بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، ديسمبر 17، 2010

التوك بين الشو و التوك .. كلام عن برامج الكلام

   "برامج أو عروض الكلام " هذا المصطلح يبدو ترجمة مثالية لمصطلح ال " Talk Shows "و مع ذلك لن تجد أحد مقدمي أو منتجي هذه البرامج أو حتى المهتمين بها يستخدم الترجمة العربية بل يحرصون على استخدام اللفظ الأجنبي باعتباره معرباً و فيما يبدو يفعلون ذلك حتى لا يفقد الاسم بريقه ، فالاسم إذا تناوله المشاهدون بالبحث أو أمعنوا في تأمله لانصرفوا عن متابعة هذه النوعية من البرامج خوفاً على ضياع وقتهم فيما لا ينفع .
  برامج الكلام يمكن ترجمتها أيضاً بالعامية المصرية إلى مسميات أقل تهذباً و أكثر إيضاحاً مثل أن نقول : برامج الرغي أو برامج الرطّ أو غير ذلك مما يشير إلى الحالة القديمة التي يطلق عليها قعدة مصاطب ، و طبعا برامج الكلام في معظمها لا تزيد عن قعدة المصاطب إلا في نقل القعدة إلى الاستوديوهات و استبدال المصاطب - أحياناً - بدكك .
  هذه النوعية من البرامج لا أستطيع أنا أو غيري أن ننكر نجاحها و أهميتها أحياناً ، و ربما كان ذلك سبب تسميتها لدى الانجليز بالعروض الحوارية ( التشات شو Chat Show ) ذلك اللفظ الذي يبدو أكثر تأنقاً من اللفظ الأمريكي لأنه يتضمن معنى الحوار بما يشمله من مفاهيم راقية يوضع الكلام في إطارها .
  إذاً فالمشكلة ليست في وجود هذه البرامج لكن و بشكل أساسي في المساحة الواسعة جداً و الوقت الطويل للغاية الذي تصل إليه حتى إن بعض مقدمي القنوات الرياضية يظل على الهواء ثمانية عشر ساعة من الرغي المتواصل فيما عدا بعض الفواصل الإعلانية يستمر بعدها في " فتح الكلام " و استضافة شخصيات أهم ما يملكونه قدرتهم على الكلام و هؤلاء أناس تجدهم بسهولة في مجتمع أصبح كل ناسه محللين يتكلمون " عمال على بطال " و يؤمنون بأنهم " فتايين " من الفتوى ، و لا يجدون حرجاً في ذلك بل لا يمنعهم عنه موروثنا الديني الذي يقول : "  و هل يكبُّ الناسَ على وجوهِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم " * .
  أحد مقدمي هذه البرامج يحكي بنفسه - كطرفة - موقفاً عن أحد ضيوف البرنامج حضر إلى الاستوديو و ظهر معه على الهواء و ظل ساعة يبادله الحديث حتى كادت تفوته طائرته ، لكن لحسن الحظ استطاع الوصول إلى المطار في الوقت المناسب حيث استقل الطائرة من مطار القاهرة إلى إحدى العواصم العربية و هناك وجد مستقبليه في المطار الذين رافقوه إلى الفندق ثم دخل غرفته و غير ملابسه و حاول النوم لكن  الأرق أصابه فجلس على سريره و أخذ يقلب في قنوات التليفزيون ليكتشف أن البرنامج الذي كان ضيفاً عليه لا زال مستمراً و المذيع ذاته مستمر في الكلام ، فما كان من الرجل إلا أن هاتف البرنامج و عندما تم إيصال صوته إلى الاستوديو و خاطبه المذيع على الهواء صاح مستاءاً : " أيه يا أخي أنت لسة ع الهوا " .
  الوقت الطويل جداً الذي أصبح عادياً أن يمنح لهذه العروض مفيد للغاية بالنسبة لأصحاب القنوات و منتجيها ؛ فرغم التكلفة العالية جداً للديكورات و الأجور المبالغ فيها - غالباً - للمذيعين ، إلا أن هذه الساعات لو ملئت بمادة تليفزيونية منتجة خاصة للقناة أو مشتراة من منتجين آخرين لكلفت القنوات دفع أموال طائلة ، كما أن المعلنين و الرعاة يقبلون على هذه البرامج لتبقى أسماؤهم و تنويهاتٌ عن منتجاتهم مرشوقة في ظهر المذيع و الضيوف و في الفواصل الإعلانية أطول وقت ممكن . لكن بالنسبة لنا كمشاهدين ، و إذا أخذنا في الاعتبار القاعدة التي يعرفها الجميع و التي مفادها أن ما يبقى في ذهن مشاهد التليفزيون أي ما يستفيد به من مشاهدته هو الصور التي رأتها عيناه و سجلها بالتبعية عقله . تبعا لهذه القاعدة يصبح ما يفيدنا من هذه البرامج ليس إلا أقل القليل و يكون علينا مراجعة ما نشاهده منها و الاكتفاء بما ينفعنا إن لم يراجع المسؤولون عن القنوات التليفزيونية العربية أنفسهم و يعرفوا أنهم في مقابل مكاسبهم المادية عليهم واجب تجاه الجمهور مثلهم في ذلك مثل كل الممارسين للأنشطة التجارية و الصناعية الأخرى .
  يا أصحاب القنوات الفضائية المسألة مش فلوس و خلاص ، احترموا عقول جمهوركم ؛ ليظل جمهوراً لكم .
_________________________


سُئل حكيم الزمان عن الفرق بين التوك توك و التوك شو فأجاب : التوكتوك يأخذك من الشوارع الرئيسية إلى العشوائيات ، أما التوك شو فيوصل العشوائية إلى قلب بيتك .

السبت، نوفمبر 20، 2010

بنتي جاسوسة .. أعمل أيه ؟!

لم تفاجئني ابنتي عندما تظاهرت بأنها تحلق في الهواء كبطل خيالي ) سوبر ( و تقول لي : أنظر أنا جاسوسة .
كان ردي جاهزاً ؛ فقلت لها : جاسوسة ! حد يقول على نفسه كدة ؟
هنا بدا عليها تعبير بين التعجب و التفهم لجهل أبيها ففسرت لي : جواسيس يعني أبطال .. دول جواسيس طيبين ، انت مش فاهم ؟
هذه تماما النتيجة التي توقعتها من متابعتي لقنوات الأطفال التي تشاهدها ابنتي و ملايين الأطفال العرب من المحيط إلى الخليج . ثمة محاولة لا تبدو خفية لتغيير مفاهيم دأبنا على اعتبارها مسلمات ؛ فالجاسوس الذي اعتبرناه دائماً شخصاً خطيراً يهدد أمن الوطن و سلامة الأهل أصبح في مسلسلات الكرتون المدبلجة بطلاً رائعاً يساعد الضعفاء و يهدد الأشرار ..  يحبه الأطفال و من ثم يقلدونه .
هذا بعض من كل .
فمنذ فترة حاولت متابعة قنوات الأطفال على القمر الصناعي المصري Nile Sat محاولاً معرفة أي القنوات أو البرامج مناسب أكثر لابنتي ذات الأربعة أعوام ففوجئت بأن أغلب القنوات العربية لا تصلح للمشاهدة لأسباب مختلفة إليكم بعضها :
  • تبث بعض القنوات رسوماً متحركة مستوردة بشخصيات و أجواء و تقاليد غريبة عنا تماماً مما يجعل الطفل مع اعتياده مشاهدتها غريبا في مجتمعه منفصلاً عن الحياة حوله ، و عندما يلجأ البعض إلى دبلجة هذه المواد يزيد الطين بلة ؛ لأن عرض هذه النوعية من البرامج بالعربية يجعلها أكثر قرباً من عقل الطفل و نفسه ، و هو ما يوسع الفجوة على الجانب الآخر بينه و مجتمعه .
  • يستغل البعض البرامج المقدمة للأطفال في الترويج لأديان أو مذاهب تلقَّن للطفل من خلال أغان و أفلام و ألعاب بطريقة تخلو من الشفافية و النزاهة مما يثير الريبة تجاه المواد المطروحة كلها .
  • يلجأ المسئولون عن كثير من قنوات الأطفال العربية إلى استغلال ارتباط الطفل بشخصيات أو برامج معينة للترويج لمنتجات استهلاكية و أغذية ضارة صحياً .
  • تخلط كثير من القنوات العربية الموجهة للطفل بين برامج منتجة لأعمار مختلفة فتجد برامج الأطفال ما دون الحضانة تليها برامج خاصة بالمراهقين .
طبعاً احتياجات الفئات العمرية مختلفة مما يؤثر بشكل سلبي على الأطفال . و من الأمثلة الواضحة جداً في هذا الشأن قيام إحدى القنوات بإذاعة برنامج Dora the explorer و هو كما يعرف الكثيرون من البرامج الجيدة جداً و التي تلقى قبولاً من الأطفال دون سن المدرسة . بعد هذا البرنامج مباشرة يفاجئك إعلان عن مسلسل يخاطب فيه صوت المعلقة الجمهور من الفتيات بما معناه : هل أنــتِ  على علاقة بشاب و تريدين التخلص منه لتقيمي علاقة مع صديق جديد شاهدي ( ... ) . طبعاً هذا المسلسل و الإعلان عنه ليس فقط يقدم مادة للمراهقين مباشرة بعد برنامج خاص بالأطفال ما دون السادسة ، بل أيضاً هو موجه للمراهقين من ثقافة أخرى لا تمت إلينا بصلة .
مما سبق يظهر أن علي القائمين على إدارة هذه القنوات مراجعة المادة المطروحة و السياسات التي تحكمها بما يوافق الأخلاق لأن أطفالنا ليسوا لعبة في أيديهم بل أمانة لا يحسن بهم تبديدها خاصة و معظم هذه القنوات تبث من دول عربية و بأموال عربية لا يجب استغلالها في تكوين عقول مرتبكة أو في أحسن الأحوال تابعة لثقافات أخرى .


السبت، أكتوبر 23، 2010

الأمن و " خروج الأمن " من الجامعات

استقبل الكثيرون بارتياح قرار المحكمة الإدارية العليا بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري بخروج الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية من الجامعات و إلزام الحكومة بإنشاء وحدات أمن تتبع وزارة التعليم العالي و ليس الداخلية .
جاء هذا القرار بعد انتظار من قبل الطلاب و جانب لا يستهان به من أساتذة الجامعة ، و لا يزال البعض يذكرون يوم الغضب الذي أعلنه الطلبة في 6 أبريل 2009 و كان خروج أمن الداخلية مطلباً رئيساً بالنسبة لهم .

أعتقد أن قرار المحكمة هو في نفس الوقت إقرار للمنطق ، فكيف يتسنى لأمن إحدى المؤسسات أن يكون تابعاً ليس فقط لمؤسسة أخرى بل لوزارة أخرى ، و كيف يكون التعامل عند اختلاف التوجهات هل يوجِب الأمرُ روتيناً يضيع مئات الساعات و ربما الأيام فقط لاستصدار قرار بسيط بين اثنين من موظفي الدولة أحدهما يجلس بجوار الآخر . طبعاً أنا هنا لا أريد التحدث عن تجاوزات حدثت من بعض صغار منسوبي وزارة الداخلية في الجامعات و دون شك حدث ما حدث لإحساسهم أنهم فوق الرقابة فهم لا يتعاملون يومياً مع من يعد رئيساً لهم ، و رئيسهم الفعلي يبعد عنهم كثيراً مما يؤمنهم بما فيه كفايتهم .



الملفت للنظر أن بعض أساتذة الجامعات أعلنوا رفضهم القطعي لخروج أمن الداخلية من حرم الجامعات ، و بعضهم راح يشارك خلال الأيام الماضية بالحضور أو الاتصال ببعض برامج الكلام المباشرة Talk Shows محاولين عرض وجهة نظرهم و التي بدت تعلقاً بأمل أخير لم يتحقق في إثناء القضاء الإداري عن قراره .
أحد هذه المداخلات التي أثارت حيرتي مداخلة من رئيسة قسم الجغرافيا بكلية آداب جامعة الزقازيق* ، و كانت متحمسة للغاية ضد فكرة الطرد التي ما كانت تأكدت بعد ، و صرخت ماذا أفعل عندما أتعرض لاعتداء من أحد الطلاب داخل المدرج .. مَن أستدعيه ليحل المشكلة ؟
الغريب في تساؤل الأستاذة أنها أغفلت كون خروج الأمن التابع للداخلية لا يعني بحال إلغاء وحدات الحرس الجامعي و إنما تغيير تبعيتها فقط .
أما الأكثر غرابة فهو قصة روتها عن شخص دخل المدرج حاملاً " شومة " قاصداً أحد الطلبة لتأديبه نظراً لقيام الأخير بالنصب عليه في " كروت شحن " .
أجابها المذيع بذكر واقعة أخرى حدثت على حد قوله في نفس الجامعة ، حيث تم قتل أحد الطلبة رمياً بالرصاص ، و زاد ما ذكره المذيع حماس أستاذة الجغرافيا لتذكر حادثة أخرى حيث فوجئ أساتذة و طلبة نفس الكلية بطالبات يهرولن مذعورات ليكتشف الجميع قيام طالب " في الدور الخامس " بإجبار الطالبات على مشاهدة فيلم إباحي بعد تهديدهن بشفرة حلاقة يمسكها بيده .
رغم إنني لا أستطيع التشكيك في صحة الوقائع لكنني أيضا لا أخفي عدم تصديقي لها ، و اعتقادي إنها - على الأقل - تحوي بعض المبالغات أو الإغفال للتفاصيل .
لكن هذه ليست المشكلة ، المشكلة الحقيقة أن تلك الوقائع - لو صحت - تثبت فشل وحدات الأمن الحالية في القيام بالدور المنوط بها ، و هنا تُضم هذه الوقائع لسلسلة التجاوزات التي أوجبت إصلاحاً إداريا ً لعله يكون مفيداً للجميع . 
__________________
* هذه المداخلة كانت لأحد برامج قناة الفراعين ، و المذيع هو الدكتور توفيق عكاشة رئيس القناة .


الخميس، أكتوبر 21، 2010

الطرق يصنعها المشي .. و أم محمد بتاعة الدائري*

فجأة
تحول الحديث في أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة عن حادثة الطريق الدائري التي راح ضحيتها اثنى عشر قتيلاً بسبب رعونة قيادة شاب متهور ، إلى أم محمد التي صنعت ( نصبةً أو فرشة ) على رصيف الدائري تقدم من خلالها الشاي و المشروبات و بعض أنواع البسكويت للسائقين .
لفت نظري أن اثنين من كبار أساتذة الهندسة متخصصين في هندسة الطرق ، اهتما بفكرة وجوب الرقابة على الطريق حتى لا تحدث مثل هذه الحوادث المفجعة ، و انجرف بهما الحديث عن أم محمد متناسين تماماً أن ثلاثة محاور اشتركت في كونها أساساً للحادث ، و هي :
  • تهور قائد المركبة .
  • كثرة المخالفات السلوكية على الطريق الدائري من قبل راكبي المركبات ، و المشاة ( الذين لم يُصنع لهم الطريق أساساً ) ، و أحيانا عناصر أخرى بعضهم هو المكلف أصلاً بحفظ النظام .
  •  ثالثاً ، و أهم ما في الموضوع ، مشاكل في تصميم و تنفيذ الطريق .
المحوران الأخيران ،  من وجهة نظري ، مرتبطان تماماً ، و هما السبب الرئيسي لكل مشاكلنا ليس على الطريق الدائري فقط بل في كل مكان .
فالسؤال الذي أجده ملحاً ، لماذا يترك المصممون عندنا أخذ سلوكيات الناس في الاعتبار عند الشروع في تصور أي مشروع جديد ؟ 
ليس منتظراً من الناس إذا وضعتهم في بيئة تجريبية غريبة عنهم أن يسلكوا بطريقة مختلفة عما اعتادوه و تفرضه ثقافتهم ، و الأسهل أن تحور هذه البيئة ( الجديدة ) لتناسب تصرفاتهم ، و بذلك تأخذ بأيديهم ، و تحمي بيئتك دو ن عوائق تدمر البيئة و الناس معاً .
و في مثال كالطريق الدائري و غيره من الطرق المصرية التي وصل ضحاياها إلى 22 ألفاً في السنة ( أي أكثر من ضحايا بعض الحروب التي استمرت لسنوات ) و لمن لا يعرف الدائري فهو طريق أنشئ كما في معظم دول العالم في السنوات الأخيرة ليدور حول المدن الكبرى ناقلاً تكدس السير من قلب المدينة إلى خارجها مع تحديد مخارج تصل إلى مناطق محددة تعتبر محاور للوصول إلى مختلف أحياء المدينة .
دائري القاهرة مختلف بشكل كبير عن الطرق الدائرية الأخرى التي أنشئت حول كثير من المدن المصرية و هذه الطرق لا تواجه مشاكل الطريق الأول الذي يمر حول واحدة من أكبر المدن في العالم و التي تزيد مساحتها عن بعض الدول في أوروبا أو الخليج العربي ، كما أنه يمر بأكثر مناطق القاهرة عشوائية و التي أنشئت عند أطراف العمران دون رقيب أو حسيب و كان متوقعاً طبعاً أن يستمر قاطنوا تلك المناطق في تحويرهم المتعمد للطريق ليتناسب و متطلبات حياتهم ، فتجد سائقي الميكروباص ( النقل العام ) يتوقفون لينزل بعض الركاب في مكان لا يبدو ذا صلة بالعمران و عندما تسأل تجد من يشير في اتجاه ما و يخبرك أن ثمة سلَّماً هنا ، و هذه السلالم صنعت بأيدي المواطنين بطريقة غير آمنة لكنها تضمن الوصول للقاطنين و الذين يعمل معظمهم في وسط القاهرة أو مصانع مدينة 6 أكتوبر و غيرها كما أنها تؤمن استمرار الرواج العمراني لهذه المناطق التي لولا وجود الدائري لتحولت إلى مدن نائية لا يسكنها أحد ، و ربما حتى أصبحت خرائب و أطلال . 
على جانب آخر تجد سائقي النقل يتوقفون رغماً عن الطريق ليتناولوا الشاي ويشتروا بعض حاجاتهم البسيطة من أم محمد و غيرها ممن يقدمون هذه الخدمات التي لم يوفرها مصمم الطريق حيث لا يمكننا الأخذ في الاعتبار الأسواق الملحقة بمحطات تموين البنزين و التي تعتبر خدماتها غالية بالنسبة للسائقين و التبَّاعين و غيرهم من مستخدمي الطريق .
هنا كان على المصممين الذين لا أشكك في كفاءتهم و الذين صمموا أو شاركوا في تصميم و تنفيذ طرق هامة في كثير من دول العالم أن يأخذوا في الاعتبار سلوكيات الناس المتوقعة و التي تختلف كثيراً عما يجدونه في الكتب العالمية ، و تختلف عما ينتظر من سكان مناطق راقية في قلب المدينة الكبيرة ، ربما إذا فعلوا ذلك لقاموا هم بتوظيف أم محمد من البداية لتقديم خدماتها على الطريق و وفروا الكثير من المال و النظام و الأرواح التي فقدت في سبيل كوب من الشاي تقدمه أم محمد .

الثلاثاء، أكتوبر 12، 2010

التوثيق البصري كواجب عام .. ليحمل كل منا كاميرا أينما ذهب

الصورة مش زي الأصل .
هذا ما يقال إشادةً بأصل ما ، لكن من يردد هذه العبارة لا ينكر في قرارة نفسه أن للصورة ميزة على الأصل ؛ فللصورة عمر أطول و لو بقليل .
هذا الامتداد الزمني هو ما أعطى للصور أهميتها حيث تبقى أثراً للحدث و دليلاً عليه يمكن دراسته بتأنٍ و تدقيق ربما لا يكون متاحاً أثناء وقوع الحدث .
و في هذا السياق أذكر ضمن الأحداث اللاحقة بغرق العبارة السلام 98 بوكاشيو تجمع عدد من المصورين و مراسلي الصحف و الفضائيات أمام إحدى المستشفيات بالبحر الأحمر عندما وجدنا سيارة ميكروباص تحمل مجموعة من الناجين قيل إنهم من طاقم العبارة و قمنا بتصويرهم و حاولنا التحدث مع بعضهم ، كانوا بصحة جيدة ، و أذكر أن أحدهم كان يرغب في الحديث لكن آخر نهره ثم أُخذوا جميعا إلى الطابق العلوي بالمستشفى . بعد ذلك بأكثر من عام اكتشفت بعض القنوات التليفزيونية هذه اللقطات في أرشيفها و قامت بعمل تحقيقات حولها حيث أن هؤلاء البحارة اختفوا و ظن أهلهم أنهم غرقوا مع من غرق لكنهم تعرفوا عليهم في تسجيلات الفيديو و بدأوا رحلة التفتيش عن أبنائهم و بحث مصيرهم .
هذا مجرد مثالٍ واحد و الأمثلة كثيرة لا يتسع مجالٌ لذكرها ، فكم من حوادث في العالم أجمع يتم طمس معالم الأدلة فيها بقصدٍ حيناً و ربما بحسن نية في أحايين أخرى و لا يتبقى للبحث أو الدراسة و التحقيق سوى لقطات قام مصورون هواة أو محترفون بالتقاطها .
هنا أدعي و لعلي على حق أن ما يشمله الفيديو كوسيط من فن أو حرفية لا يضاهي بحال قيمته كوثيقة تعكس الحياة كما هي بصورتها و حركتها و صوتها الأصلي . هذه القيمة جعلت اليونسكو يعلن 27 أكتوبر يوماً عالمياً للتراث السمعبصري World  Day for Audiovisual Heritage و الذي تم الاحتفال به للمرة الأولى عام 2007 و احتفت بعض الدول بإنشاء جمعيات تهدف لجمع التراث السمعبصري من أشرطة فيديو و صور و أفلام سينمائية و تسجيلات صوتية .
هذه الجمعيات مفيدة جداً ، لكن على المستوى الشعبي و في دول عالمنا العربي أدعو للقيام بمبادرة شعبية و بدعم حكومي بهدف تسجيل لقطات فيديو بأي وسيلة بدءاً بكاميرات المحترفين و حتى كاميرات الهواة أو الهواتف الجوالة لتوثيق كافة مناحي الحياة مع الحفاظ على الخصوصية الفردية ، و لذلك أسباب عدة منها :
  • اهتمام المواطن العربي بحفظ وثائق بصرية للحياة العامة من زاوية رؤيته الخاصة محدود فلازال هواة تصوير الفيديو يكتفون بتسجيل أحداث عائلية خاصة رغم أهميتها لهم إلا أنها لا تشكل مشاركة في تكوين ذاكرة سمعبصرية عامة ، بالإضافة إلى أن تقاليدنا الاجتماعية لا تجعلنا نرحب بنشر هذه التسجيلات. و لعل هذا سبباً في محدودية المطروح من الفيديوهات للحياة العربية .
  • صعوبة استخراج تصاريح تصوير للمحترفين عقبة أخرى في سبيل تكوين سجل سمعبصري شامل منفَّذٌ بحرفية ، و هو ما يعطي ميزة للهواة تجعل بعض المصورين يستخدمون معدات هواة هروباً من الصعوبات و التعقيدات .
  • انتشرت معدات تصوير سهلة الاستخدام و رخيصة و في نفس الوقت ذات جودة معقولة .
أخيراً لا يخفى على أحد أن انتشار الفيديو ساهم و يساهم في كشف كثير من نواحي التقصير في المجتمع و التي يستفيد بمعرفتها المسؤلون قبل العامة ، و هو ما يجعل من المفيد لأي حكومة تشجيع انتشار الكاميرات في أيدي الناس و استخدامها مما يمد صانعي القرار بتدفق معلوماتي مجاني عليهم رعايته خاصة لكون توجه كهذا مثيراً لسخط كل من على رأسه بطحة و يخشى انكشافها .

الأربعاء، أكتوبر 06، 2010

أوبرا عايدة .. أن أكون مزعجاً رغم أنفي

طبعاً الكل يعرف تلك الأوبرا الشهيرة حتى لو لم يكن من هواة فن الأوبرا .
كما أن محبي هذا الفن ، و المتيمون بقصة العشق و التضحية المؤثرة ، تبهرهم العروض التي دأبت الأوبرا المصرية على عقدها بين حين و آخر عند سفح الهرم فيمتعهم ليس فقط أداء فناني الأوبرا  لكن أيضاً الجو العام المحيط من إطلالتهم على الأهرام الشامخة ، و ترقبهم أبي الهول يحدق نحو الشرق بنظرته الهائمة و وجهه شبه المبتسم القديم .
لكن ماذا يحدث عندما تأتي من آخر بلاد الدنيا و تكلف نفسك تذاكر طيران و حجوز فنادق و تذاكر لدخول العرض ثم تجد أمامك في مواجهة عينيك منصات فوقها مصورون تليفزيونيون بكاميرات نقل خارجي ضخمة لا يستطيعون إزاحتها من أمامك ، و حتى لو استطاعوا لحجبوا الرؤية عن زوجك التي تجلس بجوارك أو شخص آخر في نفس الصف ؟!
بالأمس كنت أنا واحداً من هؤلاء ، و شاركت في تنغيص المشاهدين و تكدير صفوهم رغماً عني ، و رغم أن الحفل كان رائعاً أشاد به المختصون .
منذ اللحظة الأولى لدخولى ساحة العرض مع المصورين الآخرين تعجبت من مكان وضع الكاميرات و وجدت أن الزملاء الآخرين لهم نفس الرأي ، لكن أحداً لا يستطيع تغيير الواقع في الساعات الأخيرة ببساطة لأن المشكلة ليست فقط في أماكن الكاميرات ، المشكلة الحقيقية في أن تصميم المسرح من الأساس كان يجب أن يحدد فيه أماكن كاميرات النقل الخارجي ، و أيضاً كاميرات القنوات الإخبارية التي ستقوم بتغطية الحفل ، طبعاً بناء على دعوات من المنظمين ( مسئولي الإعلام ) الذين يهمهم دون شك أن توضع أخبار الحفل في كل نشرات الأخبار العالمية .
المشكلة بوضوح أشد هي في الانفصال بين عمل كل عنصر عن الآخرين ، و هي ثقافة أصيلة عندنا ؛ نصنع دائماً مارش الفوضى* و نعتمد أن تسير أمورنا " ببركة دعاء الوالدين " فإذا وقعت مشكلة يلقي كل واحد اللوم على الآخرين و في الحقيقة يملك الجميع دليل براءته لأنه فقط كان مسئولاً عن ما تحت قدميه و يؤدي عمله على أكمل وجه أما ما عدا ذلك فثمة آخرون كان عليهم القيام به .
هذا نفسه دليل إدانة ، فكيف يكون فريق العمل مهتما بكل التفاصيل و في نفس الوقت ليس هناك من يهتم ب ( كل ) التفاصيل ، ليس هناك من يراقب الصورة العامة ، الكاملة ، الكلية و ينسق التفاعل بين الجميع .
أذكر عند مشاركتي في نقل حدث مماثل لقناة أجنبية أننا تواجدنا لعدة أيام قبل الحدث ، و الكل يدرس دوره الذي كان محدداً بدقة شديدة ثم في اليوم الأخير قبل النقل المباشر و أثناء البروفة الجنرال كان كل شيءٍ في مكانه بما في ذلك الجمهور حيث حرصنا على حضور جانب من الجمهور ليكون في الإمكان دراسة جميع الاحتمالات ، و كل الأخطاء أو الهفوات التي وقعت في البروفة لم تمر بنا نهائياً أثناء العرض ، بل أعتقد أنني لو أردت أن أخطئ لما استطعت .
هذا هو الفرق بين ثقافتنا كمصريين و عرب ، و ثقافات أخرى تدرك أن الصورة نتاج تآلف العناصر ، و ليس تلفيق مجموع التفاصيل .
___________________
* مارش الفوضى : هو تعبير أطلقه أحد القادة العسكريين عندما زار دولة ناشئة و كان حاكم هذه الدولة زار دولة الضيف قبل ذلك و أبهره ما استقبلوه به من حرس شرف و فرقة موسيقى عسكرية تعزف النشيد الوطني ، فأمر بجمع موسيقيي بلده ليستقبل الضيف بحفاوة مسبقة ، و أمرهم أن يبدأوا بالعزف معاً عندما يرفع يده ، و هو ما كان .. طبعاً حدثت فوضى شديدة و نشاز مزعج مما جعل الضيف يقول : هذا مارش لكنه مارش الفوضى .

السبت، أكتوبر 02، 2010

باكستان .. اجتماع الأدواء على بلاد الطيبين



  أشير بداية إلى أنني أحب باكستان و لا أعرف لماذا ، كما أحب الباكستانيين و أدرك أن ذلك دون شك سببه أنهم أناسٌ طيبون بسطاء على اختلاف طبقاتهم ؛ فمنهم الفقراء الذين تقابلهم في دول الخليج أكثر من مواطني تلك الدول أنفسهم يمارسون أعمالاً بسيطة لقاء أجور زهيدة للغاية . و منهم من يتربعون في قوائم أغنى أغنياء العالم ، و مع ذلك يشتركون أغلبهم في كونهم أناس ودودون حسنو المعشر نقيو الجوهر .
  
 لزمن طويل ظلت لباكستان في أذهاننا صورة فخمة كبلد قوي متماسك ، بلدٌ يملك سلاحاً نووياً مثله مثل الدول العظمى ، و صوته دائماً عالٍ مقدرٌ في المحافل الدولية . لكن بقليل من التمهل و التأمل عندما تعمِّق النظر و تتفحص الصورة ، عندما تتفقد ما حولها تكتشف إنها صورة معلقة بخيطٍ متهالك إلى حائطٍ متصدع ينتظر انهياراً يأتيه في أية لحظة لا قدر الله .
  فباكستان تعقـَّـبَتها مشكلات ضخمة بدأت حتى قبل لحظة ولادتها .
  بدأت قبل استقلالها و تحولها إلى دولة من دول رابطة الشعوب البريطانية ( الكومنولث ) في 14 أغسطس من عام 1947م. ذلك التاريخ الذي واكب انفصالها عن الهند التي لحقتها بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني في اليوم التالي ، لتصبح القارة الهندية مقسمة بين وطن للهندوس في الهند و آخر للمسلمين في باكستان ، و كانت تلك أول قضية معلقة حتى الآن ؛ فإذا كانت الأغلبية العظمى من سكان باكستان من المسلمين ، إلا أن الهند لازالت تشمل عشرات الملايين من المسلمين ، بل إن مسلمي الهند يزيدون عدداً عن المسلمين في عدد من الدول الإسلامية مجتمعة ، فكانت مثلاً معضلة كشمير التي ظلت قنبلة موقوتة أو غير موقوتة لكنها تهدد العلاقات بين البلدين دائماً و تظل محوراً للصراع . كشمير التي تحوي أغلبية عظمى من المسلمين ظلت تحت حكم أقلية هندوسية ، و لم تستطع باكستان خلال صراع طويل - كاد يصل إلى مواجهة نووية – أن تحسم المشكلة .
  هذا و قضية الهوية الإسلامية لم تتوقف عند الصراع العسكري مع الجارة الهند . فباكستان التي ظلت تحمل اسم جمهورية باكستان الإسلامية ، حُكمت و لازالت تحكم بواسطة رؤساء لا تخفى توجهاتهم أو ارتباطهم الثقافي بالغرب و وصل الأمر إلى قيام الدولة في عهد محمد أيوب خان الرئيس الثاني لباكستان بإلغاء صفة الإسلامية من اسمها لتصبح جمهورية باكستان .
  أيوب خان الذي قال : " سوف نشحن جميع العلماء في قارب و نطردهم خارج باكستان " و قال أيضاً : " نحن لسنا مسلمين فقط ، نحن أيضاً باكستانيون " هو نفسه من أعلن " الجهاد المقدس " على الهند و انتهى أمره بعودة باكستان لاسمها القديم ( جمهورية باكستان الإسلامية ) ثم اضطراره هو نفسه لتقديم استقالته بعد أزمات عدة منها التشكيك في نزاهة الانتخابات التي فاز فيها على فاطمة علي جناح أخت مؤسس دولة باكستان و أول حاكم عام لها ، و معارضة شديدة لحمكه من أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان ، ثم الاستياء الشعبي العام إثر عقده اتفاقية طشقند مع الهند التي قيل إنها حولت النصر في أرض المعركة إلى هزيمة على مائدة المفاوضات مما دفع وزير خارجيته و ذراعه اليمنى ذو الفقار علي بوتو إلى ترك الحكومة و تأسيس حزب الشعب الباكستاني بهدف إقصاء أيوب خان عن الحكم .
  لم يكن أيوب خان و عهده كرئيس لباكستان آخر عهد الفصام الذي يصيب باكستان في شأن الهوية الإسلامية .
  باكستان التي عقد بها ثاني اجتماع لمؤتمر القمة الإسلامي و التي يتولى رئيسها بحكم منصبه رئاسة اللجنة الدائمة للتعاون العلمي و التقني بين الدول الإسلامية و مقرها إسلام اباد ، هذه البلد التي أعلن فيه الجنرال محمد ضياء الحق عندما تولى الرئاسة عام 1977 أن من مهام حكومته تطبيق الشريعة الإسلامية هو نفس البلد و ذات الحاكم الذي صرح عام 1988 بعد عقد من الزمن أو يزيد قائلاً " إنني أخاف الله و أخشاه ، و أعلم أنه سوف يسألني غداً : لماذا لم تحكم بالشريعة الإسلامية ؟ و الشعب سوف يسألني لماذا لم تأخذ على يد الظالم " أعقب تلك التصريحات محاولة لأسلمة باكستان انتهت سريعاً باغتيال ضياء الحق إثر تفجير طائرته الخاصة بقنبلة ، و لازال الفاعل مجهولاً ؛ حيث كثر أعداؤه فاتهمت أمريكا و المخابرات الإسرائيلية و الشيعة و الليبراليون في باكستان و حتى الجماعة الإسلامية .

  الهوية و قضايا أخرى


  لا شك ، إن استقرار باكستان مرتبط ارتباطاً وثيقا بالهوية الدينية ، فهي بلد قامت و عمادها الذي التف حوله الجميع اشتراكهم في الإيمان بدين واحد مع اختلاف واضح في جوانب أخرى كانت لتمثل هوية مشتركة لشعب آخر مثل الأصول العرقية أو اللغة أو الثقافة هذه الأمور متنوعة بشكل واضح في باكستان مما انعكس على استقرار البلد ، فلم تلبث بعد عقدها معاهدة مع الهند بشأن كشمير أن نشأ صراعٌ آخر أدى إلى انفصال باكستان الشرقية و التي تحولت إلى دولة بنجلاديش الحالية .
  كما انعكس عدم الاستقرار السياسي في أسباب انتقال الحكم بين ثلاثة عشر رئيساً ( و في بعض القوائم هم أحد عشر ) . 
كثيرٌ من الباكستانيين يشعرون بفخر إزاء هذا العدد و كأنه دليل على الديمقراطية أو نضج المجتمع و مؤسساته ، لكن دعونا نتأمل قليلاً :
   *  انتهى حكم الرئيس الأول اللواء اسكندر ميرزا بانقلاب عسكري عام 1958 بعد حوالي عامين من إعلان الجمهورية و كتابة الدستور الباكستاني ، تولى إثره محمد أيوب خان الحكم .
    * بعد حوالي سبع سنوات من حكم أيوب خان عقدت انتخابات شُكك في نزاهتها و فاز هو نفسه فيها ، لكنه ما لبث أن اضطر للاستقالة بعد فشله في قضية الصراع مع الهند .
    * تولى بعد ذلك الحكم قائد أركان الجيش آغا محمد يحيى خان و الذي انتهى حكمه باستقالته بعد هزيمته أمام الهند و انفصال باكستان الشرقية و تحولها إلى دولة بنجلاديش إثر قتالٍ دامٍ أدى إلى وفاة أكثر من مليون شخص .
    *  تولى بعد ذلك الرئاسة ذوالفقار علي بوتو الذي بدأ في عهده البرنامج النووي الباكستاني ، لكنه اتهم بالديكتاتورية و زاد في عهده نفوذ الجماعة القاديانية ( الأحمدية ) التي اتهمت بالخروج من الملة ، كما اتهم بتزوير الانتخابات مما أدى إلى انتشار الفوضى في البلاد ، و انتهى أمره بانقلاب عسكري أودع إثره السجن ثم تم إعدامه .
   * جاء الانقلاب العسكري بالجنرال محمد ضياء الحق إلى الحكم ، و من حديث كثير من الباكستانيين أشعر أنهم كانوا يحبون هذا الرجل الذي انتهى حكمه بتفجير طائرته الخاصة في عملية اتهم الموساد الإسرائيلي بالضلوع فيها و كان لتوه عائداً من استعراض أسلحة أمريكية بنيَّة شرائها لباكستان .
    * بعد ضياء الحق جاء إلى رئاسة باكستان خمسة رؤساء تعاقبوا خلال ثلاثة عشر عاماً و لم يكونوا بشهرة الرؤساء السابقين أو اللاحقين ( منهم من تولى كرئيس انتقالي فقط لمدة شهر واحد ) حتى إن شهرة بعض رؤساء الوزراء طغت على اسم الرؤساء مثلما هو الحال مع بينظير بوتو و نواز شريف الذي يتحدث البعض عنه معتقدين كونه أحد رؤساء باكستان .
    * تلى ذلك حكم الجنرال برويز مشرف الذي أعاد الجيش للحكم ، و حكم بيد من حديد ، و لم تخف توجهاته و ميله الواضح و تعاونه مع أمريكا ، ثم أدى اتهامه بالفساد و الغضب العام تجاهه رغم قمعه المعارضة طويلا إلى استقالته فيما بدا كصفقة تنقذه من مساءلة وشيكة .
    * بعد استقالة مشرف و تبعاً للدستور الباكستاني تم عقد انتخابات خلال 30 يوماً فاز فيها آصف علي زرداري أرمل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو التي اغتيلت في 2007 ابنة الرئيس السابق ذو الفقار علي بوتو الذي تم إعدامه عام 1979م.
* جدير بالذكر أن زرداري سبق سجنه مرتين بتهم الفساد و القتل ، و قيل إن فترة سجنه أثرت على ذاكرته ، كما يذكر أيضاً أنه من أغنى أغنياء باكستان . قدرت ثروته عام 2005 ب 1.8 مليار دولار امريكي بينما اتهم  و زوجته بينظير باختلاس 1.5 مليار دولار أمريكي إبان توليها رئاسة الوزراء و يطلق خصوم زرداري عليه لقب السيد 10% في إشارة إلى النسبة التي كان يحصلها ( كرشوة ) في كل الصفقات الحكومية .

*  أخيراً ، تبدو الحالة السياسية في باكستان أكثر توتراً مما كانت أبداً منذ استقال برويز مشرف الذي لا أعرف تماما لماذا أُحِس أن مغادرته الحكم كانت – نوعاً ما – تسليماً لباكستان يحولها إلى ساحة أخرى للصراع بين القاعدة و طالبان من جهة و أمريكا من جهة أخرى في ظل حكومة ضعيفة و خانعة تماماً ( بالبلدي لا بتهش و لا بتنش ) ، لا أعتقد أن ذلك كان ليحدث أثناء حكم مشرف الذي مهما قيل عن فساده و تبعيته لأمريكا و غير ذلك ، إلا أنه كان قابضاً على زمام الأمور و كانت في عهده عناصر القاعدة و طالبان - التي لا يمكن إغلاق الحدود دونها نظراً للصعوبة الجغرافية - كانت في الغالب عناصر نائمة تمارس بياتاً في باكستان و لا تتحرك أو تنشط إلا خارجه .
  لو كان الأمر كذلك فعلاً لكان علينا النظر لباكستان في المستقبل القريب بعد انتخابات 2013م. و توقع أن تعود أكثر استقراراً في ظل إعلان الرئيس السابق برويز مشرف نيته العودة إلى باكستان للمشاركة في الانتخابات المقبلة ، ولا يخفى على أحد أن حزبه الذي أعلن قيامه منذ ساعات سماه ( حزب الرابطة الإسلامية لعموم باكستان ) هذا الاسم يقتفي أثر حزب الرابطة الإسلامية الذي كان أساسَ باكستان و استقلالها عن الهند و بريطانيا في آن . و هو ما يعني رغبته الواضحة و التي أعلنها صريحة في عودة الاستقرار بعدما عمت الفوضى .
كما أن الإشارة إلى كونه حزباً لعموم باكستان فيها مخاطبة صريحة للمجتمع الغربي و أيضاً إشارة إلى قوة التيارات التي لا تقر الاتجاهات السلفية مثل العلمانيين و الليبراليين و غيرهم بما في ذلك الشيعة الذين لا يرغبون في أن يحكمهم نظام سلفي سني .

الطبيعة تأبى إلا أن تشارك

 
  باكستان بلد ذو طبيعة في عمومه شديدة القسوة ، لكنها أصبحت أكثر ضراوة في السنوات القليلة الماضية متعاونة مع التوتر السياسي و الفساد الإداري لتحول حياة البسطاء إلى جحيم ، و ما يجعلني أقول : " البسطاء " إيماني التام بأن ثورات الطبيعة عادة لا يتضرر بها إلا الفقراء أما الأغنياء و الحكام فعادة لا يصيبهم الأذى بل ربما كانت في الكوارث مصادر دخل و مجالات استثمار جديدة لهم .
  في 8 أكتوبر 2005 ضرب باكستان زلزال مدمر أدى إلى مقتل حوالي 200 ألف مواطن كما شرد أكثر من مليوني إنسان ، و كان يعد من أسوأ الكوارث التي ألمت بالعالم و تضافرت الجهود لجمع التبرعات كما تكالب الفاسدون على سرقة هذه التبرعات التي لم يصل معظمها إلى المتضررين ، الأمر الذي دفع كثيراً من المانحين هذه الأيام إلى الإحجام عن إرسال المساعدات أو التباطؤ فيها رغم أن الكارثة الحالية في باكستان أخطر كثيراً من سابقتها حيث أن الفيضانات أو الطوفان الذي هاجم كثيرا من المناطق الباكستانية منذ 27 يوليو 2010م. ألحق أضراراً بحوالي 21 مليون باكستاني أي ما يقارب 12% من السكان و قدرت الخسائر الناجمة عنه ب 43 مليار دولار ، كما قتل ما يزيد عن 1760 شخصاً .





تعقيب : الصور المرفقة غير مملوكة للمدون و قد وردته نقلا عن ناقل عن ناقل ، لذا من يعرف اسم المصور أو معلومات أخرى نرجو تركها في التعليقات أو مراسلة المدون ليتمكن من نشرها

الاثنين، أغسطس 16، 2010

سوق ليبيا بمرسى مطروح .. شاهدٌ صيني على العلاقات بين مصر و ليبيا

 
 
  بداية أشير إلى أمر لاحظته في كل المدن الشرقية التي زرتها و هو وجود نوعين رئيسيين من الأسواق يحرص زوار المدينة أن يمروا بهما ، الأول هو أسواقٌ تشبه خان الخليلي بالقاهرة و عادة ستجد نفس المنتجات الموجودة بالخان من عطور شرقية و بخور و مصنوعات يدوية سواء جلدية أو معدنية و مجوهرات و حلي و عطارة مع اختلافات بسيطة بين مدينة و أخرى ، مثلاً في إسلام أباد و التي تجد مثل هذه الأسواق داخل فنادقها أو ملحقة بها لن تصادف منتجات البردي و تصاميم الآنية و التماثيل بالأشكال الفرعونية لكنك طبعا ستجد الشيَش و النراجيل أو الأراجيل و التي يقبل على شرائها السائحون العرب رغم وفرتها في بلادهم ، و في المدينة المنورة و مكة المكرمة و جدة لن تجد أزياء الرقص الشرقي لكنك ستجد بديلاً لها مزيداً من العباءات و الجلابيب و الطواقي ، أما في دبي فستجد كل شيء مستنسخا كما تجده في مصر تماماً و في البلاد الأخرى أيضاً .
 
   النوع الثاني هو أسواق المنتجات الرخيصة بعضها محلي الصنع و بعضها مستورد ، و أغرب ما في هذه الأسواق حالياً هو أن جُل معروضاتها صينية الصنع و رغم ذلك لازال المسافرون الوافدون يمرون بها و يملأون حقائبهم من بضائع تغرق أسواق بلادهم كما تنضح بها كل أسواق العالم . 
 
 
   سوق ليبيا بمدينة مرسى مطروح التي تقع شمال غربي مصر قريباً من الحدود المصرية الليبية ، هو أحد هذه الأسواق من النوع الثاني ، و يتميز هذا السوق باسمه الذي استمده كونه امتداداً أو تطويراً لشارع المهربين أو التهريب الذي يقع قريباً منه و كان مركزاً مهماً لبيع البضائع المهربة من ليبيا .
 
 
  أيام الانغلاق الاقتصادي - كما لازال يذكرها المصريون - لم يكن استيراد الكماليات و كل أدوات الرفاهية أمراً مسموحاً للمصريين بينما كانت السلع الأوروبية تغرق ليبيا من كل صنف ولون فكانت الحدود الصحراوية بين مصر و ليبيا بوابة تتدفق عبرها تلك البضائع مما جعل المهربين ينشطون مستخدمين سيارات الدفع الرباعي في اختراق الصحراء للحصول على المكاسب الكبيرة التي تدرها هذه التجارة ، و أظن الحكومة المصرية بشكل أو آخر تركت تلك الفسحة عن وعي و زادت سماحتها بعد نكسة 67 و حتى قيام الثورة الليبية ( ثورة الفاتح من سبتمبر ) عام 1969 و التي تبنت أفكاراً اقتصادية كالتي كانت مطبقة في مصر حينها و من ثم انتهى سبب التهريب ، و إن كان نشاط المهربين نفسه لم يختف إلا بعد ما أصاب العلاقات المصرية الليبية من توتر بسبب الخلافات بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات و الرئيس الليبي معمر القذافي ( مع حفظ الألقاب ) الأمر الذي دفع السلطات لتشديد الرقابة على الحدود و تمركز جانب من الجيش المصري في الصحراء الغربية كما ألزمت الحكومة المصرية أصحاب سيارات الدفع الرباعي بتركيب أرقام مرورية ليسهل معرفة أصحابها ، و راحت الطوافات تطارد من يحاول اختراق الحدود .
 
 
اليوم و عندما تتجول في سوق ليبيا بمرسى مطروح لن تصادفك إلا أصنافٌ قليلة من البضائع محلية الصنع ( منتجات واحة سيوة من التمور و الزيتون و الملوخية الجافة و النعناع الجاف ) و قليل أيضاً من المنتجات القادمة من المغرب العربي مثل الكسكسي و التونة المعبأة الواردة من تونس ، و فيما عدا ذلك سترى كل ما تراه في القاهرة من منتجات صينية ، كل شيءٍ صيني حتى فوانيس رمضان المصنعة بأشكال أبو تريكة ( لاعب المنتخب المصري ) و المعلم حسن شحاتة ( مدرب المنتخب ) .
و يبقى اسم ليبيا على السوق كذاكرة لتاريخ و أيام يراها البعض حلوة ويصفها آخرون بالمُـرة ، لكنها على أي حال مرت ، و لعل القادم أجمل .
 
 
 

الخميس، يوليو 29، 2010

سيدي عبد الرحيم القناوي .. شاهد على عصر الإنسان

هذه الأيام ككل عام وفد الصعايدة و غيرهم إلى مدينة قنا .
مدينة قنا التي لم يعد أحد يسخر عند سماع اسمها و يردد ضاحكاً : " قنا عذاب النار " .
في الماضي كانت قطعة من العذاب يُنفى إليها كل معاقب و كل مغضوب عليه من الموظفين الحكوميين في أقاليم مصر المختلفة . يرسل عبر مسافات بعيدة و لساعات طويلة يشهد من خلال نافذة قطار متهالك يسير بمحاذاة النيل زيادة الحرارة درجة درجة و ارتفاع معدل الفقر من قرية إلى أخرى حتى يصل مقره الأخير حيث يقضي مدة تطول أو تقصر إلى أن يجد منفذاً ما يرتد خلاله إلى الشمال ليحكي لأهله و أبنائه أنه كان في قنا ، و قنا عذاب النار .
لم تعد المدينة عذاباً فقد ازينت شوارعها و أصبحت أكثر تحضراً و نظافة حتى أصبح من يأتي لزيارتها من الشمال يغبط أهلها على ما صارت إليه ، و لعلك تجد كثيراً من أبنائها الذين هاجروا شرقاً و غرباً يتمنون العودة إليها فهي جديرة بجذب الناس بعد أن ظلت عشرات السنين طاردة للسكان .
شيءٌ وحيد ظل مع تقلب أحوال الدهر جاذباً للمحبين من كل صوب و درب هو مقام القناوي سيدي عبد الرحيم الذي يحتفل أبناء قنا و معهم كثير من المصريين بمولده كل عام فيحتفون في ذكرى مولده بذكر الله يلتقون على حبه و لا يخلو الأمر من تجارة و لهو يجر الأطفال و أهلهم للترويح عن النفس في ساحة تحيط بالمسجد و تغص بالضيوف .
القناوي الذي ارتبط ذكره بالمدينة لن تجد من يلتفت كثيرا إلى أنه هاجر إليها من سبتة المغربية ، و سيرته التي تتحدث عن أسفاره تثير في النفس رغبة المقارنة بين عصره و حاضرنا ، نحن أبناء عصر العولمة و حقوق الإنسان لا يستطيع واحد منا مغادرة بلده و الإقامة في أي بلد آخر إلا بتأشيرات و تصاريح ، بل إن بعض البلدان تمنع عن بعض قاطنيها الحق في استخراج هذه التصاريح مثلما حدث في المغرب - التي أتى منها القناوي قبل قرون - عندما سُحبت جوازات السفر من بعض النشطاء الصحراويين فقط لأنهم يعارضون السلطة ، كان السيد عبد الرحيم قادراً على السفر و التنقل لمجرد رغبته في ذلك لأنه هو من يقرر مصيره ، و دون حاجة إلى وثيقة العهد الدولي لحقوق الإنسان التي استحدثت في العصر الحديث و التي تذكر في بنديها الثاني عشر و الثالث عشر أصالة حق الإنسان في التنقل داخل أي بلد يقيم فيه و مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده .
استطاع عبد الرحيم التنقل بين البلاد فدرس علوم الدين مدة سنتين بدمشق و درَّس في أحد المساجد ببلده الأم كما أقام سنين بين مكة المكرمة و المدينة المنورة قبل أن يهاجر و يتاجر في قوص بصعيد مصر ثم ينتهي به المقام في مدينة قنا التي بقي يدرس علوم الدين فيها و يتاجر بين تجارها .
في كل هذه الأسفار و الإقامات في البلدان المختلفة لم يجد القناوي من يرفضه و يحنق لوجوده و يعتبره أجنبياً . كانت بلاد الله بلاده و كل الناس أهلاً له حتى إنه عين في وقت ما حاكماً على قنا زمن الأيوبيين دون أن يرى أحد من أهل البلد غضاضة في ذلك ، لقد كان عصره عصر إكرام للغرباء و استضافتهم و احتوائهم .
أما في عصرنا هذا فيكفي أن تعبر الحدود بين بلدين متلاصقتين يعيش فيهما شعبان ذوا أصل واحد لتتحول إلى شخص لا حقوق له . انظر مثلاً إلى حال مهاجرين عرب في بلاد مثل دول الخليج التي يتحول الشخص بدخوله إليها إلى فاقد للأهلية يتعامل من خلال كفيل يتحكم في كل تفاصيل حياة المكفول و يبتزه لقاء كل خدمة يؤديها له و كثيراً ما يمنعه من العودة إلى بلده إلا بدفع مقابل مادي و هو ما يجعل الأجانب في هذه البلاد لا يفكرون في تنميتها أو مساعدة أهلها للنهوض بها فهم يعرفون إن كل ما يبذلونه لن يقابل في النهاية إلا بنكران . مهما عاشوا سنين طويلة في هذه البلاد و خدموها لن يحصلوا على جنسيتها أو اعتراف بحقوقهم المدنية فيها و بالتالي فإقامتهم كما يقال : " ديتها فلوس " يقدمون عملاً روتينياً لجمع مزيد من المال حتى يغادروا البلد في أقرب فرصة . إنهم يعتبرون إقامتهم في هذه البلاد وقتاً مستقطعاً من حيواتهم أما الحياة الحقيقية فتبدأ عند عودتهم إلى أوطانهم . و في النهاية كل الأطراف خاسر .
قارن ذلك بحياة القناوي الذي جاء فعمرَّ و خدم أهل البلد حتى أحبوه و قدموه عليهم و ظلوا حافظين لذكره حتى بعد أن توفاه الله بقرون عديدة .
هل كان ذلك ليكون لو ظل الرجل ملاحقاً بإحساس الغريب ؟
رحم الله السيد عبد الرحيم القنائي .
و رحم تلك الأيام التي كان فيها الإنسان حراً و الإنسانية وطناً يستظل بفيئها الجميع .



الجمعة، يوليو 16، 2010

تصريح شوارع .. التصوير حق للجميع


  أصبح عادياً و أنت تقف بالكاميرا وتقوم بتصوير أي شارع أو ميدان عام أو حتى قطة هائمة أن يأتي إليك شرطي متحمساً ويقول لك كلم الضابط والضابط الذي يجلس بعيداً في الظل تحت شجرة أو داخل أحد المقاهي وربما أحد محال وسط البلد المكيفة سيسألك أولاً: أيوة يا سيدي عاوز إيه؟ 

 

  هنا ستجيبه أنت بشرح ما حدث من الشرطي الذي يبدو عليه أنه مجند أو حديث الالتحاق بالداخلية.. ستقول له إنه أخبرك أن عليك أن تكلم الضابط ، يعني أنك لم تكن ترغب في ذلك.. هنا يهمهم السيد الضابط ويبدو أنه فهم المسألة؛ فيقوللك: طب يعني مش عيب عليك. 

 

  لن تفهم أنت مغزى العبارة، ما هو العيب بالتحديد: هل التصوير نفسه، أم أنك لا سمح الله كنت تصور شيئاً دون أن تدري خارجاً عن حدود اللياقة والأدب، ينكره المجتمع عليك، وتوقفك الشرطة بسببه! 

 

  هنا يردف الرجل مفسراً: انت مش عارف إنك عشان تصور في الشارع لازم يكون معاك تصريح شوارع؟ 

 

   تصريح الشوارع والذي يعني تصريحا يستخرجه المرء من الداخلية بعد أن يمر على جهات أمنية عديدة، شديدة الأهمية، هو ظاهرة تؤرق المصورين محترفي الصحافة والهواة أيضاً في مصر، ومن النادر أن يواجهك طلب تصريح كهذا في أي من بلاد العالم المتقدم وكثير من البلدان النامية أيضاً، ولا بد أن نعتبره أمراً غريباً في مصر خاصة أنها بلد سياحي كل من يأتي إليه يجلب كاميرته معه ليحفظ ذكرياته فيه مما يعد أيضاً دعاية مجانية على الدولة تشجيعها لا وأدها.

 

  مصر التي يمنع فيها تصوير الشوارع، أو التصوير في الشوارع، يصرح فيها بالتصوير في قاعات المحاكم وتصل الكاميرات والمصورون ومراسلوا الصحف والإذاعات المرئية والمسموعة حتى قفص المتهمين في قضايا شديدة الحساسية والتعقيد، بل يكون زخْم الكاميرات من القاضي والمستشارين أقرب من أنفاسهم إليهم دون أن يعد ذلك شيئاً غريباً خارجاً عن المألوف رغم ما يمثله الوجود الإعلامي في موقف كهذا من تشويش على هيئة المحكمة والمحامين الذين عادة ما يحاولون استغلال الوجود الإعلامي لصالح موكليهم. هذه الازدواجية تدفعنا للتساؤل: لماذا يمنع التصوير في الشوارع إلا بتصريح؟ 

 

   الإجابة دائماً تتحدث عن الأمن والتأمين وأشياء من هذا القبيل، وهي إجابة غير شافية على الإطلاق؛ فمنذ متى تحولت شوارع وسط البلد والميادين العامة إلى مناطق عسكرية ومنشآت حيوية يحرص المصريون على عدم تصويرها أو نقل صورها إلى العالم؟ 

  ثم هل يحجب فعلاً منع التصوير هذا نقل الصور إلى العالم ؟ 

  طبعاً الإجابة لا؛ فعلى الأقل يمكن التصوير، سرقةً، لمن يريد حقاً أن يفعل، كما أن أي طفل صغير دون سن المدرسة حالياً يستطيع الحصول على صورٍ جيدة الوضوح لأي منطقة في مصر أو العالم عن طريق خدمات الأقمار الصناعية المجانية على الإنترنت، نحن نتكلم عن خدمات مجانية فما بالك بتلك المدفوعة الأجر؟

 

   هنا أيضاً أذكر أنني وأثناء قيامي مع فريق عمل تليفزيوني قبل بضعة أعوام بتصوير برنامج للأطفال، اضطررنا – رغم أن جميع التصاريح اللازمة كانت معنا – لانتظار مندوبين سيأتون من جهات أصدرت أو وقعت على تصاريح التصوير واستغرق ذلك وقتاً طويلاً حتى كادت الشمس تغرب وبالتالي نلغي أو نؤجل التصوير. 

 

  هنا تقدم واحد من أهل المنطقة متعجباً يقول: أنتم تنتظرون كل هذا لتصوروا؟! أنا أصور هنا كل يومٍ فرحاً (حفل زفاف) ومعي صور ( فيديو ) لكل شبرٍ هنا "لو عاوزينها أديهالكو". طبعاً لم نأخذ هذه الصور فقط لأنها لم تكن ما نهتم به، لكننا اكتشفنا أن مشكلتنا الوحيدة هي عدم وجود قاعدة في هذا الأمر، أو ربما تكون القاعدة موجودة لكنها غير مأخوذ بها.

 

   ببساطة الجهات الرسمية تتعامل مع مصوري التليفزيون والصحافة وهواة التصوير أيضاً بذات المنطق الذي تتعامل به مع سائقي التكاتك غير المرخصة؛ فهم يسمحون لك بممارسة عملك أو هوايتك حتى تقع في أيديهم وهنا تحاسب حساب الملكين و كأن قيامتك قامت.

 ١٦-٧-٢٠١٠  

 أحمد صلاح الدين طه

الأحد، يوليو 11، 2010

أنا و المرور و هوان .. عايشين لبعضينا

القيادة فن و ذوق ، أما استخراج رخصة السيارة فهو فن أيضاً لكن بصرف النظر عن مسألة الذوق هذه .
هذا ما أدركه لذلك عندما جاء موعد تجديد ترخيص سيارتي و الفحص الفني حرصت على استشارة كثير من الأصدقاء عما عليّ فعله ، و كان إجماعهم أن السيارة نفسها لا مشكلة فيها حتى لو كان نصفها غير موجود ، و لا داع لإصلاح أي عيب فيها " لأنك في كل الأحوال هتدفع هتدفع حتى لو كانت سيارتك زيرو " و هذا ما أذكره جيداًعندما كنت أرخِّص السيارة و هي جديدة تماماً رفض المهندس التوقيع على الأوراق الخاصة بها بعد أن قام بكشف العادم و راح يقنعنا أنا و المندوب الذي جاء معي من التوكيل لترخيص السيارة أن السيارة تصدر عادماً غير مرئي و هو أشد خطورة من العادم المرئي لما به من مواد شديدة الخطورة و سامة للغاية ستضره و تضرنا و تضر البيئة و تؤذي أبناءنا فلذات أكبادنا في المستقبل " يرضيك تسمم الجيل الجديد ؟ "
طبعا لم يكن ذلك ليرضيني ، لكن مندوب التوكيل ، و هو بالمناسبة عراقي مقيم بمصر و فيما يبدو تعلم كيف تدار الأمور هنا كما أنني لا أستبعد وجود سابق خبرة له في هذا الشأن في بلده أو في أي بلد عربي يكون قد أقام فيه مسبقاً لأننا أبناء العرب إذا اختلفنا في شيء لا نتفق إلا في مساوئنا السلوكية . على أي حال أشار لي الرجل بوضع مبلغ زهيد ( عشرين جنيهاً ) في قلب الملف و إعادته للمهندس .
لوهلة لم أتخيل أن يغير رجل مثقف ( مهندس قد الدنيا ) ذمته فقط لقاء عشرين جنيها ، لكن الواقع كان بخلاف توقعاتي و لم يفتح الرجل فمه هذه المرة .. وقَّـع دون أي تفكير لا في الجيل الجديد أو القديم بل حتى لم يذكر الخطر الواقع عليه هو نفسه نتاج العادم " غير المرئي " و تم كل شيءٍ بعد ذلك بسلاسة و بدفع مزيد من المبالغ الزهيدة .
لذلك و نتاج خبرتي السابقة سلحت نفسي بورقات من فئة العشرين و العشرة و بعض خمسات الجنيهات و توجهت لتجديد الترخيص بينما في نفسي تعتمل مشاعر الغضب و الحنق ؛ فأنا مقدم على فعل أمر مشين وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله بالنار ( الراشي و المرتشي و الرائش في النار ) و مع ذلك لا سبيل أمامي غير الخضوع و دفع تلك الرشى التي لا أقدمها للحصول على ما ليس لي و إنما فقط لنيل حقي في ترخيص سيارتي التي لا عيب فيها يحجب عنها الرخصة أي أنني أدفع إتاوة مجبراً مقهوراً مهزوماً .
المفاجأة التي أذهلتني عند دخولي صالة خدمات الجمهور بإدارة المرور هي أنني ضبطت نفسي متعاطفاً مع هؤلاء الموظفين القابعين خلف الشبابيك المختلفة و كأنني لا أرى في سلوكهم ما يشين .
مثلاً عندما وضعت عشرة جنيهات في يد موظف هرع لخدمتي ، لم أفكر في كونه ملهوفاً تجاه الجنيهات أو إن كان سيتقاعس عن خدمة مواطن آخر لن يقدم له شيئاً ، ما لفت نظري حقاً هو حملقة الرجل لقراءة ورقة تبعد عن عينه بضعة سنتيمترات مما يشير لضعف بصري شديد ، هل حقاً نظر الرجل ضعيف إلى هذه الدرجة ، و هل - كما أتخيل - لا يستطيع الرجل شراء نظارة طبية تصحح إعاقته رغم أنه موظف عمومي يتقاضى مرتباً و حوافز من إدارة حكومية كهذه تردها أموال لا طائل لها كل يوم ؟
تعاطفي أثار في نفسي تساؤلات منها على سبيل المثال : هل ما أراه حولي صحيح ؟ هل يستحق هؤلاء الناس الرثاء لحالهم فعلاً أم أن شعوري بالقهر أدى بي إلى وهم يصور لي الأمور عكس ما هي عليه ؟
في الحقيقة لا أستطيع و لن استطيع أبداً الحكم على الحالة التي كنت جزءاً منها حينها فلو كان اعتراني نوع من الهلوسة أو ما إلى ذلك يكون ذلك مر و الحمد لله قد انتهى .
ما يقلقني حقاً أن يكون شعوري هذا نوعاً من التواطؤ مع الحالة العامة .
ما كنت أرفضه بالأمس أقبله اليوم .
ما كان سيئاً أصبح عادياً .
ببساطة معنى ذلك أنني أصبحت جزءاً مما يحيط بي من فساد ، لا أرفضه ، و لا حتى أستاء منه بل أشارك فيه و أبحث عن مبررات له .

ما يقلقني أن بعض الأمم السابقة هلكت ليس لوجود الفساد فيها بل لأنه تحول إلى حالة عامة .. عندما أصبح الناس لا يتناهون عن منكر اقترفوه حلَّ عليهم القول فدمروا تدميرا .



ديدالوم

الأحد، يوليو 04، 2010

Africano Park , Alexanderia , Cairo , Egypt أفريكانو بارك رحلة مصرية مثيرة







مزار أفريكانو بارك يقع قبل حوالي 400 متر للقادمين من القاهرة ( العاصمة المصرية ) إلى ثغر الأسكندرية على البحر المتوسط .
تمثل أفريكانو بارك إعادة تمثيل لغابة أفريقية تتيح للزائر الإحتكاك بشكل مباشر و مؤمَّن مع حيوانات البيئة الأفريقية في أجواء رحلات السفاري الشيقة .
تذكرة الدخول للسيارة الملاكي ( خمسة ركاب ) حوالي 300 جنيه تزيد بالنسبة للحافلات الأكبر
بهذه التذكرة تستطيع زيارة أماكن الحيوانات المختلفة و التي تستطيع رؤيتها في الفيديو عاليه
توجد نزل لمن يريد الإقامة لمراقبة الحيوانات عن كثب
يمكن الإطلاع على مزيد من المعلومات من خلال موقع القرية الرسمي على الإنترنت :


http://www.africasafariegypt.com


الثلاثاء، يونيو 22، 2010

وفاة مراقب الثانوية العامة في سوهاج و توابعها


  خبرٌ كان الواجب أن يكون عادياً ، وفاة ( شخص ما ) أثناء ندبه لأداء مهمة تابعة لعمله الأصلي في مدينة غير محل إقامته ، و أسباب الوفاة صحية و لا يشك في وجود أي شبهات جنائية .
  إلى هنا ، لم ينته الخبر . فقد أبى الأستاذ أحمد محمد عاكف أن تكون وفاته مجرد حكاية عادية يتناقلها زملاؤه و يترحمون عليه بضعة أيام ثم يُنسى كمَن نُسي . ربما أراد – أو أراد له القدر – أن تُحبك وفاته في قصة محكمة لها بداية و عقدة ثم نهاية يعلمها الله .
  البداية فاجأته كما فاجأت زملاءه مراقبي امتحانات الثانوية العامة في أحد مراكز محافظة سوهاج ، فقد داهمه المرض و المرض ابتلاء كما أن الموت حق فكل مؤمن لا يعترض على قضاء الله ، لكن الحي أبقى من الميت كما يقال . و ما تعرض له أحمد عاكف – رحمه الله و صبر أهله – قبل وفاته يجعلنا لا نسكت بحال على إهمال و استهتار ربما يطال غيره .
  المرحوم عندما ألم به المرض ذهب إلى إحدى المستشفيات العامة ( مستشفى طهطا العام ) و رغم أن اسمها يعني و يوضح إنها مفتوحة للجميع ؛ إلا أنه وجد بابها مغلقاً إزاءه و ذلك بأمر أو قرار أو تعليمات وزارية و هو أمر غير مفهوم تماماً حيث إن الأوامر العليا تفيد أن على المراقب الذي يتعرض لأزمة صحية التوجه لمستشفى الهلال بسوهاج دون المستشفيات العامة أي أن على المريض التوجه لمدينة أخرى غير محل عمله الذي هو أصلاً غريب فيه ؛ و التساؤل إذاً : هل كان سبب ذلك القرار أن المستشفيات العامة أقل مستوى من مستشفى الهلال الذي هو بشكل أو آخر لا يخرج عن دائرة المستشفيات العامة كثيراً ، أم أن المسألة لا تزيد عن تعذيب من تسول له نفسه الوقوع في المرض ؟
  المشكلة تفاقمت عندما ذهب فعلاً إلى مستشفى الهلال ؛ فقد رفض المستشفى بدوره دخول المريض إلا أن يكون معه دفتر أو بطاقة التأمين الصحي أو أن يدفع ألف جنيه و هو كشخص غريب جاء من محافظة أخرى لأداء عمل و نسي بطاقته الصحية ثم لم يكن معه المبلغ المطلوب أصبح مرفوضاً من مسئولي المستشفى و كأن دور مستشفى كهذه يقتصر عند تطبيق القواعد و القوانين بحذافيرها دون الأخذ في الاعتبار المواقف الإنسانية و التي يجب على المسئول فيها التصرف بما يمليه ضميره لا القواعد خاصة و نحن بصدد مكان و أشخاص مهمتهم التعامل مع المرضى ، يتعاملون مع الإنسان في أضعف حالاته ..
  طبعاً لو حدث هذا في القاهرة كنت لأجزم أن حل الموضوع برمته في بضعة جنيهات تدس في جيب المسئول عن دخول المستشفى لكنني لا أستطيع أن أجزم : هل المستشفيات في سوهاج تدار بذات الأسلوب أم لا ؟
  مرة أخرى يتصاعد الخط الدرامي في قصة الأستاذ عاكف ؛ فمديره المباشر يرفض إعفاءه من مهام المراقبة و تركه يعود إلى بلده ليقضي لحظاته الأخيرة بين أهله .
  موقف آخر يلفت النظر إلى الضعف المطلق ليس لمسؤل واحد و إنما للعديد ممن هم في موقع اتخاذ القرار في مصر . رئيس اللجنة الذي أشارت الصحف إليه باسمه الأول ( حامد ) دون شك كان متعاطفا مع زميله و مرؤوسه المريض الذي ينازع الموت ، لكنه لم يكن على قدر مسئوليته في اتخاذ القرار في الوقت المناسب فكانت النتيجة أن ترك الرجل يموت وحيداً غريباً لا يملك الحق في العلاج أو العودة إلى داره و أهله كما أنه ظل حتى لحظته الأخيرة يعيش ( ينام و يأكل ) في مكان أعده له ( المسئولون ) لا يليق بمكانته كواحد من سدنة التعليم في بلد مثل مصر ، ولا حتى يليق به كإنسان .
  لقد مات السيد أحمد محمد عاكف ، ميتة طبيعية ، بعد أن جردته الظروف من كل حقوقه كإنسان ، و المفارقة الأخيرة ترد في الخبر الذي نقلته صحيفة اليوم السابع  و الذي يتلخص في قيام الشرطة بإلقاء القبض على مصور كان يلتقط الصور في موقع الحادث .
   مرة أخرى يتعامل الأفراد المصريون في موقع المسئولية بمنطق إخفاء الحقيقة ، هذا دون شك كان هم الشرطي الذي صادر الكاميرا . هذا الشرطي الذي لم يستطع حتى الآن إدراك أن مجهوداته لن تنجح أبداً ، و أسلوبه لم يعد مجدياً . دليل ذلك أن الصور نشرت و الحقيقة ستبقى و تعلن رغم أنف من يحاول إخفاءها .

ديدالوم

الجمعة، يونيو 11، 2010

العبور إلى ثقافات قصية من الرياض عبر ليموزين


في أي من شوارع الرياض – عاصمة المملكة العربية السعودية - يعتبر استقلالك التاكسي أو سيارة الأجرة التي يسمونها هنا ليموزين مرحلة انتقالية تأخــذك إلى الحالة الهندوباكستانية – إذا جاز التعبير اختصارا ً لانتماءات متعددة لكنها في النهاية و رغم الاختلاف تجيء من شبه القارة الهندية أو الجزر و الدول القريبة منها ، يعني الهند ، باكستان ، أفغانستان ، بنجلاديش ، نيبال ، و ما إليها .
أما وصولك التام إلى هذه الثقافة أو الثقافات المختلفة بشكل كبير عن ثقافة المواطنين السعوديين فيبدأ عندما تبتسم لسائق التاكسي و تقول له : بطها . و طبعا هذه الكلمة تعني منطقة البطحاء التي يوجد بها سوق كبير للمنتجات الرخيصة المتنوعة . يكتظ بالناس لاسيما يومي الخميس و الجمعة ، و خاصة الجمعة ، حتى إن بعض الناس يطلقون عليه سوق الجمعة . في هذا السوق لن تشاهد سعوديا ً واحدا ً أو حتى عربيا إلا فيما ندر .. أيضا ً لن تتحدث العربية أو أية لغة أخرى معروفة ، بل ستلجأ إلى لغة وسط خليط من عربية مفككة و انجليزية ركيكة و بعض كلمات أوردية أو من لغات وسط آسيا و الهند ثم كلمات أخرى مجهولة الأصل تسأل عنها الهنود فيخبروك إنها عربية لتظنها مأخوذة عن بعض لهجات القبائل العربية في المملكة ، لكنك إذ تسأل السعوديين يقولون مخمنين : لا بد إنها أوردية ، ثم يأتيك من يقول : إنها – دون شك كلمات تركية .
في البدء .. كان التليفزيون ، و كان تقرير شاهدته على محطة التليفزيون السعودي الأولى عن سوق الجمعة في منطقة البطحاء ، و أدهشني فيه ذلك التشابه الواضح بينه و سوق العتبة في مصر .. تطابق مذهل تأكد تماما ً عندما عاينته بنفسي حتى إنني لاحظت بناية تصورتها المسرح القومي العريق الموجود في العتبة الخضراء .. لوهلة حينها اندفعت نحوه و أنا أرى كوبري علوي يماثل نظيره في مصر ، و تخيلت إنني سأجد إلى جواره موقف الأتوبيس و سور الأزبكية حيث الكتب القديمة القيمة تباع بأسعار في المتناول للجميع ، و طبعا محطة مترو الأنفاق .. كل ذلك عبر بخاطري لحظة ؛ ثم أفقت لأجد نفسي في قلب مدينة الرياض .
عندما شاهدت التقرير التليفزيوني أعجبني شيء أساس ، ألا و هو وجود الناس .. ياه بشر ؟! أخيراً !! خاطبت نفسي و قررت الذهاب إلى هذا السوق ؛ فحتى ذلك الوقت ما كنت رأيت أناساً يمشون في الشوارع إلا فيما ندر ، الأمر الذي يضيق له صدرك و يجعلك تحس كونك في زنزانة كئيبة حتى مع كل فخامة البنايات و سيارات الرفاهية تمرق إلى جوارك دون أن تدع لك فرصة لرؤية عيون الناس كي تشعر أن ثمة أرواحا ً حقيقية و نفوسا ً حية إلى جوارك تؤنس وحدتك .
المهم ، الطريق طبعا ً يبدأ كما ينتهي بليموزين أو تاكسي كما يطلق عليه بشكل عالمي ، و معظم سائقي التاكسي باكستانيون ، إلا إنك ستقابل بعض الجنسيات الأخرى ؛ فإذا صادفك سائق هندي و أخبرته إنه أول هندي تقابله ، سيبادرك بتنهده و قوله : الحين كله باكستاني ما يفهم شي .
طبعا ً ستلاحظ إنه أكثر أناقة و اعتدادا ً بنفسه من السائقين الآخرين ، و السبب سيسوقه هو إليك دون أن تسأل ؛ حيث يخبرك عن الأيام الخوالي حين كان في الرياض أعداد كبيرة من الأجانب ، أوروبيون و أمريكيون ، هؤلاء كانوا يدفعون بسخاء ، و أبداً لا يجادلون في قيمة التوصيل حيث ينظر أحدهم إلى العداد فيعطيك ما يسجله و يزيد بقشيشا ً أو يترك الباقي و يشكرك قبل أن يغادر ؛ حينها كنت ترى كثيرا ً من الهنود الذين يعرفون العربية و الانجليزية ؛ فهم متعلمون ، أما الآن فالسائقون يأتون من باكستان و بنجلاديش و نيبال لا يعرفون شيئا ً و بصعوبة يفهمون ما يقوله الراكب .
أما السائقون الباكستانيون و غيرهم فلا يضرهم أو يشغلهم السائق الهندي ، لكنهم ينقمون على المواطنين السعوديين و بالأخص كفلائهم ( جمع كفيل ) فبسبب هذه الفئة لن تجد أجنبيا ً واحدا ً يعمل هنا و لا ينوي العودة إلى بلده في أقرب فرصة ، و يخبرني سائق باكستاني كبير السن فيقول :
- هنا ظلم كبير .. كفيل هذا ظلم .. ما في إسلام ظلم .
طبعا ً أنا نفسي لا أستطيع فهم نظام الكفيل المعمول به هنا ، أو لماذا أوجد ، و ما الفائدة منه . بل أظنه عقبة في سبيل المملكة يحد تطورها أكثر من كونه مسيئا ً للأجانب .
أولا: يشوه وجود هذا النظام صورة المملكة أمام العالم ؛ فرغم إنها دولة تعلن تطبيق شرع الله و تعلي راية الإسلام ، يأتي نظام الكفيل بقعة سوداء في الثوب الأبيض ، حيث أعتبر عالميا ً واحدا ً من أواخر أشكال العبودية القائمة في العالم الحديث ؛ فيقارن في ذلك بأنشطة سيئة السمعة كالاتجار بالأطفال أو سرقة الأعضاء البشرية أو الدعارة ، و ما شابه ذلك .
و هنا أعلن سعادتي بما سمعت من سعي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، حفظه الله ، من إلغاء هذا النظام و البحث عن بديل عملي أكثر حرصا ً على إقرار مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام قبل المنظمات الدولية المعاصرة . و ذلك أمر لو تم سيذكره به التاريخ أكثر من أي قرار آخر ، كما يحتسبه عند الله كمن حرر آلاف بل ملايين العبيد .
ثانيا ً : أوجد هذا النظام فئة من المواطنين لا عمل لها تجيده سوى تحصيل نسبة من دخول الأجانب ، و هو عمل يشبه نشاط البلطجية أو الفتوات الغير شرعيين . الذين يستحلون استقطاع أموال يشقى الآخرون لتحصيلها . هذه الفئة المتزايدة يوما ً بعد يوم تضر نفسها قبل الآخرين ، و تعتبر عقبة كأداء في سبيل تقدم المملكة .. فكيف يأتي اليوم الذي تعتمد فيه دولة على أناس لا يجيدون عمل أي شيء ، بل و يعتبرون العمل نقيصة ينفونها عن أنفسهم ، فإذا غادر العاملون الأجانب إلى بلادهم ؛ تصبح قاعدة العمالة – الأساس الذي تبنى فوقه كل الأنشطة الأخرى ، الاقتصادية و الحضارية – تصبح هذه القاعدة خاوية ؛ فينهار - لا قدر الله – البناء كله .
تذكرني هذه الفكرة بمرحلة تأميم قناة السويس في مصر ، و التي كانت مرحلة فارقة في تاريخ مصر الحديث . نراها الآن في ما تجلت به من ثورية مدروسة غير عشوائية القرار ، و نتساءل : أي مأزق كانت حكومة الثورة المصرية لتضع نفسها فيه لو لم تستطع استبدال مرشدي القناة و العاملين فيها – و كانوا أغلبهم من الأجانب – بطاقم عمل مصري ذي كفاءة شهدت بها الأيام .
هنا ، أعود فأعلن قلقي على مستقبل هذا البلد العربي الإسلامي الآخذ في النمو السريع ، من تزايد فئة المواطنين السعوديين غير ذوي المهارات هؤلاء ، و الذين تردهم أموال كثيرة تجعلهم يعيشون في رفاهية غير أصيلة لا شك تزول إذا غادرهم الأجانب و تركوهم لا يستطيعون صيد سمكة بينما كروشهم خاوية .. هذه الفئة لا يشكلها فقط مجموعة الكفلاء و أصحاب مكاتب الإستقدام ، بل نشأت جماعات أخرى تتاجر بأسمائها و انتمائها لهذا البلد .. و كي يصبح قصدي مفهوما ً يجب على القارئ أن يفكر في تواجد الكثير من الأجانب يعيشون في مختلف مدن المملكة و قراها منذ ما يزيد عن العشرين أو الثلاثين عاما ً ؛ و طبعا بعد هذه السنين و الشقاء و الغربة التي تجعل المرء ينفصل بشكل كبير عن الحياة في بلده الأم و أكثر ذكرياته في هذا البلد الذي لا يمنح جنسيته للكثيرين ، بعد كل هذا يفكر أن يؤسس لنفسه مشروعا ً تجاريا ً أو ما إلى ذلك ؛ و هنا تواجهه مشكلة كونه لازال عبر عقوده التي قضاها هنا يحمل لقب وافد ، أما الحل فهو غير بعيد و يكمن في استعارة اسم مواطن سعودي ليس له في هذا المشروع ناقة أو جمل ، فهو لا يدفع أي شيء للتأسيس ، و لا يشارك بالعمل أو ما شابه .. فقط الاسم .. و في المقابل يتلقى مبلغا ً سنويا ًدون أي تعب أو مخاطرة .
في نفس هذا السياق لفتت نظري شكوى من أحد المواطنين السعوديين في صحيفة محلية ، و هو واحد من هذه الفئة التي تؤجر اسمها لصاحب تجارة للمواد الغذائية مقابل حوالي مائة ألف ريال سنويا ً ، و هو يشكو لاعتباره أن المقيم صاحب التجارة يقوم بالنصب عليه و يخدعه ، و يذكر كم يربح هذا المقيم من تجارته و كم يصرف على العاملين و الإيجارات و الضرائب و ما إلى ذلك .. و بحسبة بسيطة تدرك إن للمواطن هذا نصيب الأسد دون أن يكلف نفسه أي مجهود أو مخاطرة يواجهها التجار عادة من خسارة إلى مكسب ، ومع ذلك يشعر بالحنق و يغبط المقيم .
إذا ؛ أوليس أولى بمثل هذا الرجل أن يتقدم ببدء مشروع يخصه ، إن ربح يكون له الربح ، فإن خسر تقوي الخسارة ظهره و تعلمه ليصبح قادرا ً على العمل الحقيقي و ليس انتظار ما يحصله دون وجه حق .. ثم يغبط الآخرين .
هنا ، لا بد من الإشارة لسائق ليموزين شاب ، لفت نظري بلهجته المحلية و الزى الذي يرتديه المواطنون هنا، حتى إنني سارعت بسؤاله عن جنسيته فأخبرني إنه فعلا ً سعودي ، و إن ثمة شباب كثير أصبح يعمل على سيارات الأجرة هذه . ثم حدثني عن مشكلة أخرى ؛ فقال إنه كشاب سعودي جمع ثمن هذه السيارة بصعوبة ؛ فهي سيارته و ليست كأي ليموزين أخرى تملكها شركة و تؤجرها بمائة و خمسين ريالا ً في اليوم لهؤلاء السائقين الأجانب الذين يكدون طوال اليوم و أحيانا ً يتبادل أكثر من سائق العمل على السيارة حتى يخرجوا بمكسب ما .. هذه الشركات المملوكة لسعوديين لا يهمهم أمر مواطنيهم ؛ فهم يكسبون أكثر من الوافدين الذين يستقدمونهم من دول شرق آسيا و يقبلون بدخول ضعيفة جدا ً لا يستطيع المواطن السعودي العيش بها ؛ فيخرج سريعا ً من دائرة المنافسة .
إذا ً ، فالسائقون السعوديون يحاربون هذه الشركات التي تدفع إلى سوق العمل بآلاف المنافسين لهم ، هؤلاء المنافسون بدورهم يحسون بظلم كبير واقع عليهم ؛ فهم تقتطع أجورهم الضعيفة أصلا ً ، و إن كانت هذه الأجور لا تصلح لعيش المواطن السعودي ؛ فهي بالتبعية لا تصلح لأي إنسان آخر و لكنهم يصبرون لأن لا خيار آخر لديهم ، فهم غرباء و حتى جوازات سفرهم لا يسمح لهم بحملها فيتقيدون برغبات الكفلاء الذين غالبا ً ما يستغلونهم و حتى لا يسمحون لهم بالمغادرة بسهولة ، فأحيانا ً يطلب بعض الكفلاء نقودا ً للسماح للأجنبي بالعودة لبلده ، فكأن الأجنبي هنا عبدٌ يشتري حريته كما كان يحدث في أيام الجاهلية .. أما شركات الليموزين هذه فيبدو إنها من القوة بحيث لا يستطيع أحد مجابهتها لا المواطن ولا الوافد .
على أي حال يبقى وجه مضيء تراه في سائقي الليموزين من الشباب السعودي ، فإلى حد ما تغيرت ثقافتهم بحيث يقبلون بالعمل و لا يجدون حرجا ً في أداء أي عمل شريف أيا ً ما كان شاقا ً و بسيطا ً ، و ذلك وجه رائع ؛ فالثقافات لا تتغير بسهولة ، بل تحتاج سنين طويلة و جهدا ً عظيما ً من أولي الأمر ، لأنها ببساطة وضع الأسس ، القاعدة ، التي يجب أن تكون قوية ليقوم عليها البناء شامخا ً .


ديدالوم

الجمعة، يونيو 04، 2010

نهر النيل المخاطر و الدور المطلوب .. ندوة نقابة الأطباء و اتحاد الأطباء العرب

- قامت الحياة في مصر أساساً على ضفاف النيل معتمدة ما يمدها به من طمي و ماء أساساً للزراعة التي ظلت لآلاف السنين نشاط شعبها الرئيس إلا أن الخلاف بين مصر و السودان من جهة و دول المنابع من جهة أخرى فاجأ الجميع .

د. هانئ رسلان :

القول بأن دول المنبع يجب أن تأخذ احتياجها أولاً ثم تترك المياه تتقدم إلى الشمال هذا قول أيضاً مغلوط لأنه مبني على فكر مغلوط و كأن هذه المياه التي تتقدم إلى الشمال هي منحة من هذه البلدان . هي ليست كذلك ، هي حق طبيعي لمصر وهبته لها الطبيعة بإرادة الله سبحانه و تعالى الذي خلق الطبيعة في هذه المنطقة هكذا .


- في ندوة نهر النيل المخاطر و الدور المطلوب أكد خبراء مصريون على حق مصر الطبيعي و التاريخي في حصتها من المياه و أوضحوا أن الزمة الحالية بين دول المنبع و المصب ليس من أسبابها بحال نقص الموارد المائية .


د. ضياء الدين القوصي :

هناك في الحوض ما يكفي دول الحوض و زيادة . هطول المطر على حوض النيل يزيد عن 1600 مليار متر مكعب ، و دول الحوض مجتمعة لا تزيد عن 300 مليون نسمة يبقى متوسط نصيب الفرد من المياه يزيد عن 5000 متر مكعب للفرد في السنة هذه كمية هائلة من المياه غذا استخدمت الاستخدام الأمثل ، إذا تم استقطاب الفاقد من الحوض ، إذا تم عمل المشروعات اللازمة للاستفادة بهذه المياه أنا متأكد أن هذه المياه ستكفي للجميع .


د. هانئ رسلان :

الكمية التي ترد إلى خلف السد العالي عند أسوان و تمثل حصتي مصر و السودان معاً هي 84 مليار متر مكعب أي تقريباً 5% من إجمالي موارد نهر النيل . إذاً لماذا هذه الأزمة ، لماذا هذا الضجيج ، لماذا هذا القول بأن مصر و السودان تحصلان على حصة الأسد و تتركان الدول الأخرى ؛ هذا لأنه فكر مغلوط يتم ترويجه عمداً ، لأنه دول المنابع تريد الحديث عن كمية المياه في مجرى النهر فقط .


- و أرجع المحاضرون الخلاف الحالي إلى غياب الدور المصري عن العمق الإفريقي في ظل تنامي النزعة الأفريقانية مع ظهور نشاط لدول اخرى لها مصالح اقتصادية كبيرة من الوجود في القارة السمراء .


د. هانئ رسلان :

احنا لينا 3 عقود غائبين بشكل اختياري عن القارة الإفريقية منذ الثمانينات و التسعينات و آدي في 2010 . هذا الغياب الاختياري أو إعطاء التركيز للمشرق العربي و الشمال الشرقي للقضية الفلسطينية و أيضاً نحو الشمال في البعد البحرمتوسطي ؛ أهملنا البعد الإفريقي اللي كانت مصر اكتسبت فيه مواطئ قدم هائلة ، احنا غبنا فبالتالي تركنا فراغ - هذه الدول دول ضعيفة هشة حديثة النشأة فبالتالي تحتاج من يمد لها يد العون ؛ فإذا كانت الساحة خالية فكل من يتقدم يجد قبولاً و ترحيباً .


د. حمدي السيد :

نحن أولى من عدوتنا اللدود اللي موجودة و حاشرة مناخيرها في كل موقع من هذه المواقع ، و مع ذلك نحن نقبل أن نتراجع و عندما نطالب دعماً من الدولة أو دعما من الأجهزة المختصة لا نجد الاستجابة المطلوبة و لا نجد الحماس المطلوب و لا نجد الإحساس بخطورة الموقف علماً بأننا نملك القدرة و نملك القوة و نملك الإمكانيات و نملك الإمكانيات البشرية التي تمكنا من أن يكون لنا تواجد و تواجد دائم في هذه المناطق حتى يستشعر الأخوة في حوض النيل و في غير حوض النيل أن هناك منافع متبادلة و ليست هناك رغبة في أن نستفيد نحن و يخسرون هم .


- و أشار الخبراء إلى أن التفاوض و التعاون هو الحل لقضية الخلاف بين دول الحوض و رغم رفضهم لفكرة الحل العسكري إلا أنهم لم يستبعدوها كحل أخير .


د. حمدي السيد :

نرجوا و نتمنى بين قوسين أن تتوقف الأصوات الزاعقة التي تهدد ، نحن لا نهدد و نحن لا يمكن أن نحل هذه المشكلة بأي نوع من أنواع الضغط العسكري أو غير العسكري أو غير ذلك . نحن نريد أن تكون علاقتنا هي علاقة التفاهم و علاقة التفاوض و علاقة فهم مشترك للقضايا المشتركة التي تهم جميع الأطراف


د. هانئ رسلان :

التعاون ثم التعاون ثم التعاون ، إذا ما كانش في نهاية المطاف و بعد استنفاذ كل المحاولات و الوسائل الدبلوماسية و القانونية و الموضوعية و الحوافز و غير الحوافز يبقى فيه وسائل أخرى و هذه الوسائل الخرى لا يجوز الحديث عنها بأي شكل من الشكال لأن هذه تفعل و لا تقال .

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله