بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، أكتوبر 23، 2010

الأمن و " خروج الأمن " من الجامعات

استقبل الكثيرون بارتياح قرار المحكمة الإدارية العليا بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري بخروج الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية من الجامعات و إلزام الحكومة بإنشاء وحدات أمن تتبع وزارة التعليم العالي و ليس الداخلية .
جاء هذا القرار بعد انتظار من قبل الطلاب و جانب لا يستهان به من أساتذة الجامعة ، و لا يزال البعض يذكرون يوم الغضب الذي أعلنه الطلبة في 6 أبريل 2009 و كان خروج أمن الداخلية مطلباً رئيساً بالنسبة لهم .

أعتقد أن قرار المحكمة هو في نفس الوقت إقرار للمنطق ، فكيف يتسنى لأمن إحدى المؤسسات أن يكون تابعاً ليس فقط لمؤسسة أخرى بل لوزارة أخرى ، و كيف يكون التعامل عند اختلاف التوجهات هل يوجِب الأمرُ روتيناً يضيع مئات الساعات و ربما الأيام فقط لاستصدار قرار بسيط بين اثنين من موظفي الدولة أحدهما يجلس بجوار الآخر . طبعاً أنا هنا لا أريد التحدث عن تجاوزات حدثت من بعض صغار منسوبي وزارة الداخلية في الجامعات و دون شك حدث ما حدث لإحساسهم أنهم فوق الرقابة فهم لا يتعاملون يومياً مع من يعد رئيساً لهم ، و رئيسهم الفعلي يبعد عنهم كثيراً مما يؤمنهم بما فيه كفايتهم .



الملفت للنظر أن بعض أساتذة الجامعات أعلنوا رفضهم القطعي لخروج أمن الداخلية من حرم الجامعات ، و بعضهم راح يشارك خلال الأيام الماضية بالحضور أو الاتصال ببعض برامج الكلام المباشرة Talk Shows محاولين عرض وجهة نظرهم و التي بدت تعلقاً بأمل أخير لم يتحقق في إثناء القضاء الإداري عن قراره .
أحد هذه المداخلات التي أثارت حيرتي مداخلة من رئيسة قسم الجغرافيا بكلية آداب جامعة الزقازيق* ، و كانت متحمسة للغاية ضد فكرة الطرد التي ما كانت تأكدت بعد ، و صرخت ماذا أفعل عندما أتعرض لاعتداء من أحد الطلاب داخل المدرج .. مَن أستدعيه ليحل المشكلة ؟
الغريب في تساؤل الأستاذة أنها أغفلت كون خروج الأمن التابع للداخلية لا يعني بحال إلغاء وحدات الحرس الجامعي و إنما تغيير تبعيتها فقط .
أما الأكثر غرابة فهو قصة روتها عن شخص دخل المدرج حاملاً " شومة " قاصداً أحد الطلبة لتأديبه نظراً لقيام الأخير بالنصب عليه في " كروت شحن " .
أجابها المذيع بذكر واقعة أخرى حدثت على حد قوله في نفس الجامعة ، حيث تم قتل أحد الطلبة رمياً بالرصاص ، و زاد ما ذكره المذيع حماس أستاذة الجغرافيا لتذكر حادثة أخرى حيث فوجئ أساتذة و طلبة نفس الكلية بطالبات يهرولن مذعورات ليكتشف الجميع قيام طالب " في الدور الخامس " بإجبار الطالبات على مشاهدة فيلم إباحي بعد تهديدهن بشفرة حلاقة يمسكها بيده .
رغم إنني لا أستطيع التشكيك في صحة الوقائع لكنني أيضا لا أخفي عدم تصديقي لها ، و اعتقادي إنها - على الأقل - تحوي بعض المبالغات أو الإغفال للتفاصيل .
لكن هذه ليست المشكلة ، المشكلة الحقيقة أن تلك الوقائع - لو صحت - تثبت فشل وحدات الأمن الحالية في القيام بالدور المنوط بها ، و هنا تُضم هذه الوقائع لسلسلة التجاوزات التي أوجبت إصلاحاً إداريا ً لعله يكون مفيداً للجميع . 
__________________
* هذه المداخلة كانت لأحد برامج قناة الفراعين ، و المذيع هو الدكتور توفيق عكاشة رئيس القناة .


