بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، أغسطس 31، 2014

التصوير صعقاً .. تجربة فوتوغرافيَّة لا تكرِّرها في المنزل


  يسلِّم الكثيرون أن الفن ضربٌ من الجنون 
إذا لم تكن تصدق - مثلي - ذلك ؛ فالأحرى بك الآن أن تفعل
لو لم تكن هذه التجربة جنوناً ؛ فماذا تكون
على أي حالٍ ، ربما لا تكون تجربة المصور الأمريكي باتريك هول جنوناً مطلقاً ، رغم ما يبدو فيها من غرابة
قرر المصوِّر الأمريكي أن يصوِّر مجموعة من الأشخاص المتطوعين ، بورتريهات عادية ، لا ليست عادية ؛ فأثناء التقاط الصور يقوم صديق للموديل/الضحية بصعقه عن طريق أحد الصواعق المستخدمة للدفاع عن النفس بتيار كهربي يصل إلى 300,000 فولت 
في هذه اﻷثناء تكون عدة كاميرات مسلطة على المشهد إحداها كاميرا تصوِّر صوراً ثابتة للحظة الصعق ، فيما يمكن تسميته بورتريه ، نعم بورتريه حتى لو كان غارقاً في معاني الألم ، و كاميراتٌ أخرى تلتقط فيديو بالتصوير البطيء لوجهي الموديل و صديقه أو صديقته الذي يتولى عملية الصعق ، و أيضا تلتقط كاميرا أخرى لحظة التقاء الصاعق بجسد المصعوق
  تبدو  العملية كتجربة علمية ، ليست الأولى من نوعها ؛ ربما تفسر خلفية المصور التعليمية ذلك حيث كان دارسا لعلم الأحياء قبل توجهه لتعلُّم التصوير ، لكن التجربة تخرج من هذا الإطار عندما نشاهد الفيديو و الصور و نكتشف أننا إزاء عمل فنيٍّ جدير بالتأمل ، المسألة ليست مجرد تسجيل للحظة لكنه غوصٌ  في نفوس البشر خلال زمن لا تراه العين تتغير خلاله تعبيرات إنسانٍ بين نقيضين التباين بينهما أقصى ما يكون ، و يلعب أيضا التناقض بين مشاعر الشخصين لعبته ، أحدهما القائم بالفعل ممسكا بالجهاز في يده يترقب و هو خائفٌ ، أو قلقٌ ، متحفزٌ ربما ، متعاطفةٌ مع صديقها ، ممكن ، و  آخرُ مستعدٌ للإنتقام ، لا تجزم ؛ لكنه يبدو كذلك
على الطرف اﻵخر ، تجد الضحيةَ
منتظراً
يعرف مصيرَه ، لكنَّه لا يستطيع أن يحدد : متى؟
كطفلٍ في آخر الصف ، ينتظر حقنة التطعيم ، و يتألم لحظةً لحظة ، طفلًا تلو طفل ، ألمٌ و خوفٌ و قلق .. أحاسيسُ تتجه كلُّها وجهةً واحدة و تتراكم عند منعطف يقف قلبه إزاءَه
كما نقول في أمثالنا : وقوع البلاء ، و لا انتظاره
و هم ينتظرون ، يعرفون أن الصَّاعق على بعد خطوة ،  يدركون ما يمكن  أن يفعله بهم ، أغلبهم نسوة ربما أوقفوا يوما متحرشاً أو لصاً مشرداً بهذا السلاح و ربما أيضاً لم يستطيعوا أو تستطعن الإلتفات لمعرفة أثر أداتهم الخطيرة على من كان مجرماً قبل لحظة يريد الفتك بهم فأصبح و لا حول له و لا قوة في بدنه 
اﻵن هم يجرِّبون إحساسَ  الضحية
 لا ترى خوفاً حقيقياً في عيونهم ، لا تخطئ في نظراتهم لذة لا يستطيعون إنكارها ، و لا يحاولون فعل ذلك بينما تتصاعد نشوة عجيبة تغلق أعينهم قليلًا حتى ترى السعادة بين رموشهم تحاول الخروج و يحاولون منعها . هل يريدون إغماضَ  أعينهم ليحفظوا ذلك الإحساس داخل رؤوسهم أطول وقت ممكن ؛ كادوا يفعلوا  ، لكن اللحظة قصيرة . فجأة ترتجف أجسادهم ، تشد جلودهم و تترهل في تتابع يبدو سريعا و هو في الحقيقة خاطف السرعة . تتبدل ملامحهم فجأة إلى الفزع ، اﻷلم .. هل يستنجدون ، و بمن؟ ليس بموجود حولهم لكن أعينهم تحوِّم داخل نفوسِهم  ، هل تبحث الطبيعة فجأة عن إيمان ، أم يتحول ثبات اليقين إلى شك المادة في وجودها
لحظة جديرة بالتأمل ، و لا تستطيع الكلمات وصفها
تجربةٌ مفيدة على المستوى العلمي و الإنساني . و هذا هو التصوير الضوئي نحاول أن نعرف المزيد عنه فيكشف لنا الكثير مما لا نعرفه عن أنفسنا





الخميس، أغسطس 28، 2014

كلنا عواطف ..شرم الشيخ بطعم المصريين


عواطف التي لا تعرفونها ، ليست ترجمةَ لفظٍ  يعني المشاعر أو مكنونات النفس ، عواطف هي " الموديل " التي كان علينا رسمها في إحدى محاضرات ( سكاشن ) الطبيعة الحية و نحن طلبة
  عواطف جلست بثقة أو ربما لامبالاة و سمعت أستاذنا الدكتور يقول لنا : انسوا نسب الجمال الأثينية . لا تفكروا في معايير فيثاغورس للتناسق ؛ ليست لدينا موديل من ألمانيا و لا غادة باريسية ، ليس معنا هنا سوى عواطف
  طبعاً بعضنا أخذ يهمس و يخفي بيده ابتسامة لاهية تكاد تتحول إلى ضحكة تجلجل لو ترك لها العنان . كلنا أخذنا نتفحص السيدة بجسدها السمين المترهل ، ثوبها المتهدل كثير التجاعيد و غطاء رأسها الشعبي .
  هي أيضاً كانت تقلبنا بعينيها
  نظرتها تخبر من يتأملها أنها واثقة تعرف ما لا نعرفه ، و لا تكترث لسخريتنا التي تبدلت عندما فوجئنا بأستاذنا يقول
  من لا يدرك الجمال في هذه المرأة لن يستطيع بعد سنواتٍ النظر في المرآة ، أنتم لم تروا عواطف في شبابها ، و كذلك لا تستطيعون - حتى الآن - أن تروا أنفسكم في سنها
  كلماتٌ جعلتنا نتحول عن السخرية إلى التأمل . معظمنا استطاع أن يدرك المعنى و يفهم أن الجمال الذي وضع الفلاسفة و العلماء و الفنانون و المتأملون مقاييس محكمة له لم يكن جمالنا نحن ، و لو حاكمنا أجسادنا بمعايير الآخرين ما استطعنا يوماً أن نتصالح مع أنفسنا
  هكذا أصبحنا نتأمل العالم و نتعامل مع بيئتنا بمنظورٍ مختلف ، برؤية مغايرة لا يستطيع تبنيها هؤلاء الذين تصدمهم مدينة كشرم الشيخ في ثوبها الجديد .. ثوبها الذي ترتديه عكس من كانوا يسكنونها من قبل

  من اعتاد رؤية شرم الشيخ و أجساد الحسناوات الروسيات و الناهدات من بنات إيطاليا تمرحن على شواطئها مع فتية ذوي بنيان روماني محكم ؛ لا يستطيع - حتى الآن - التأقلم مع المظهر الجديد للمدينة التي أصبحت أقرب ما يكون إلى مصايف أبناء البلد كالأسكندرية أو جمصة أو رأس البر
  راحوا و هم كثيرون ينتقدون أبناء جلدتهم و يسخرون من لباسهم و تصرفاتهم و ثقافتهم برمتها ، ملأوا بالتعليقات العنصرية مواقع التواصل :
  شفتي اللي نازلة البحر بالمايوه الشرعي
  بص اللي قاعد ع البيسين بهدومه
  لاحظتوا الناس بتاكل في المطعم إزاي
  ياه ع الزحمة ، دي ما بقتش شرم
  سياحة ، هي فين السياحة دي ، الله يرحم أيام زمان
  نعم ، أيام زمان كانت للمدينة طبيعة مختلفة ، كان من يذهب إليها يمتع نفسه بإحساس أنه خرج من مصر و يستطيع أن يعيش أياماً مغايرة ، أياماً يتظاهر خلالها أنه خواجة وسط الخواجات ، و نظراً لمركب النقص المتغلغل في نفوس الكثيرين و الذي يطلق عليه " عقدة الخواجة " كان يحس أنه أرقى ، أنه من جنس أسمى ؛ نوعٌ من العنصرية التي نمارسها دون قصد ضد أنفسنا
  الآن ، هؤلاء - الذين يسوؤهم مظهر شرم الجديدة - عليهم أن يدركوا كون شرم لم تذهب مذهب المصريين ؛ هي فقط عادت إليهم
  كأني بها اليوم تحررت بشكل حقيقي
شرم التي كانت مقصداً أقرب إلى الإسرائليين منها إلينا ، تعود لتصبح جزءاً من مصر التي نعرفها بعد إحتلال طال أمده ؛ فليس التحرر حبراً منثوراً على أوراق الإتفاقيات و إنما هو التحامٌ كاملٌ للأطراف التي كادت تبتر بأجسادها
  من يستاء من شرم اليوم و " صعبان عليه " السياحة ، عليه أن يتذكر كم تبخرت هذه السياحة في وقت الجد كما تتطاير الزيوت من زجاجات العطر المفتوحة .. كلما وقع حادث أو استحدثت أزمة تفر السياحة الخارجية بكل أجوائها المصقولة من منازلنا السياحية كما يفر الصحيح من مجذوم ، و يستدعي أولو الأمر أبناء البلد ليرفعوا مواطن السياحة من كبوتها و يسنِّدوها حتى تصح
  لو أخذنا في الإعتبار كم مرة حدث هذا لوجدنا في النهاية أن الإعتماد على السياحة الداخلية أجدى ، و إذا اهتممنا بها ستأتي " في رجلها " السياحة الخارجية ، و يا أيها المحزون اللامتصالح مع نفسه : لا تبكين على الأجانب ؛ هم بدورهم لم يأتوا إليك ليبكوا معك

ثناءٌ و لوم يستحقُّهما قطاع الأخبار


خلال الأشهر الماضية استطاع قطاع الأخبار بكفاءة لعب دور حصان ماسبيرو الأسود الذي لن يخسر من راهن عليه ؛ أدى مهامه كمحطة إعلام رسمية تمثل الدولة و تكون حلقة وصل جيدة بين جماهير الشعب العريضة و رجال الحكم . قدم العاملون فيه نموذجاً للتفاني وصل إلى عيون و عقول المشاهدين خلال الأحداث المتعاقبة التي مرت على مصر ، و انتهى بالتغطية الرائعة لحفل تنصيب الرئيس المصري الذي نال التليفزيون الرسمي بسببه الثناء و أعاده ملء السمع و البصر ، و في نفس الوقت وضعه النجاح المتحقق تحت مجهر الترصد و مبضع النقد الذي لا يتورع عن التشريح لكشف المخفي تحت الجلد من أدواء لابد من استئصالها
قبل أيام قلائل كانت التغطية الضخمة لفعاليات افتتاح مشروع ازدواج قناة السويس أو القناة الجديدة أو الملحق ، أياً ما تكون التسمية و كيفما كان استقبالها على المستوى المحلي و الدولي بين مؤيد متعلق بالمزايا و معارض متشكك مشكك في المعطيات ، بصرف النظر عن كل شيء كان الحدث ضخماً و أصداؤه لازالت تتردد عبر وسائل الإعلام و خلال جلسات المقاهي و قعدات المصاطب ، و لذلك كان لابد من تغطية تليفزيونية تناسب الحدث و تضاهيه و تدعم المشروع الذي ستلتصق صور افتتاحه بأذهان كل من سيتابع تطوره في المراحل المقبلة ، و للحق فعلوها الرجال - رجال قطاع المهام الشاقة - بذلوا مجهودا لا يمكن لمنصفٍ  إلا أن يثني عليه ، و لا يستطيع متخصصٌ   دارٍ بتفاصيل العمل التليفزيوني في منطقة كهذه جمعت اتساع مساحة العمل و وعورتها و ما يحفها من احتياطات أمنية اعتدنا أن تكون عائقاً رغم أهميتها التي لا شك فيها ، لا نستطيع كتليفزيونيين إلا أن نقدر هذا العمل و نعطي جنوده المجهولين و المعلومين حقهم من الثناء
لكن في الوقت ذاته و نحن في مقاعد المشاهدين لا نستطيع التغاضي عن هنات يجب لفت النظر لها خاصة و أن بعضها حدث قبل ذلك في حفل التنصيب و تكرر مرة أخرى ، و هذه المرة اﻷخيرة قاتلة ، فالصورة المنقولة ستحفظ و تعاد و تعطي انطباعا يسيء للمشروع برمته ، و هذا ما لمسته فعلا عند بعض الأصدقاء بدأوا مشاهدة الحفل و كلهم أمل و تطلع للمستقبل مع المشروع الواعد ، حتى أن أحدهم أقسم ليبيعن سيارته ليشارك بثمنها في دعم الهدف القومي ثم بعد متابعته فتر حماسه و تساءل إن كان المشروع سيدار بنفس الهرجلة التي ظهرت على الشاشة؟
لا يجب أن ننسى كون الصورة في موقف كهذا ربما أهم من الحدث نفسه ، و لن أتحدث عن الارتباك الواضح في التعليق الصوتي خاصة الصوت النسائي ، ربما سينسى الجمهور ما كان يقوله المعلق أو المعلقة بعد دقائق أو سويعات من انتهاء البث ، لكن عقله سيحفظ ربما للأبد صورة الرئيس على المنصة الرئيسة يلقى كلمته و الكاميرا التي يجب أن تعتبر اﻷهم تهتز أو ترتعش بطريقة مبالغ فيها ، حدث ذلك أيضا في حفل التنصيب و لم يصل هذه الدرجة فمر مرور الكرام و تجاهله الجميع لكن تكراره يعني ضرورة دراسة أسبابه خاصة أنه ارتبط بقطع بدا مرتبكا غير مرتب بين الكاميرات حتى أننا رأينا تركيزا لا نستطيع فهمه على مؤخرة رجل منحن أمام الرئيس يحادثه ، و كان يمكن تفادي ذلك بالتنسيق بين المصورين و مخرج الحفل لكنهم لم يفعلوا و تكرر القطع على تفصيلات مسيئة لا نجد سببا واضحا لتركها على الشاشة
لا أشك أبدا في حماس الزملاء الذين بذلوا قصارى جهدهم لتغطية الحدث ، بل يمكنني أيضا تخمين سبب أو أسباب لما حدث تزيح عنهم المسئولية ، بيد أننا لا يجب أن نترك الأمر دون محاولة لمعالجته ليس فقط من فريق التليفزيون ، لكن من جميع المنظمين للحدث بمن فيهم المسئولين عن التأمين من الحرس الجمهوري و الجيش و ربما الداخلية ، يجب ضمان كافة السبل لثبات الكاميرا الرئيسة حتى لو حددوا لها حرما لا يقربه أحد أيا ما كانت سلطته سوى المصورين

قوم اطمن على تليفزيونك


الحمد لله اطمأن قلبي على حبيب قلبي التليفزيون المصري الرسمي ، و تأكدت من حب الناس له ؛ و هل أدل على ذلك من أن هناك من لازال ينصب باسم التليفزيون الرسمي و يبشر الناس من خلال صفحة على الفيس بوك بإمكانية التعيين فيه لقاء خمسين جنيها يحولها المغرر بهم لرصيد صاحب الإعلان عن طريق إحدى شبكات الاتصالات ، و اﻷكثر مرارا في الواقع من سذاجة صياغة الصفحة أن هناك من صدقها و كأنها صفحة جادة ، محتواها معقول .
 فوجئت و أنا أمرر الشريط الزمني للصفحة أن هناك من صدق الخدعة و انطلت عليه بعض الصور و اللوجوهات التي ربما بطل استخدام بعضها لكنه لازال محفوظا في ذاكرة الناس ،  هؤلاء يوجهون الشكر للقائم على الصفحة الذي لم يصرح تماما عن هويته و لم يذكر شيئا عن علاقته بالمؤسسة و صفته الرسمية التي تتيح له التحدث باسم التليفزيون الرسمي للدولة وتقديم الوعود للخريجين بل و طلبة الإعلام أنه سيوظفهم و يدربهم و حتى فتاة سألته : طاب أنا خريجة آداب ممكن أقدم ؟ 
بماذا أجاب ؟ قال لها نعم أرسلي على البريد الإلكتروني و لا تنسي تحويل الخمسين جنيها إلى رقم التليفون 
 كذلك ، الرجل لا يرغب في تضييع أي فرصة حتى لو فقد مصداقيته النصبية . بصراحة معه حق ؛ لماذا لا يوفر لنفسه شحنة موبايل أو قرشين تحويل لرصيده مادام هناك من لا يدقق و يصدق أن تليفزيون الدولة بجلالة قدره و قدرها ( الدولة ) سيعلن عن تعيينات به عن طريق صفحة مجهولة الهوية على وسائل التواصل ، و أصلا كيف يعلن عن توظيف طلبة إعلام و المسئولون فيه و في الدولة السنية يحاولون بكل جهدهم تقليص العمالة فيه لتوفير أعبائهم ، و في أحلامهم يتمنون أن يصبحوا فيخبرهم بشير أن وباء غامضا قصف أعمار نصف العاملين فيه - على اﻷقل - و ترك المبنى نظيفا هادئا هانئا قابلا لتنفيذ أي خطة من خطط التطوير التي لم يقدر لأي منها أن تكتمل ، و السبب دائما كان عبء العمالة الضخمة
حتى لوتخطينا ما سبق و أعلن التليفزيون عن حاجته لطلبة للتعيين ، هل يمكن أن يطلب إرسال السير الذاتية إلى بريد إلكتروني على موقع عام و ليس على موقعه الذي يعد جزءا من المواقع الرسمية للحكومة ، و لو فعل هل سيطلب تحويل الرسوم إلى رقم هاتف محمول جديد لن تصل لمعلومات عنه من خلال المواقع العامة المختصة في التحقق من هوية أصحاب أرقام الاتصال  ، ثم لو فعل التليفزيون كل ذلك ؛ هل يمكن أن يطلب تحويل خمسين جنيها فقط " دة انت لو هتشتغل في الصرف الصحي هتدفع أكتر من كدة " مع احترامنا لجميع العاملين في الصرف الصحي
 إذا هذه رسالة لا أوجهها للمسئولين و إن كان يسعدني أن تلفت نظرهم ؛ لكني أوجهها لإخواننا و أبنائنا الطلبة الجامعيين و حديثي التخرج، و إلى أولياء أمورهم لا تتسرعوا في الانسياق وراء مثل هؤلاء النصابين ، و إذا لاحظتم مثل عمليات النصب تلك حاولوا إبلاغ السلطات ، أو كأضعف الإيمان تحذير معارفكم
 أخيرا تجدر الإشارة بالشكر للسيد #محمد_الطوبجي المذيع بالتليفزيون المصري الذي حاول بمجرد اكتشاف الواقعة توجيه الأنظار إلى الصفحة لعله ينقذ الكثيرين من الوقوع في الفخ
رابط إلى الصفحة
صور من نصوص على الصفحة

الأحد، يوليو 13، 2014

التصوير .. عندما أصبح جريمة


 في الماضي ، كنتَ تغضب جداً - كمصورٍ - عندما يأتيك عسكري و يعكر صفو المشاهد الجميلة التي تلتقطها بكاميرتك ؛ فيقول لك بلهجةٍ مهتزة لكنها مُلِحَّة :
- كلم الضابط.
 كنت تذهب منصاعاً إلى الشاب الصغير المزيا برداء رسمي و يجلس في قلب الظل تحت شجرة أو عند مدخل عمارة ، يهش ذباب الحر عن وجهه الحليق و يتطلع إليك بعينين شبه مغلقتين كمن صفعه ضوء الشمس و هو لتوه استيقظ من النوم.
يسألك و كأنه لا ينتظر إجابة :
 - التصوير دة بخصوص إيه يا حضرت ؟
 لا تجيبه ، ليس كبراً منك ؛ لكن لأن السؤال لا معنى له . لماذا يكون التصوير بخصوص شيءٍ ما . التصوير في حد ذاته هدف ٌ خاصة بالنسبة لشخصٍ قضى خمس سنواتٍ من عمره يدرس في كلية متخصصة ليصبح مصوراً ، ليصبح ذلك الشخص الكفؤ لحمل كاميرا و النزول إلى الشارع و تسجيل حيوات الناس و لهفة هرولتهم في شوارع متبرجة بزي التفرُّد .
 - انت مش عارف إن التصوير ممنوع إلا بتصريح ؟
- تصريح من مَن ؟!
 طبعاً تدعي العبط ؛ فأنت مدركٌ تماماً أنه ليس تصريحاً واحداً بل تصاريح عديدة : الداخلية و الأوقاف و السياحة و الإعلام و غيرها ، كأنك بحاجة للمرور على كل موظفي الحكومة قبل أن تحمل كاميرا و تقف في ميدان عام لتصور بعض الصبية يلهون في ماء نافورة .
 أذكر منتجة تليفزيونية أجنبية قالت لي مرة
 - صورت في معظم دول العالم ، و في كل بلدٍ عملت فيه كنا نبلغ السلطات فقط ليوظفوا من يحمينا من المتطفلين، لكن هنا تبدو لو خاطبت المسئولين كأنك تطلب منهم أن يوظفوا من يتطفل عليك .
هذه التفاصيل التي بدت حينها مزعجة كانت في الماضي . الآن ، الوضع أسوأ
الآن
تقرأ خبراً في جريدة مفاده أن شخصاً سيحاكم بتهمة " إرتكاب جريمة التصوير" . ليس ذلك فقط ، بل تفاجأ بأصحاب الأقلام و المستحوذين على شاشات برامج التوك شو يمعنون في التحريض على كل من حمل كاميرا و صور واقعة لولاه ما رآها أحدٌ و لكانت دفنت حقوق كثيرة و اضطر الآلاف ممن اغتصبت آدميتهم لكتم آلامهم و تكفين أرواحهم في ملفات شرطة يمكن أن تغلق دون أن يعاقب المجرم طالما هناك من يقتنع بأن كل شيءٍ تمام مادام لا أحد يذكر الأحداث و يقلق راحة المسئولين
 التصوير ليس - فقط - فناً
 التصوير شهادة شهيدٍ على الواقع و الوقائع
 لا أشك أن المصور هو نفسه الكاتب أو الشهيد الذي أمرنا الله سبحانه و تعالى أن نحميه "وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ"  أليس المصور قائماً بأعمال التوثيق ؛ من يلومه إذاً لكونه لم يقدم على حماية ضحية بينما قام بعمله على أكمل وجه
و لماذا نكرم ، إذاً ، ضابط شرطة تقدم لأداء وظيفته ليس إلا ، أليس مكلفاً  بحماية الناس ( كل الناس ) . طبعاً لا ألوم من كرمه لأنه قام بعمله كما ينبغي و خاطر بحياته في سبيل أداء الواجب ، و هو جهدٌ لا يستطيع منصفٌ إلا أن يحمده له . لكني في المقابل أستغرب أن تُشن حملة منظمة في وسائل الإعلام تحاول إيهام الناس أن من يحمل كاميرا و يقوم بالتصوير مجرمٌ يمكن إغراء السفهاء بمطاردته و الفتك به .. أتعجب من ذلك ليس لأنه جديد ، لكن لأنه نفس الأسلوب القديم : " اكفِ على الخبر ماجور " لا تدع أحداً يذكر ما حدث ، و بذا كأن لا شيء وقع على الإطلاق
 فلسفة تستحق الدراسة في أكاديميات التدليس ، و ماكيافيليات التلبيس
فلسفة أوصلت مجتمعنا قبل سنواتٍ  لما كان عليه : باطنه يغلي بينما السطح جنانٌ مورقاتٌ و شمس ساطعة . لكن ، إلى متى ؟
إلى أن يجد البركان ثغرة فينفجر .
رسالة إلى كل المسئولين : ليس بإخفاء الحقائقِ تزدهر الدول ، و ليس بقتل المصورين أو تلفيق التهم لهم تستقر الأوضاع .

الاثنين، يونيو 16، 2014

عيد الأب بعين مصورة مغتربة

عيد الأب بعين مصورة مغتربة



قصة الصورة : المصورة ، و هي البنت الصغيرة في الصورة ، أخذتها أمها و سافرت إلى أميركا من روسيا هاربة من الأزمات التي حلت على بلدهم بعد تفتت الإتحاد السوفيتي ، تاركة زوجها ، والد الصغيرة ، و مستقرة في كاليفورنيا . 
مرت السنوات و تقاذفتها ويلات الحياة و كانت الطفلة تحس فقد أبيها ، و الأم لا تعرف كيف تزيل عنها ما رسخ في ذهنها من ذكريات قليلة للأب يلاعبها و يداعبها .. يراقصها و يضحك معها ؛ فما كان من الأم إلا أن لجأت لحيلة قص صورة الأب من كل صورهم ، لكنها لم تحسب في ذهنها قاعدة كنا ندرسها و يدرسها طلبة الفنون حتى الآن : " التفاصيل التي لا تدركها العين يكملهاالعقل" . هذا ما حدث بالفعل .. عاشت الصغيرة و كبرت مع ذكرياتها و صوها القديمة مخلقة في ذهنها صورة مثالية لأب مفقود ، شكلته بمزاجها ، حرفته و طورته بما يوافق نموها و يرافق تحور جسدها و تبصر عقلها و مراوغة ذاكرتها ، حتى مرت اﻷعوام ، اثنتي عشرة سنة تفتش عن مفقودها ، و تخيب إخفاقا بعد إخفاق ، حتى جاء اليوم .. دون مقدمات وجدت أباها الذي ما فتئ يبحث عنها .. اللهفة حديث و الواقع أصم و جدت رجلا بعد خمس عشرة سنة ، لكنه لم يكن أباها ، أبوها الذي التصق بفراغات الصور كان حالة أخرى مختلفة تماما عما أقره الواقع لها . الرجل العجوز الواقف ببابهم لم يكن الأب الشاب الذي ظل يراقصها في لحظات الفرح و يربت كتفها كلما أخفقت ثم يعود ليستريح في فراغات الصور المخبأة داخل رأسها متوارية عن مقص الأم الصارمة التي لا تؤمن بالخيال. بعد سنوات الاغتراب المرة وصلت محطتها الأخيرة فوجدت أبا لا تستطيع التواصل معه حتى لغته غير لغتها.

هذه الصورة كانت تعبيرا عن سنواتها التي لا تستطيع الحكم فيها هل ضاعت بحثا عن حلمها ، أم مرت كما يمر كل شيء .

الجمعة، يونيو 13، 2014

أن يكون البعد قريباً تجربة فوتوغرافية تستحق التأمل


 أن يكون البعد قريباً
تجربة فوتوغرافية تستحق التأمل

كنا نغضب - كمصورين - عندما يُثني البعض على عملنا بالقول : تسلم يدك ، أو تسلم عينك .
كنا نحزن و يصيبنا الحنق ﻷننا ندرك سرَّ المصوِّر و هو ليس في يدِه ، و ليست عينُه أداتَه ؛ إنَّما هو العقل . المصور عقل عملية التصوير ، لا مجرد عيٍن ترى أو يدٍ تتحرك
و ﻷنّ المصور عقلٌ ، نحاول أحياناً أن نترك انبهار اﻷعين ، و لا نعير اﻷلعابَ الفوتوغرافية أو الحرفَنة البصرية كل اهتمامنا ، أحيانا نحب تجربة فوتوغرافية لا تقدم تميزاً تشكيليا في اﻹضاءة أو زاوية التصوير ، أو لحظة التقاط الصورة ، نحبها رغم أنها لا تعرض ما يرضي ذائقة متلقٍ واعٍ أو مصورٍ متخصص ،  هذا ما وجدناه في أعمال المصورة البنغالية جنتول ماوا التي لم تفتش عن إبهار بصري ، و لم تترقب لحظات قمة لصراع في حياة اﻷشخاص موضوع صورها ؛ كما نتوقع من مصور محترف ، لكنها بدلا من ذلك تختار تصوير اﻷشخاص في لحظات ثبات أو شبه ثبات بعيدا عن ما يميز حيواتهم و يجعلهم مختلفين عن غيرهم ، فعلت ذلك و هي تتناول حياة فتيات فقيرات تحترفن بيع أجسادهن . موضوع يمكن أن نتصور كيف سيطرحه مصور غربي مثلا بالتركيز على فكرة تجارتهن المنبوذة في معظم الثقافات ، ربما يتعاطف معهن ، مع بؤسهن و ضعفهن و فقرهن ، أو على نقيض ذلك يظهر امتعاضه واستياءه و تعاليه على قبولهن ممارسة مهنة كتلك . جنتول ماوا ( أو جنة المأوى ) على خلاف ذلك تضحي بكل ما يحويه الموضوع من إثارة و تقرر أن تصور فتياتها أمام بيوتهن التي لا تزيد عن كونها مجرد بيوت فقيرة ، لا تظهر أي إشارة للمهنة المشينة التي تمتهنها .. و الفتيات أنفسهن كأي فتيات في مثل أعمارهن تظهرن بملابس محلية عادية تخفين وجوههن عن الكاميرا بحياءٍ غير مصطنع لا يخفي سعادتهن بالتصوير ، و المصورة لا تحاول تحريكهن بأوامر منها بما يؤكد أنها لا ترغب في المتاجرة بآلامهن ، كل ما في اﻷمر أنها تبحث عن لحظات استراحتهن من همهن اليومي ، اللحظات التي تُغمِدْن فيها تفاصيل حيواتهن و تبقيْن فيها دون صفة غير إنسانيتهن .
http://mawaspace.files.wordpress.com/2013/02/mg_9676-copy1.jpg
  أسلوب جنتول ماوا لا يبدو مقصوداً ، إذا تتبعنا مراحل حياتها المهنية ، في الواقع كانت بدايتها بالعمل في مجال حقوق الإنسان ، ثم كان توجُّهها لدراسة التصوير لمساعدتها في التوثيق للقضايا التي تتناولها . هذه الخلفية العملية تظهر بوضوح لماذا لا تشغل بالها كثيرا بتفاصيل فوتوغرافية ربما لا تعرف عنها الكثير ، لكنها تعوض ذلك بخاصةٍ تدرك أنها تجيدها و تتميز بها اكتسبتها من نشاطها العام و عملها السابق ، إنها تحترف الاقتراب من الناس ، تكسر الحواجز و تقلص المسافات بينهم و بين الكاميرا ، لا رغبة منها في الحصول على صورة رائعة ، لكنها تتأمل اﻷشخاص حولها ، لا كجزء من بيئتهم ، بل فقط كواحِدِين من البشر .
  في تجربتها الأخيرة " مسافات قريبة " تتبع نفس الأسلوب ، البساطة المطلقة ؛ حتى أنها تلتقط كل الصور بعدسة متوسطة البعد البؤري - ربما هي نفس العدسة لكل الصور - و كما يعرف الكثيرون هذه العدسة تنتج صوراً أقرب ما تكون لما تراه العين البشرية دون تحريف أو تحوير ، أيضاً الإضاءة في كل الصور إضاءة عامة منتشرة أعتقد أنها نفس الإضاءة الطبيعية التي وجدتها في المنازل التي التقطت مجموعتها فيها . بالإضافة للعدسة و الإضاءة جميع الصور التقطت على خلفية شبه خالية من التفاصيل إلا في أضيق الحدود .
  كل ذلك يجعل السيادة للبشر ، النسوة موضوع المجموعة
.. في كل صورة سيدتان تعيشان تحت سقفٍ واحد لكنهما تنتميان إلى عالمين مختلفين تماماً ، إحداهما سيدة المنزل ، ربته و ملكته ، و  الأخرى خادمتها ، تجلسان متجاورتين على نفس الأريكة التي اعتادت الأولى احتلالها و إصدار الأوامر " منجعصة " من أعلاها بينما دأبُ الأخيرة تنظيفها و توضيبها لمخدومتها دون أن تفكر يوماً في التمتع بالغوص في وثارتها ، أقصى ما تناله الأخيرة هو الجلوس على الأرض غير بعيدٍ لتجاذب أطراف الحديث مع السيدة في لحظات الصفا إن كان هناك صفاء في عملها هذا الذي تتقاضى لقاءه خمسة عشر دولاراً شهرياً و وجبتين في اليوم .
  تستطيع التفريق بين السيدة و خادمتها في كل الصور بسهولة ، عادة السيدة تشغل حيزاً أكبر حتى لو لم تكن أسمن من الخادمة لكنها تتمدد على الأريكة بثقة أكبر تجعلها تظهر أضخم ، أيضاً الخادمة عادة حافية و تبدو منكمشة خجولة ، بل ربما خائفة أيضاً . لكن رغم ذلك تجد شخصية السيدة منعكسة على خادمتها بشكلٍ واضح ؛ فالمتعجرفة تظهر خادمتها بائسةً ضعيفة ، و السيدة التي يظهر أنها ذات مكانة مجتمعية راقية ، خادمتها أيضاً أكثر ثقة في نفسها معتزة بذاتها و مقدرة في نفس الوقت لمخدومتها .
  أما السيدة " التختوخة ، الحبوبة ، الضاحكة " ستجد الفتاة الجالسة بجوارها تضحك و تداري ثغرها بخجلٍ  طفولي نقي حر و طبيعي حتى أنك تتساءل هل هي ابنتها الكبرى أم خادمتها .
  تجربة فوتوغرافية أصعب ما فيها إقناع كل من السيدة و الخادمة بالجلوس متجاورتين لالتقاط الصورة .
أتوقع أن المصورة جنتول ماوا عانت كثيراً حتى أكملت مجموعتها تلك ، لكنها استطاعت تقديم رؤية مختلفة عن علاقة السيدة بالخادمة في دول شبه القارة الهندية ، ربما كانت تقصد ذلك لتغيير الصورة السيئة التي تكونت في الغرب عن معاملة السيدة في تلك المنطقة لخادمتها خاصة بعد فضيحة الدبلوماسية الهندية التي أدينت في أمريكا لسوء معاملتها لخادمتها . بصرف النظر عن سبب تقديم هذه المجموعة من الصور لكنها قدمت صوراً شيقة لمن يجيد تأمل حيواتٍ تطل من أعين أشخاصٍ  يجلسون على أرائك تبعد عنه آلاف الكيلومترات و يتطلعون إليه كما يحملق في صورهم .

أنت مصور متخصص ، نسيك العالم .. متى تذكر نفسك

أنت مصور متخصص ، نسيك العالم .. متى تذكر نفسك

 عندما بدأنا العمل في التليفزيون ؛ وجدنا تقديراً كبيراً للمصور و دوره . كنا حديثي التخرج ، جميعنا في بدايات العشرينيات من العمر و مع ذلك لا يتردد مخرجون كبار في استشارتنا و تقديم آراءنا بل و تبجيل أعمالنا .
  عن نفسي كنت أشعر بالزهو حتى جاء يوم و كنت في مهمة تصوير خارجي . تقدم مني بواب المؤسسة التي كنا نصور فيها ، و بعشم كبير سألني : انتوا مش عاوزين مصورين في التليفزيون ؟
  لم أستغرب السؤال .
حينها كان التصوير هو المجال الوحيد في التليفزيون الذي يعاني نقص عدد العاملين فيه لأنه المجال التليفزيوني الوحيد الذي يتوجب على ممارسه ليس فقط الحصول على مؤهلٍ عالٍ ، لكن لابد أن يكون مؤهله متخصصاً ، قانون ممارسة المهنة يوجب أن يكون المصور التليفزيوني خريج كلية الفنون التطبيقية - قسم الفوتوغرافيا و السينما و التليفزيون - أو المعهد العالي للسينما - قسم تصوير ، بينما لا يعد التخصص شرطاً في معظم إن لم يكن كل المهن التليفزيونية الأخرى .
  سألت الرجل الطيب إن كان أحد أقاربه مصوراً لا يعرف كيف يلتحق بالتليفزيون و ما أسهل ذلك في تلك الأيام ففاجأني بأنه هو من يرغب في العمل و قال بكل حماس : أنا مصور كويس جداً أنا ياما صورت أفراح و أعياد ميلاد .
 حينها لم أفكر في شرح الأمر للرجل ، بدا لي الأمر غير ذي جدوى ، مهما حكيت له عن السنوات الخمس للدراسة الجامعية ، أو استقرار مهنة التصوير التليفزيوني في مصر منذ عقود عدة ، و كيف أنه بعد إنهاء الدراسة لابد له من الإلتحاق بالنقابة المهنية ثم يفكر بعد ذلك في العمل كمصور ، و كيف أن هنا في مصر مصورون حاصلون على الماجستير و الدكتوراة في هذا التخصص القديم في هذا البلد و الذي يدرَّس في أقدم أكاديمية تعليمية حديثة أنشأها محمد علي أول ما فكر في النهوض بالبلد ( كلية الفنون التطبيقية ) التي أنشئت في بدايات القرن التاسع عشر و ظلت الأكاديمية الوحيدة المختصة بتخريج المهندسين و الفنانين حتى بدايات القرن العشرين عندما أنشئت مدرسة المهندسخانة و مدرسة الفنون الجميلة .
 كل هذا التاريخ ، ما كان ليغير وجهة نظره عن التصوير التي كونها عبر رحلة حياته الطويلة .
  مر الأمر.. نسيته ، و بعد سنوات فوجئت ، لست وحدي ؛ بل و كل مصوري التليفزيون المصري بوزير إعلام نسينا في خطته المالية التي أُطلق عليها حينها " اللائحة " .
  لم نجد أنفسنا ضمن أي تصنيف للعاملين في التليفزيون ؛ فثُرنا ، و للحق تذكرَنا الرجلُ ، و كأني به يقول : آخ نعم . التليفزيون يعني صورة ، و الصورة تعني وجود شخص اسمه المصور .
  بالمناسبة ، يرى بعض الزملاء أن تسميتنا بالمصورين أصل البلاء ؛ فالمصور هو الله كيف لنا أن نعتدي على اسم من أسمائه الحسنى جل و علا.
  من يدري ، ربما كان معهم حق .
لكن على أي حال الوزير الفاضل تذكر المصور الفاضل ، و الفاضل الثانية غير الأولى في المعنى تماماً .
و عندما تذكَّرنا ، و أراد أن يصنفنا وجدوه يحدق فيمن حوله مشدوهاً ، و يتساءل متعجباً : أيه دة ، هو المصور مؤهل عالي ؟
- يا لهوي !!
لسان حال المصورين انعقد ؛ فآخر ما تصوروه أن وزيرهم لا يعرف شيئاً عنهم .
حينها ، تذكرت البواب الذي استكثرت أن أمضي بعض الوقت معه ، أشرح له كنه المصور و دوره ، و أصحح له مفاهيمه عن التصوير و المصورين . لو حاولنا نحن مصورو مصر المتخصصون الإفصاح عن ذواتنا و إعلان وجودنا للمجتمع دون أن نتكبر عليه تكبراً ألصق بنا النقائِصَ  و ألحق بنا العار و الصَغَـار ؛ أما كان ذلك ليغير ما آل إليه وضعنا .
  اليوم ننظر في سوق العمل التليفزيوني فنجده شائها . وضع المصور المتخصص فيه في أدنى قوائم الإعتبار ، نظراً لأننا انطوينا على أنفسنا سنيناً و انشغلنا بجمع المال و وفرة الأعمال حتى تقدَّمَنا في الصفوف آخرون غيرُ متخصصين لا نلومهم لأنهم أحبوا مجال التصوير و أخلصوا له و بحثوا فيه أكثر مما يفعل المتخصصون ، رغم علمهم أحياناً بأن ممارستهم للتصوير غير قانونية ، و أنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات تصل إلى السجن و التغريم هذا فضلاً عن الابتزاز الذي تمارسه عليهم جهات عملهم ؛ لكنهم استمروا في تطورهم و استكان المتخصصون لما ألفوا أنفسهم عليه من علم اكتسبوه بالدراسة و وقفوا عنده حتى تخطاهم و وصلنا إلى حالٍ نجد فيه زخْم السوق زخَماً يعبئه غير المتخصصين بملئهم فراغٍ تركناه قصداً أو سهوا . اليوم تجد مسابقات متخصصة يُحكِّم فيها هواةٌ ، و تجد دورات و حلقات دراسة حرة يحاضر فيها هواة ، و هواة يسعون لإنشاء نقابات مهنية تجعل من وجودهم أمراً واقعاً و قانونياً لتكتمل منظومة الهواة و يتوارى المصور المصري المتخصص في عزلته إلى الأبد ، المصور الذي رفض بالأمس الإنضمام إلى الجمعية المصرية للمصورين الأكاديميين لأنه يريد بناء مكتملاً يحقق له فائدة فورية دون أن يكلفه لا مجهوداً و لا مالاً و لا حتى يقتطع له القليل من وقته ، ثم مرة أخرى يتكاسل عن حضور انتخابات نقابته و اختيار ممثليه في مجلسها بل و التفاخر بذلك دون سبب واضح ، و بعد ذلك يشكي و يبكي لما آل إليه وضع مهنته .
  لكل الزملاء أقول لو لم تسعوا لمصلحة مهنتكم و تتكاتفوا في سبيل ذلك ، لا سبيل لتغيير حالكم .. الناس نسوكم ، فلتذكروا أنتم - على الأقل - أنفسكم .

أَمْنُ التليفزيُون



    فوجِئْتَ - أو لم تفاجأ - قرر أمنُ التليفزيون تفتيش أكياس الطعام ، قراطيس الطعمية و علب الكشري ماركة " أبو محمد " ، و ربما أيضا أرباع الكفتة و الطرب المستقدمة من " علي هوهو " الشهير بعلي عيد

  كل الطعام الذي يدخل التليفزيون سيتم تفتيشه ، لكن لماذا ؟
يا للعجب ؛ السبب هو حماية تراث التليفزيون ، نعم، تراث التليفزيون الذي تم تسريبه على مدار عقود مضت إلى القنوات و الوكالات و شركات الإنتاج، سيحميه قطاع أمن التليفزيون عن طريق التضييق على أقراص الطعمية و أصابع الكفتة المسربة إلى داخل التليفزيون
 
    إلى هنا ، لم ينتهِ الخبر
فقطاع الأمن يعلن أيضاً أن الفلاشات و الهاردات ، أي جميع وسائل تخزين و نقل المعلومات و الفيديو ممنوعة ، و طبعاً كما هو العرف في المؤسسات الحكومية العريقة في البيروقراطية ، ليس المنع مطلقاً فيمكن لمن يرغب من العاملين ، حرصاً على سير العمل ، تمرير فلاشةٍ بعد الحصول على تصديقٍ على طلب منه للإدارة التي ينتمي إليها و التي سترسل طلبه بعد إعتماده إلى قطاع الأمن ليصدِّق عليه و يسمح له باصطحاب ما يرغب من وسائط التخزين ، اﻷمر بهذه البساطة إذا؟
 
  لكن عفوا ، من يملك الخبرة في جهاز حكومي يدرك طبعاً أن انتقال الملفات عبر اﻹدارات ليس بهذه البساطة ؛ فالإدارة اﻷولى ستنقل الطلب بين مدير مباشر إلى مدير أو مديرين أعلى ، الذين سيوجهونه بدورهم إلى إدارة عامة ، تدفعه إلى إدارة مركزية تأخذه إلى رئيس قطاع يصدق و يعيد توجيهه إلى رئيس قطاع اﻷمن الذي سيوافق و يرسله ، إلى اﻹدارة المركزية المختصة ، فرضا اﻹدارة المركزية ﻷمن الفلاشات و الهاردات ، و المصيبة أن يكون لكل منهما إدارة مركزية منفصلة فيرسل نسخة من الطلب إلى كل منهما تقوم هي اﻷخرى بالموافقة و تعميم صورة من الطلب - يعني نشره - إلى كل إدارة تابعة ، لتخبرهم أن فلاناً الموظف في هذا الجهاز العظيم العريق ، مسموح له بتمرير فلاشة تحمل بعض اللقطات أو الصور المهمة التي يجب إذاعتها على وجه السرعة ، و كل ذلك لضمان سير العمل على أكمل وجه
  طبعاً معروف أنه بنهاية هذه الدورة ، سيكون مقدِّمُ الطلب إما استغنى عن المادة الموجودة على الفلاشة أو باع الفلاشة نفسها ، أو انتهى به الحال لتوقيع عقد عمل مع قناة خاصة أو وكالة عربية أو أجنبية ، أو هاجر إلى أي دولة للعمل بها و استغنى عن التليفزيون نفسه و البلد برُمَّتِها
  نهاية ، لا بد للعاملين بأمن التليفزيون من معرفة طبيعة الجهاز الذي يؤمِّنونه ، و إدراك أن الحرية في تداول المعلومات و نقلها بكل الوسائل الممكنة ، هي أساس العمل فيه بدونها لا تعود للتليفزيون أي فائدة ترجى
  يجب على المسئولين أيضاً ، إدراك أن الحفاظ على تراث التليفزيون ليس مهمتهم و لا يستطيعون أصلاً القيام به ، إنما هي مهمة الجهاز القانوني الضخم - الموجود فعلاً - مع اﻷقسام المختصة بمتابعة القنوات التليفزيونية ، و دورهم الحقيقي في ملاحقة القنوات و الشركات التي تستغل المواد و البث التلفزيوني المملوك للتليفزيون المصري دون الحصول على إذن باستخدامه
اﻷمر كذلك إذا ، أما أسلوب تضييق الخُنَّاق و الإمساك بتلابيب كل من يفكر من العاملين في القيام بعمله كما يجب و بما يُحتِّمه عليه ضميرُه ، عمله كما يمارسه في القطاع الخاص و القنوات اﻷجنبية ، أبشركم أن هذا الأسلوب لن يؤدي إلا إلى المزيد من التردي و رحيل الكفاءات و هجرتها إلى حيث تجد الفهم و المهنية و الحرية



الدبة تقتل صاحبها دائماً


  قبل سنواتٍ ثلاث و تحديداً يوم 28 يناير كان صوت مذيع الهواء المختفي داخل أحد ستوديوهات ماسبيرو يخاطب الناس في بيوتهم الدافئة عن حال البلد المستقر و أن لا صحة لما يشاع عن حرائق بمؤسسات عامة ، في نفس اللحظة كانت شاشة التليفزيون المصري تنقل على الهواء صورة لمبنى الحزب الوطني المركزي و مبنى المجالس القومية المتخصصة و النار تأكلهما ، و لا تُنسى أبداً حركة ( الزووم ) التي قام بها مصور مجهول على إعلان ضخم فوق مبنى  الحزب يقول : علشان تطمن على مستقبل ولادك . و كان الدخان يتصاعد في الخلفية .. هذا التتابع فهمه معظم الناس : سقط النظام ، سقط رغم أن صوت المذيع كان يبذل جهده محاولاً إقناع الناس بالعكس ، إقناع الناس بما لا يستطيع هو نفسه تصديقه لأن الصورة التي ينقلها زملاؤه أنفسهم منفصلة تماما عن ما يقول

      مرت السنوات ، بحلوها و مرٍّها ، بآمال حملتها و إخفاقاتٍ حققناها ، و لا يريد الإعلام المصري أن يتعلم . يصر دائماً على لعب دور الدبة التي تقتل صاحبها فقط لتهش ذبابة عن وجهه

   قبل أيام قلائل ، حدث ما يذكره الجميع من تنحية الفريق السيسي من ترشيحات مجلة التايم الأمريكية لشخصية العام ، و السبب كان هو الحشد الذي قامت به قنواتنا الإعلامية المكتوبة و المسموعة و المرئية  من خلال مواقعها الإلكترونية لحث و توجيه الأصوات من الجمهور المصري الذي غالباً لا يقرأ المجلة أو حتى يهتم بها ليرفع ترتيب الفريق من موقعه المتأخر فيحتل مكانة المغنية المثيرة للجدل – و أشياء أخرى – مايلي سايرس

   فغر الإعلاميون المصريون أفواههم

   عكفوا على تحليل الموقف من خلال نظرية المؤامرة محاولين التنصل من مسئوليتهم ، محاولين تجاهل الحقيقة أو مغافلة البسطاء الذين لا يعرفون أن ما حدث هو نوع من التزوير ، لعب غير شريف في النتائج ، سرقة بينة لأصوات المهتمين لصالح الجهلاء و المتعصبين

   ما علينا ، ليست تلك مشكلة عويصة ، في النهاية وجد الحق من يعيده لأصحابه و غادر المزورون مجللين بالعار ، طبعاً حدث ذلك لأن المجلة أمريكية ، و المتابعين من ثقافة رحمها الله من شوائب ثقافتنا الشائهة

   لكن الآن ، مرة أخرى ، نجد أنفسنا أمام تصويت من المفترض أن يؤثر في مستقبل أبنائنا لعقودٍ قادمة ، و كنا نعتقد أن الإعلام المصري الرسمي و شبه الرسمي ( طبعاً يعرف الجميع الآن أن لا إعلام مستقل في مصر ) تعلم الدرس ، و سيحرص أن تكون نتيجة التصويت نزيهة أو على الأقل تبدو كذلك ؛ لكن للأسف ليس هنا أو هناك من يتعلم من أخطائه ، مرة ثانية و ثالثة يحشد الحاشدون ليس فقط للتصويت لكن تحديداً للتصويت بنعم ، و هو ما يعد تزويراً للاستفتاء قبل أن يبدأ ، يحاولون إقناع الناس أن الذهاب للاستفتاء واجب قومي ، و أن التصويت بنعم جهاد في سبيل الوطن و ليس مجرد تعبير عن الرأي في مواد دستور كتبه بعض المواطنين و يحتاج اعتماد باقي الشعب ليصبح سيفاً على رقاب الجميع ، لا يؤذي من يسايره و يجتث رأس المخالف

   أليس ذلك نفسه ما قيل إنه سبب الخروج على الدستور الموقوف العمل به ، الدستور الذي استفتي عليه قبل شهور ، و قيل إن إيهام البسطاء أن إقراره جهاد في سبيل الله ، كان ذلك سبب سقوطه لأن إرادة الناخب زورت

  الآن نصرُّ مرة أخرى على لعب نفس الدور لإنجاز استفتاء مزور سيجد غالباً من يخرج عليه بعد أيام أو شهور ، و تظل بلدنا المسكين و مواطنونا الفقراء يعتصرهم  حالهم و يتخبطون بين النخب ممن يتبادلون المناصب و السجون ، و يلعبون لعبة الكراسي الموسيقية أمام شاشات الفضائيات التي أصبحت لعبة – كما يقول أهلنا في الصعيد – ماسخة 



إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله