر هو مؤسسة رسمية . أما إذا كانت الفتوى مجرد سوء فهم من كاتب الخبر فعلى الجريدة أن تعلن ذلك و لا تخفيه تاركة الفتنة تنتشر .