الخميس، أكتوبر 21، 2010

الطرق يصنعها المشي .. و أم محمد بتاعة الدائري*

فجأة
تحول الحديث في أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة عن حادثة الطريق الدائري التي راح ضحيتها اثنى عشر قتيلاً بسبب رعونة قيادة شاب متهور ، إلى أم محمد التي صنعت ( نصبةً أو فرشة ) على رصيف الدائري تقدم من خلالها الشاي و المشروبات و بعض أنواع البسكويت للسائقين .
لفت نظري أن اثنين من كبار أساتذة الهندسة متخصصين في هندسة الطرق ، اهتما بفكرة وجوب الرقابة على الطريق حتى لا تحدث مثل هذه الحوادث المفجعة ، و انجرف بهما الحديث عن أم محمد متناسين تماماً أن ثلاثة محاور اشتركت في كونها أساساً للحادث ، و هي :
  • تهور قائد المركبة .
  • كثرة المخالفات السلوكية على الطريق الدائري من قبل راكبي المركبات ، و المشاة ( الذين لم يُصنع لهم الطريق أساساً ) ، و أحيانا عناصر أخرى بعضهم هو المكلف أصلاً بحفظ النظام .
  •  ثالثاً ، و أهم ما في الموضوع ، مشاكل في تصميم و تنفيذ الطريق .
المحوران الأخيران ،  من وجهة نظري ، مرتبطان تماماً ، و هما السبب الرئيسي لكل مشاكلنا ليس على الطريق الدائري فقط بل في كل مكان .
فالسؤال الذي أجده ملحاً ، لماذا يترك المصممون عندنا أخذ سلوكيات الناس في الاعتبار عند الشروع في تصور أي مشروع جديد ؟ 
ليس منتظراً من الناس إذا وضعتهم في بيئة تجريبية غريبة عنهم أن يسلكوا بطريقة مختلفة عما اعتادوه و تفرضه ثقافتهم ، و الأسهل أن تحور هذه البيئة ( الجديدة ) لتناسب تصرفاتهم ، و بذلك تأخذ بأيديهم ، و تحمي بيئتك دو ن عوائق تدمر البيئة و الناس معاً .
و في مثال كالطريق الدائري و غيره من الطرق المصرية التي وصل ضحاياها إلى 22 ألفاً في السنة ( أي أكثر من ضحايا بعض الحروب التي استمرت لسنوات ) و لمن لا يعرف الدائري فهو طريق أنشئ كما في معظم دول العالم في السنوات الأخيرة ليدور حول المدن الكبرى ناقلاً تكدس السير من قلب المدينة إلى خارجها مع تحديد مخارج تصل إلى مناطق محددة تعتبر محاور للوصول إلى مختلف أحياء المدينة .
دائري القاهرة مختلف بشكل كبير عن الطرق الدائرية الأخرى التي أنشئت حول كثير من المدن المصرية و هذه الطرق لا تواجه مشاكل الطريق الأول الذي يمر حول واحدة من أكبر المدن في العالم و التي تزيد مساحتها عن بعض الدول في أوروبا أو الخليج العربي ، كما أنه يمر بأكثر مناطق القاهرة عشوائية و التي أنشئت عند أطراف العمران دون رقيب أو حسيب و كان متوقعاً طبعاً أن يستمر قاطنوا تلك المناطق في تحويرهم المتعمد للطريق ليتناسب و متطلبات حياتهم ، فتجد سائقي الميكروباص ( النقل العام ) يتوقفون لينزل بعض الركاب في مكان لا يبدو ذا صلة بالعمران و عندما تسأل تجد من يشير في اتجاه ما و يخبرك أن ثمة سلَّماً هنا ، و هذه السلالم صنعت بأيدي المواطنين بطريقة غير آمنة لكنها تضمن الوصول للقاطنين و الذين يعمل معظمهم في وسط القاهرة أو مصانع مدينة 6 أكتوبر و غيرها كما أنها تؤمن استمرار الرواج العمراني لهذه المناطق التي لولا وجود الدائري لتحولت إلى مدن نائية لا يسكنها أحد ، و ربما حتى أصبحت خرائب و أطلال . 
على جانب آخر تجد سائقي النقل يتوقفون رغماً عن الطريق ليتناولوا الشاي ويشتروا بعض حاجاتهم البسيطة من أم محمد و غيرها ممن يقدمون هذه الخدمات التي لم يوفرها مصمم الطريق حيث لا يمكننا الأخذ في الاعتبار الأسواق الملحقة بمحطات تموين البنزين و التي تعتبر خدماتها غالية بالنسبة للسائقين و التبَّاعين و غيرهم من مستخدمي الطريق .
هنا كان على المصممين الذين لا أشكك في كفاءتهم و الذين صمموا أو شاركوا في تصميم و تنفيذ طرق هامة في كثير من دول العالم أن يأخذوا في الاعتبار سلوكيات الناس المتوقعة و التي تختلف كثيراً عما يجدونه في الكتب العالمية ، و تختلف عما ينتظر من سكان مناطق راقية في قلب المدينة الكبيرة ، ربما إذا فعلوا ذلك لقاموا هم بتوظيف أم محمد من البداية لتقديم خدماتها على الطريق و وفروا الكثير من المال و النظام و الأرواح التي فقدت في سبيل كوب من الشاي تقدمه أم محمد .

الثلاثاء، أكتوبر 12، 2010

التوثيق البصري كواجب عام .. ليحمل كل منا كاميرا أينما ذهب

الصورة مش زي الأصل .
هذا ما يقال إشادةً بأصل ما ، لكن من يردد هذه العبارة لا ينكر في قرارة نفسه أن للصورة ميزة على الأصل ؛ فللصورة عمر أطول و لو بقليل .
هذا الامتداد الزمني هو ما أعطى للصور أهميتها حيث تبقى أثراً للحدث و دليلاً عليه يمكن دراسته بتأنٍ و تدقيق ربما لا يكون متاحاً أثناء وقوع الحدث .
و في هذا السياق أذكر ضمن الأحداث اللاحقة بغرق العبارة السلام 98 بوكاشيو تجمع عدد من المصورين و مراسلي الصحف و الفضائيات أمام إحدى المستشفيات بالبحر الأحمر عندما وجدنا سيارة ميكروباص تحمل مجموعة من الناجين قيل إنهم من طاقم العبارة و قمنا بتصويرهم و حاولنا التحدث مع بعضهم ، كانوا بصحة جيدة ، و أذكر أن أحدهم كان يرغب في الحديث لكن آخر نهره ثم أُخذوا جميعا إلى الطابق العلوي بالمستشفى . بعد ذلك بأكثر من عام اكتشفت بعض القنوات التليفزيونية هذه اللقطات في أرشيفها و قامت بعمل تحقيقات حولها حيث أن هؤلاء البحارة اختفوا و ظن أهلهم أنهم غرقوا مع من غرق لكنهم تعرفوا عليهم في تسجيلات الفيديو و بدأوا رحلة التفتيش عن أبنائهم و بحث مصيرهم .
هذا مجرد مثالٍ واحد و الأمثلة كثيرة لا يتسع مجالٌ لذكرها ، فكم من حوادث في العالم أجمع يتم طمس معالم الأدلة فيها بقصدٍ حيناً و ربما بحسن نية في أحايين أخرى و لا يتبقى للبحث أو الدراسة و التحقيق سوى لقطات قام مصورون هواة أو محترفون بالتقاطها .
هنا أدعي و لعلي على حق أن ما يشمله الفيديو كوسيط من فن أو حرفية لا يضاهي بحال قيمته كوثيقة تعكس الحياة كما هي بصورتها و حركتها و صوتها الأصلي . هذه القيمة جعلت اليونسكو يعلن 27 أكتوبر يوماً عالمياً للتراث السمعبصري World  Day for Audiovisual Heritage و الذي تم الاحتفال به للمرة الأولى عام 2007 و احتفت بعض الدول بإنشاء جمعيات تهدف لجمع التراث السمعبصري من أشرطة فيديو و صور و أفلام سينمائية و تسجيلات صوتية .
هذه الجمعيات مفيدة جداً ، لكن على المستوى الشعبي و في دول عالمنا العربي أدعو للقيام بمبادرة شعبية و بدعم حكومي بهدف تسجيل لقطات فيديو بأي وسيلة بدءاً بكاميرات المحترفين و حتى كاميرات الهواة أو الهواتف الجوالة لتوثيق كافة مناحي الحياة مع الحفاظ على الخصوصية الفردية ، و لذلك أسباب عدة منها :
  • اهتمام المواطن العربي بحفظ وثائق بصرية للحياة العامة من زاوية رؤيته الخاصة محدود فلازال هواة تصوير الفيديو يكتفون بتسجيل أحداث عائلية خاصة رغم أهميتها لهم إلا أنها لا تشكل مشاركة في تكوين ذاكرة سمعبصرية عامة ، بالإضافة إلى أن تقاليدنا الاجتماعية لا تجعلنا نرحب بنشر هذه التسجيلات. و لعل هذا سبباً في محدودية المطروح من الفيديوهات للحياة العربية .
  • صعوبة استخراج تصاريح تصوير للمحترفين عقبة أخرى في سبيل تكوين سجل سمعبصري شامل منفَّذٌ بحرفية ، و هو ما يعطي ميزة للهواة تجعل بعض المصورين يستخدمون معدات هواة هروباً من الصعوبات و التعقيدات .
  • انتشرت معدات تصوير سهلة الاستخدام و رخيصة و في نفس الوقت ذات جودة معقولة .
أخيراً لا يخفى على أحد أن انتشار الفيديو ساهم و يساهم في كشف كثير من نواحي التقصير في المجتمع و التي يستفيد بمعرفتها المسؤلون قبل العامة ، و هو ما يجعل من المفيد لأي حكومة تشجيع انتشار الكاميرات في أيدي الناس و استخدامها مما يمد صانعي القرار بتدفق معلوماتي مجاني عليهم رعايته خاصة لكون توجه كهذا مثيراً لسخط كل من على رأسه بطحة و يخشى انكشافها .

الأربعاء، أكتوبر 06، 2010

أوبرا عايدة .. أن أكون مزعجاً رغم أنفي

طبعاً الكل يعرف تلك الأوبرا الشهيرة حتى لو لم يكن من هواة فن الأوبرا .
كما أن محبي هذا الفن ، و المتيمون بقصة العشق و التضحية المؤثرة ، تبهرهم العروض التي دأبت الأوبرا المصرية على عقدها بين حين و آخر عند سفح الهرم فيمتعهم ليس فقط أداء فناني الأوبرا  لكن أيضاً الجو العام المحيط من إطلالتهم على الأهرام الشامخة ، و ترقبهم أبي الهول يحدق نحو الشرق بنظرته الهائمة و وجهه شبه المبتسم القديم .
لكن ماذا يحدث عندما تأتي من آخر بلاد الدنيا و تكلف نفسك تذاكر طيران و حجوز فنادق و تذاكر لدخول العرض ثم تجد أمامك في مواجهة عينيك منصات فوقها مصورون تليفزيونيون بكاميرات نقل خارجي ضخمة لا يستطيعون إزاحتها من أمامك ، و حتى لو استطاعوا لحجبوا الرؤية عن زوجك التي تجلس بجوارك أو شخص آخر في نفس الصف ؟!
بالأمس كنت أنا واحداً من هؤلاء ، و شاركت في تنغيص المشاهدين و تكدير صفوهم رغماً عني ، و رغم أن الحفل كان رائعاً أشاد به المختصون .
منذ اللحظة الأولى لدخولى ساحة العرض مع المصورين الآخرين تعجبت من مكان وضع الكاميرات و وجدت أن الزملاء الآخرين لهم نفس الرأي ، لكن أحداً لا يستطيع تغيير الواقع في الساعات الأخيرة ببساطة لأن المشكلة ليست فقط في أماكن الكاميرات ، المشكلة الحقيقية في أن تصميم المسرح من الأساس كان يجب أن يحدد فيه أماكن كاميرات النقل الخارجي ، و أيضاً كاميرات القنوات الإخبارية التي ستقوم بتغطية الحفل ، طبعاً بناء على دعوات من المنظمين ( مسئولي الإعلام ) الذين يهمهم دون شك أن توضع أخبار الحفل في كل نشرات الأخبار العالمية .
المشكلة بوضوح أشد هي في الانفصال بين عمل كل عنصر عن الآخرين ، و هي ثقافة أصيلة عندنا ؛ نصنع دائماً مارش الفوضى* و نعتمد أن تسير أمورنا " ببركة دعاء الوالدين " فإذا وقعت مشكلة يلقي كل واحد اللوم على الآخرين و في الحقيقة يملك الجميع دليل براءته لأنه فقط كان مسئولاً عن ما تحت قدميه و يؤدي عمله على أكمل وجه أما ما عدا ذلك فثمة آخرون كان عليهم القيام به .
هذا نفسه دليل إدانة ، فكيف يكون فريق العمل مهتما بكل التفاصيل و في نفس الوقت ليس هناك من يهتم ب ( كل ) التفاصيل ، ليس هناك من يراقب الصورة العامة ، الكاملة ، الكلية و ينسق التفاعل بين الجميع .
أذكر عند مشاركتي في نقل حدث مماثل لقناة أجنبية أننا تواجدنا لعدة أيام قبل الحدث ، و الكل يدرس دوره الذي كان محدداً بدقة شديدة ثم في اليوم الأخير قبل النقل المباشر و أثناء البروفة الجنرال كان كل شيءٍ في مكانه بما في ذلك الجمهور حيث حرصنا على حضور جانب من الجمهور ليكون في الإمكان دراسة جميع الاحتمالات ، و كل الأخطاء أو الهفوات التي وقعت في البروفة لم تمر بنا نهائياً أثناء العرض ، بل أعتقد أنني لو أردت أن أخطئ لما استطعت .
هذا هو الفرق بين ثقافتنا كمصريين و عرب ، و ثقافات أخرى تدرك أن الصورة نتاج تآلف العناصر ، و ليس تلفيق مجموع التفاصيل .
___________________
* مارش الفوضى : هو تعبير أطلقه أحد القادة العسكريين عندما زار دولة ناشئة و كان حاكم هذه الدولة زار دولة الضيف قبل ذلك و أبهره ما استقبلوه به من حرس شرف و فرقة موسيقى عسكرية تعزف النشيد الوطني ، فأمر بجمع موسيقيي بلده ليستقبل الضيف بحفاوة مسبقة ، و أمرهم أن يبدأوا بالعزف معاً عندما يرفع يده ، و هو ما كان .. طبعاً حدثت فوضى شديدة و نشاز مزعج مما جعل الضيف يقول : هذا مارش لكنه مارش الفوضى .

السبت، أكتوبر 02، 2010

باكستان .. اجتماع الأدواء على بلاد الطيبين



  أشير بداية إلى أنني أحب باكستان و لا أعرف لماذا ، كما أحب الباكستانيين و أدرك أن ذلك دون شك سببه أنهم أناسٌ طيبون بسطاء على اختلاف طبقاتهم ؛ فمنهم الفقراء الذين تقابلهم في دول الخليج أكثر من مواطني تلك الدول أنفسهم يمارسون أعمالاً بسيطة لقاء أجور زهيدة للغاية . و منهم من يتربعون في قوائم أغنى أغنياء العالم ، و مع ذلك يشتركون أغلبهم في كونهم أناس ودودون حسنو المعشر نقيو الجوهر .
  
 لزمن طويل ظلت لباكستان في أذهاننا صورة فخمة كبلد قوي متماسك ، بلدٌ يملك سلاحاً نووياً مثله مثل الدول العظمى ، و صوته دائماً عالٍ مقدرٌ في المحافل الدولية . لكن بقليل من التمهل و التأمل عندما تعمِّق النظر و تتفحص الصورة ، عندما تتفقد ما حولها تكتشف إنها صورة معلقة بخيطٍ متهالك إلى حائطٍ متصدع ينتظر انهياراً يأتيه في أية لحظة لا قدر الله .
  فباكستان تعقـَّـبَتها مشكلات ضخمة بدأت حتى قبل لحظة ولادتها .
  بدأت قبل استقلالها و تحولها إلى دولة من دول رابطة الشعوب البريطانية ( الكومنولث ) في 14 أغسطس من عام 1947م. ذلك التاريخ الذي واكب انفصالها عن الهند التي لحقتها بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني في اليوم التالي ، لتصبح القارة الهندية مقسمة بين وطن للهندوس في الهند و آخر للمسلمين في باكستان ، و كانت تلك أول قضية معلقة حتى الآن ؛ فإذا كانت الأغلبية العظمى من سكان باكستان من المسلمين ، إلا أن الهند لازالت تشمل عشرات الملايين من المسلمين ، بل إن مسلمي الهند يزيدون عدداً عن المسلمين في عدد من الدول الإسلامية مجتمعة ، فكانت مثلاً معضلة كشمير التي ظلت قنبلة موقوتة أو غير موقوتة لكنها تهدد العلاقات بين البلدين دائماً و تظل محوراً للصراع . كشمير التي تحوي أغلبية عظمى من المسلمين ظلت تحت حكم أقلية هندوسية ، و لم تستطع باكستان خلال صراع طويل - كاد يصل إلى مواجهة نووية – أن تحسم المشكلة .
  هذا و قضية الهوية الإسلامية لم تتوقف عند الصراع العسكري مع الجارة الهند . فباكستان التي ظلت تحمل اسم جمهورية باكستان الإسلامية ، حُكمت و لازالت تحكم بواسطة رؤساء لا تخفى توجهاتهم أو ارتباطهم الثقافي بالغرب و وصل الأمر إلى قيام الدولة في عهد محمد أيوب خان الرئيس الثاني لباكستان بإلغاء صفة الإسلامية من اسمها لتصبح جمهورية باكستان .
  أيوب خان الذي قال : " سوف نشحن جميع العلماء في قارب و نطردهم خارج باكستان " و قال أيضاً : " نحن لسنا مسلمين فقط ، نحن أيضاً باكستانيون " هو نفسه من أعلن " الجهاد المقدس " على الهند و انتهى أمره بعودة باكستان لاسمها القديم ( جمهورية باكستان الإسلامية ) ثم اضطراره هو نفسه لتقديم استقالته بعد أزمات عدة منها التشكيك في نزاهة الانتخابات التي فاز فيها على فاطمة علي جناح أخت مؤسس دولة باكستان و أول حاكم عام لها ، و معارضة شديدة لحمكه من أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان ، ثم الاستياء الشعبي العام إثر عقده اتفاقية طشقند مع الهند التي قيل إنها حولت النصر في أرض المعركة إلى هزيمة على مائدة المفاوضات مما دفع وزير خارجيته و ذراعه اليمنى ذو الفقار علي بوتو إلى ترك الحكومة و تأسيس حزب الشعب الباكستاني بهدف إقصاء أيوب خان عن الحكم .
  لم يكن أيوب خان و عهده كرئيس لباكستان آخر عهد الفصام الذي يصيب باكستان في شأن الهوية الإسلامية .
  باكستان التي عقد بها ثاني اجتماع لمؤتمر القمة الإسلامي و التي يتولى رئيسها بحكم منصبه رئاسة اللجنة الدائمة للتعاون العلمي و التقني بين الدول الإسلامية و مقرها إسلام اباد ، هذه البلد التي أعلن فيه الجنرال محمد ضياء الحق عندما تولى الرئاسة عام 1977 أن من مهام حكومته تطبيق الشريعة الإسلامية هو نفس البلد و ذات الحاكم الذي صرح عام 1988 بعد عقد من الزمن أو يزيد قائلاً " إنني أخاف الله و أخشاه ، و أعلم أنه سوف يسألني غداً : لماذا لم تحكم بالشريعة الإسلامية ؟ و الشعب سوف يسألني لماذا لم تأخذ على يد الظالم " أعقب تلك التصريحات محاولة لأسلمة باكستان انتهت سريعاً باغتيال ضياء الحق إثر تفجير طائرته الخاصة بقنبلة ، و لازال الفاعل مجهولاً ؛ حيث كثر أعداؤه فاتهمت أمريكا و المخابرات الإسرائيلية و الشيعة و الليبراليون في باكستان و حتى الجماعة الإسلامية .

  الهوية و قضايا أخرى


  لا شك ، إن استقرار باكستان مرتبط ارتباطاً وثيقا بالهوية الدينية ، فهي بلد قامت و عمادها الذي التف حوله الجميع اشتراكهم في الإيمان بدين واحد مع اختلاف واضح في جوانب أخرى كانت لتمثل هوية مشتركة لشعب آخر مثل الأصول العرقية أو اللغة أو الثقافة هذه الأمور متنوعة بشكل واضح في باكستان مما انعكس على استقرار البلد ، فلم تلبث بعد عقدها معاهدة مع الهند بشأن كشمير أن نشأ صراعٌ آخر أدى إلى انفصال باكستان الشرقية و التي تحولت إلى دولة بنجلاديش الحالية .
  كما انعكس عدم الاستقرار السياسي في أسباب انتقال الحكم بين ثلاثة عشر رئيساً ( و في بعض القوائم هم أحد عشر ) . 
كثيرٌ من الباكستانيين يشعرون بفخر إزاء هذا العدد و كأنه دليل على الديمقراطية أو نضج المجتمع و مؤسساته ، لكن دعونا نتأمل قليلاً :
   *  انتهى حكم الرئيس الأول اللواء اسكندر ميرزا بانقلاب عسكري عام 1958 بعد حوالي عامين من إعلان الجمهورية و كتابة الدستور الباكستاني ، تولى إثره محمد أيوب خان الحكم .
    * بعد حوالي سبع سنوات من حكم أيوب خان عقدت انتخابات شُكك في نزاهتها و فاز هو نفسه فيها ، لكنه ما لبث أن اضطر للاستقالة بعد فشله في قضية الصراع مع الهند .
    * تولى بعد ذلك الحكم قائد أركان الجيش آغا محمد يحيى خان و الذي انتهى حكمه باستقالته بعد هزيمته أمام الهند و انفصال باكستان الشرقية و تحولها إلى دولة بنجلاديش إثر قتالٍ دامٍ أدى إلى وفاة أكثر من مليون شخص .
    *  تولى بعد ذلك الرئاسة ذوالفقار علي بوتو الذي بدأ في عهده البرنامج النووي الباكستاني ، لكنه اتهم بالديكتاتورية و زاد في عهده نفوذ الجماعة القاديانية ( الأحمدية ) التي اتهمت بالخروج من الملة ، كما اتهم بتزوير الانتخابات مما أدى إلى انتشار الفوضى في البلاد ، و انتهى أمره بانقلاب عسكري أودع إثره السجن ثم تم إعدامه .
   * جاء الانقلاب العسكري بالجنرال محمد ضياء الحق إلى الحكم ، و من حديث كثير من الباكستانيين أشعر أنهم كانوا يحبون هذا الرجل الذي انتهى حكمه بتفجير طائرته الخاصة في عملية اتهم الموساد الإسرائيلي بالضلوع فيها و كان لتوه عائداً من استعراض أسلحة أمريكية بنيَّة شرائها لباكستان .
    * بعد ضياء الحق جاء إلى رئاسة باكستان خمسة رؤساء تعاقبوا خلال ثلاثة عشر عاماً و لم يكونوا بشهرة الرؤساء السابقين أو اللاحقين ( منهم من تولى كرئيس انتقالي فقط لمدة شهر واحد ) حتى إن شهرة بعض رؤساء الوزراء طغت على اسم الرؤساء مثلما هو الحال مع بينظير بوتو و نواز شريف الذي يتحدث البعض عنه معتقدين كونه أحد رؤساء باكستان .
    * تلى ذلك حكم الجنرال برويز مشرف الذي أعاد الجيش للحكم ، و حكم بيد من حديد ، و لم تخف توجهاته و ميله الواضح و تعاونه مع أمريكا ، ثم أدى اتهامه بالفساد و الغضب العام تجاهه رغم قمعه المعارضة طويلا إلى استقالته فيما بدا كصفقة تنقذه من مساءلة وشيكة .
    * بعد استقالة مشرف و تبعاً للدستور الباكستاني تم عقد انتخابات خلال 30 يوماً فاز فيها آصف علي زرداري أرمل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو التي اغتيلت في 2007 ابنة الرئيس السابق ذو الفقار علي بوتو الذي تم إعدامه عام 1979م.
* جدير بالذكر أن زرداري سبق سجنه مرتين بتهم الفساد و القتل ، و قيل إن فترة سجنه أثرت على ذاكرته ، كما يذكر أيضاً أنه من أغنى أغنياء باكستان . قدرت ثروته عام 2005 ب 1.8 مليار دولار امريكي بينما اتهم  و زوجته بينظير باختلاس 1.5 مليار دولار أمريكي إبان توليها رئاسة الوزراء و يطلق خصوم زرداري عليه لقب السيد 10% في إشارة إلى النسبة التي كان يحصلها ( كرشوة ) في كل الصفقات الحكومية .

*  أخيراً ، تبدو الحالة السياسية في باكستان أكثر توتراً مما كانت أبداً منذ استقال برويز مشرف الذي لا أعرف تماما لماذا أُحِس أن مغادرته الحكم كانت – نوعاً ما – تسليماً لباكستان يحولها إلى ساحة أخرى للصراع بين القاعدة و طالبان من جهة و أمريكا من جهة أخرى في ظل حكومة ضعيفة و خانعة تماماً ( بالبلدي لا بتهش و لا بتنش ) ، لا أعتقد أن ذلك كان ليحدث أثناء حكم مشرف الذي مهما قيل عن فساده و تبعيته لأمريكا و غير ذلك ، إلا أنه كان قابضاً على زمام الأمور و كانت في عهده عناصر القاعدة و طالبان - التي لا يمكن إغلاق الحدود دونها نظراً للصعوبة الجغرافية - كانت في الغالب عناصر نائمة تمارس بياتاً في باكستان و لا تتحرك أو تنشط إلا خارجه .
  لو كان الأمر كذلك فعلاً لكان علينا النظر لباكستان في المستقبل القريب بعد انتخابات 2013م. و توقع أن تعود أكثر استقراراً في ظل إعلان الرئيس السابق برويز مشرف نيته العودة إلى باكستان للمشاركة في الانتخابات المقبلة ، ولا يخفى على أحد أن حزبه الذي أعلن قيامه منذ ساعات سماه ( حزب الرابطة الإسلامية لعموم باكستان ) هذا الاسم يقتفي أثر حزب الرابطة الإسلامية الذي كان أساسَ باكستان و استقلالها عن الهند و بريطانيا في آن . و هو ما يعني رغبته الواضحة و التي أعلنها صريحة في عودة الاستقرار بعدما عمت الفوضى .
كما أن الإشارة إلى كونه حزباً لعموم باكستان فيها مخاطبة صريحة للمجتمع الغربي و أيضاً إشارة إلى قوة التيارات التي لا تقر الاتجاهات السلفية مثل العلمانيين و الليبراليين و غيرهم بما في ذلك الشيعة الذين لا يرغبون في أن يحكمهم نظام سلفي سني .

الطبيعة تأبى إلا أن تشارك

 
  باكستان بلد ذو طبيعة في عمومه شديدة القسوة ، لكنها أصبحت أكثر ضراوة في السنوات القليلة الماضية متعاونة مع التوتر السياسي و الفساد الإداري لتحول حياة البسطاء إلى جحيم ، و ما يجعلني أقول : " البسطاء " إيماني التام بأن ثورات الطبيعة عادة لا يتضرر بها إلا الفقراء أما الأغنياء و الحكام فعادة لا يصيبهم الأذى بل ربما كانت في الكوارث مصادر دخل و مجالات استثمار جديدة لهم .
  في 8 أكتوبر 2005 ضرب باكستان زلزال مدمر أدى إلى مقتل حوالي 200 ألف مواطن كما شرد أكثر من مليوني إنسان ، و كان يعد من أسوأ الكوارث التي ألمت بالعالم و تضافرت الجهود لجمع التبرعات كما تكالب الفاسدون على سرقة هذه التبرعات التي لم يصل معظمها إلى المتضررين ، الأمر الذي دفع كثيراً من المانحين هذه الأيام إلى الإحجام عن إرسال المساعدات أو التباطؤ فيها رغم أن الكارثة الحالية في باكستان أخطر كثيراً من سابقتها حيث أن الفيضانات أو الطوفان الذي هاجم كثيرا من المناطق الباكستانية منذ 27 يوليو 2010م. ألحق أضراراً بحوالي 21 مليون باكستاني أي ما يقارب 12% من السكان و قدرت الخسائر الناجمة عنه ب 43 مليار دولار ، كما قتل ما يزيد عن 1760 شخصاً .





تعقيب : الصور المرفقة غير مملوكة للمدون و قد وردته نقلا عن ناقل عن ناقل ، لذا من يعرف اسم المصور أو معلومات أخرى نرجو تركها في التعليقات أو مراسلة المدون ليتمكن من نشرها

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله