بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، يونيو 16، 2014

عيد الأب بعين مصورة مغتربة

عيد الأب بعين مصورة مغتربة



قصة الصورة : المصورة ، و هي البنت الصغيرة في الصورة ، أخذتها أمها و سافرت إلى أميركا من روسيا هاربة من الأزمات التي حلت على بلدهم بعد تفتت الإتحاد السوفيتي ، تاركة زوجها ، والد الصغيرة ، و مستقرة في كاليفورنيا . 
مرت السنوات و تقاذفتها ويلات الحياة و كانت الطفلة تحس فقد أبيها ، و الأم لا تعرف كيف تزيل عنها ما رسخ في ذهنها من ذكريات قليلة للأب يلاعبها و يداعبها .. يراقصها و يضحك معها ؛ فما كان من الأم إلا أن لجأت لحيلة قص صورة الأب من كل صورهم ، لكنها لم تحسب في ذهنها قاعدة كنا ندرسها و يدرسها طلبة الفنون حتى الآن : " التفاصيل التي لا تدركها العين يكملهاالعقل" . هذا ما حدث بالفعل .. عاشت الصغيرة و كبرت مع ذكرياتها و صوها القديمة مخلقة في ذهنها صورة مثالية لأب مفقود ، شكلته بمزاجها ، حرفته و طورته بما يوافق نموها و يرافق تحور جسدها و تبصر عقلها و مراوغة ذاكرتها ، حتى مرت اﻷعوام ، اثنتي عشرة سنة تفتش عن مفقودها ، و تخيب إخفاقا بعد إخفاق ، حتى جاء اليوم .. دون مقدمات وجدت أباها الذي ما فتئ يبحث عنها .. اللهفة حديث و الواقع أصم و جدت رجلا بعد خمس عشرة سنة ، لكنه لم يكن أباها ، أبوها الذي التصق بفراغات الصور كان حالة أخرى مختلفة تماما عما أقره الواقع لها . الرجل العجوز الواقف ببابهم لم يكن الأب الشاب الذي ظل يراقصها في لحظات الفرح و يربت كتفها كلما أخفقت ثم يعود ليستريح في فراغات الصور المخبأة داخل رأسها متوارية عن مقص الأم الصارمة التي لا تؤمن بالخيال. بعد سنوات الاغتراب المرة وصلت محطتها الأخيرة فوجدت أبا لا تستطيع التواصل معه حتى لغته غير لغتها.

هذه الصورة كانت تعبيرا عن سنواتها التي لا تستطيع الحكم فيها هل ضاعت بحثا عن حلمها ، أم مرت كما يمر كل شيء .

الجمعة، يونيو 13، 2014

أن يكون البعد قريباً تجربة فوتوغرافية تستحق التأمل


 أن يكون البعد قريباً
تجربة فوتوغرافية تستحق التأمل

كنا نغضب - كمصورين - عندما يُثني البعض على عملنا بالقول : تسلم يدك ، أو تسلم عينك .
كنا نحزن و يصيبنا الحنق ﻷننا ندرك سرَّ المصوِّر و هو ليس في يدِه ، و ليست عينُه أداتَه ؛ إنَّما هو العقل . المصور عقل عملية التصوير ، لا مجرد عيٍن ترى أو يدٍ تتحرك
و ﻷنّ المصور عقلٌ ، نحاول أحياناً أن نترك انبهار اﻷعين ، و لا نعير اﻷلعابَ الفوتوغرافية أو الحرفَنة البصرية كل اهتمامنا ، أحيانا نحب تجربة فوتوغرافية لا تقدم تميزاً تشكيليا في اﻹضاءة أو زاوية التصوير ، أو لحظة التقاط الصورة ، نحبها رغم أنها لا تعرض ما يرضي ذائقة متلقٍ واعٍ أو مصورٍ متخصص ،  هذا ما وجدناه في أعمال المصورة البنغالية جنتول ماوا التي لم تفتش عن إبهار بصري ، و لم تترقب لحظات قمة لصراع في حياة اﻷشخاص موضوع صورها ؛ كما نتوقع من مصور محترف ، لكنها بدلا من ذلك تختار تصوير اﻷشخاص في لحظات ثبات أو شبه ثبات بعيدا عن ما يميز حيواتهم و يجعلهم مختلفين عن غيرهم ، فعلت ذلك و هي تتناول حياة فتيات فقيرات تحترفن بيع أجسادهن . موضوع يمكن أن نتصور كيف سيطرحه مصور غربي مثلا بالتركيز على فكرة تجارتهن المنبوذة في معظم الثقافات ، ربما يتعاطف معهن ، مع بؤسهن و ضعفهن و فقرهن ، أو على نقيض ذلك يظهر امتعاضه واستياءه و تعاليه على قبولهن ممارسة مهنة كتلك . جنتول ماوا ( أو جنة المأوى ) على خلاف ذلك تضحي بكل ما يحويه الموضوع من إثارة و تقرر أن تصور فتياتها أمام بيوتهن التي لا تزيد عن كونها مجرد بيوت فقيرة ، لا تظهر أي إشارة للمهنة المشينة التي تمتهنها .. و الفتيات أنفسهن كأي فتيات في مثل أعمارهن تظهرن بملابس محلية عادية تخفين وجوههن عن الكاميرا بحياءٍ غير مصطنع لا يخفي سعادتهن بالتصوير ، و المصورة لا تحاول تحريكهن بأوامر منها بما يؤكد أنها لا ترغب في المتاجرة بآلامهن ، كل ما في اﻷمر أنها تبحث عن لحظات استراحتهن من همهن اليومي ، اللحظات التي تُغمِدْن فيها تفاصيل حيواتهن و تبقيْن فيها دون صفة غير إنسانيتهن .
http://mawaspace.files.wordpress.com/2013/02/mg_9676-copy1.jpg
  أسلوب جنتول ماوا لا يبدو مقصوداً ، إذا تتبعنا مراحل حياتها المهنية ، في الواقع كانت بدايتها بالعمل في مجال حقوق الإنسان ، ثم كان توجُّهها لدراسة التصوير لمساعدتها في التوثيق للقضايا التي تتناولها . هذه الخلفية العملية تظهر بوضوح لماذا لا تشغل بالها كثيرا بتفاصيل فوتوغرافية ربما لا تعرف عنها الكثير ، لكنها تعوض ذلك بخاصةٍ تدرك أنها تجيدها و تتميز بها اكتسبتها من نشاطها العام و عملها السابق ، إنها تحترف الاقتراب من الناس ، تكسر الحواجز و تقلص المسافات بينهم و بين الكاميرا ، لا رغبة منها في الحصول على صورة رائعة ، لكنها تتأمل اﻷشخاص حولها ، لا كجزء من بيئتهم ، بل فقط كواحِدِين من البشر .
  في تجربتها الأخيرة " مسافات قريبة " تتبع نفس الأسلوب ، البساطة المطلقة ؛ حتى أنها تلتقط كل الصور بعدسة متوسطة البعد البؤري - ربما هي نفس العدسة لكل الصور - و كما يعرف الكثيرون هذه العدسة تنتج صوراً أقرب ما تكون لما تراه العين البشرية دون تحريف أو تحوير ، أيضاً الإضاءة في كل الصور إضاءة عامة منتشرة أعتقد أنها نفس الإضاءة الطبيعية التي وجدتها في المنازل التي التقطت مجموعتها فيها . بالإضافة للعدسة و الإضاءة جميع الصور التقطت على خلفية شبه خالية من التفاصيل إلا في أضيق الحدود .
  كل ذلك يجعل السيادة للبشر ، النسوة موضوع المجموعة
.. في كل صورة سيدتان تعيشان تحت سقفٍ واحد لكنهما تنتميان إلى عالمين مختلفين تماماً ، إحداهما سيدة المنزل ، ربته و ملكته ، و  الأخرى خادمتها ، تجلسان متجاورتين على نفس الأريكة التي اعتادت الأولى احتلالها و إصدار الأوامر " منجعصة " من أعلاها بينما دأبُ الأخيرة تنظيفها و توضيبها لمخدومتها دون أن تفكر يوماً في التمتع بالغوص في وثارتها ، أقصى ما تناله الأخيرة هو الجلوس على الأرض غير بعيدٍ لتجاذب أطراف الحديث مع السيدة في لحظات الصفا إن كان هناك صفاء في عملها هذا الذي تتقاضى لقاءه خمسة عشر دولاراً شهرياً و وجبتين في اليوم .
  تستطيع التفريق بين السيدة و خادمتها في كل الصور بسهولة ، عادة السيدة تشغل حيزاً أكبر حتى لو لم تكن أسمن من الخادمة لكنها تتمدد على الأريكة بثقة أكبر تجعلها تظهر أضخم ، أيضاً الخادمة عادة حافية و تبدو منكمشة خجولة ، بل ربما خائفة أيضاً . لكن رغم ذلك تجد شخصية السيدة منعكسة على خادمتها بشكلٍ واضح ؛ فالمتعجرفة تظهر خادمتها بائسةً ضعيفة ، و السيدة التي يظهر أنها ذات مكانة مجتمعية راقية ، خادمتها أيضاً أكثر ثقة في نفسها معتزة بذاتها و مقدرة في نفس الوقت لمخدومتها .
  أما السيدة " التختوخة ، الحبوبة ، الضاحكة " ستجد الفتاة الجالسة بجوارها تضحك و تداري ثغرها بخجلٍ  طفولي نقي حر و طبيعي حتى أنك تتساءل هل هي ابنتها الكبرى أم خادمتها .
  تجربة فوتوغرافية أصعب ما فيها إقناع كل من السيدة و الخادمة بالجلوس متجاورتين لالتقاط الصورة .
أتوقع أن المصورة جنتول ماوا عانت كثيراً حتى أكملت مجموعتها تلك ، لكنها استطاعت تقديم رؤية مختلفة عن علاقة السيدة بالخادمة في دول شبه القارة الهندية ، ربما كانت تقصد ذلك لتغيير الصورة السيئة التي تكونت في الغرب عن معاملة السيدة في تلك المنطقة لخادمتها خاصة بعد فضيحة الدبلوماسية الهندية التي أدينت في أمريكا لسوء معاملتها لخادمتها . بصرف النظر عن سبب تقديم هذه المجموعة من الصور لكنها قدمت صوراً شيقة لمن يجيد تأمل حيواتٍ تطل من أعين أشخاصٍ  يجلسون على أرائك تبعد عنه آلاف الكيلومترات و يتطلعون إليه كما يحملق في صورهم .

أنت مصور متخصص ، نسيك العالم .. متى تذكر نفسك

أنت مصور متخصص ، نسيك العالم .. متى تذكر نفسك

 عندما بدأنا العمل في التليفزيون ؛ وجدنا تقديراً كبيراً للمصور و دوره . كنا حديثي التخرج ، جميعنا في بدايات العشرينيات من العمر و مع ذلك لا يتردد مخرجون كبار في استشارتنا و تقديم آراءنا بل و تبجيل أعمالنا .
  عن نفسي كنت أشعر بالزهو حتى جاء يوم و كنت في مهمة تصوير خارجي . تقدم مني بواب المؤسسة التي كنا نصور فيها ، و بعشم كبير سألني : انتوا مش عاوزين مصورين في التليفزيون ؟
  لم أستغرب السؤال .
حينها كان التصوير هو المجال الوحيد في التليفزيون الذي يعاني نقص عدد العاملين فيه لأنه المجال التليفزيوني الوحيد الذي يتوجب على ممارسه ليس فقط الحصول على مؤهلٍ عالٍ ، لكن لابد أن يكون مؤهله متخصصاً ، قانون ممارسة المهنة يوجب أن يكون المصور التليفزيوني خريج كلية الفنون التطبيقية - قسم الفوتوغرافيا و السينما و التليفزيون - أو المعهد العالي للسينما - قسم تصوير ، بينما لا يعد التخصص شرطاً في معظم إن لم يكن كل المهن التليفزيونية الأخرى .
  سألت الرجل الطيب إن كان أحد أقاربه مصوراً لا يعرف كيف يلتحق بالتليفزيون و ما أسهل ذلك في تلك الأيام ففاجأني بأنه هو من يرغب في العمل و قال بكل حماس : أنا مصور كويس جداً أنا ياما صورت أفراح و أعياد ميلاد .
 حينها لم أفكر في شرح الأمر للرجل ، بدا لي الأمر غير ذي جدوى ، مهما حكيت له عن السنوات الخمس للدراسة الجامعية ، أو استقرار مهنة التصوير التليفزيوني في مصر منذ عقود عدة ، و كيف أنه بعد إنهاء الدراسة لابد له من الإلتحاق بالنقابة المهنية ثم يفكر بعد ذلك في العمل كمصور ، و كيف أن هنا في مصر مصورون حاصلون على الماجستير و الدكتوراة في هذا التخصص القديم في هذا البلد و الذي يدرَّس في أقدم أكاديمية تعليمية حديثة أنشأها محمد علي أول ما فكر في النهوض بالبلد ( كلية الفنون التطبيقية ) التي أنشئت في بدايات القرن التاسع عشر و ظلت الأكاديمية الوحيدة المختصة بتخريج المهندسين و الفنانين حتى بدايات القرن العشرين عندما أنشئت مدرسة المهندسخانة و مدرسة الفنون الجميلة .
 كل هذا التاريخ ، ما كان ليغير وجهة نظره عن التصوير التي كونها عبر رحلة حياته الطويلة .
  مر الأمر.. نسيته ، و بعد سنوات فوجئت ، لست وحدي ؛ بل و كل مصوري التليفزيون المصري بوزير إعلام نسينا في خطته المالية التي أُطلق عليها حينها " اللائحة " .
  لم نجد أنفسنا ضمن أي تصنيف للعاملين في التليفزيون ؛ فثُرنا ، و للحق تذكرَنا الرجلُ ، و كأني به يقول : آخ نعم . التليفزيون يعني صورة ، و الصورة تعني وجود شخص اسمه المصور .
  بالمناسبة ، يرى بعض الزملاء أن تسميتنا بالمصورين أصل البلاء ؛ فالمصور هو الله كيف لنا أن نعتدي على اسم من أسمائه الحسنى جل و علا.
  من يدري ، ربما كان معهم حق .
لكن على أي حال الوزير الفاضل تذكر المصور الفاضل ، و الفاضل الثانية غير الأولى في المعنى تماماً .
و عندما تذكَّرنا ، و أراد أن يصنفنا وجدوه يحدق فيمن حوله مشدوهاً ، و يتساءل متعجباً : أيه دة ، هو المصور مؤهل عالي ؟
- يا لهوي !!
لسان حال المصورين انعقد ؛ فآخر ما تصوروه أن وزيرهم لا يعرف شيئاً عنهم .
حينها ، تذكرت البواب الذي استكثرت أن أمضي بعض الوقت معه ، أشرح له كنه المصور و دوره ، و أصحح له مفاهيمه عن التصوير و المصورين . لو حاولنا نحن مصورو مصر المتخصصون الإفصاح عن ذواتنا و إعلان وجودنا للمجتمع دون أن نتكبر عليه تكبراً ألصق بنا النقائِصَ  و ألحق بنا العار و الصَغَـار ؛ أما كان ذلك ليغير ما آل إليه وضعنا .
  اليوم ننظر في سوق العمل التليفزيوني فنجده شائها . وضع المصور المتخصص فيه في أدنى قوائم الإعتبار ، نظراً لأننا انطوينا على أنفسنا سنيناً و انشغلنا بجمع المال و وفرة الأعمال حتى تقدَّمَنا في الصفوف آخرون غيرُ متخصصين لا نلومهم لأنهم أحبوا مجال التصوير و أخلصوا له و بحثوا فيه أكثر مما يفعل المتخصصون ، رغم علمهم أحياناً بأن ممارستهم للتصوير غير قانونية ، و أنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات تصل إلى السجن و التغريم هذا فضلاً عن الابتزاز الذي تمارسه عليهم جهات عملهم ؛ لكنهم استمروا في تطورهم و استكان المتخصصون لما ألفوا أنفسهم عليه من علم اكتسبوه بالدراسة و وقفوا عنده حتى تخطاهم و وصلنا إلى حالٍ نجد فيه زخْم السوق زخَماً يعبئه غير المتخصصين بملئهم فراغٍ تركناه قصداً أو سهوا . اليوم تجد مسابقات متخصصة يُحكِّم فيها هواةٌ ، و تجد دورات و حلقات دراسة حرة يحاضر فيها هواة ، و هواة يسعون لإنشاء نقابات مهنية تجعل من وجودهم أمراً واقعاً و قانونياً لتكتمل منظومة الهواة و يتوارى المصور المصري المتخصص في عزلته إلى الأبد ، المصور الذي رفض بالأمس الإنضمام إلى الجمعية المصرية للمصورين الأكاديميين لأنه يريد بناء مكتملاً يحقق له فائدة فورية دون أن يكلفه لا مجهوداً و لا مالاً و لا حتى يقتطع له القليل من وقته ، ثم مرة أخرى يتكاسل عن حضور انتخابات نقابته و اختيار ممثليه في مجلسها بل و التفاخر بذلك دون سبب واضح ، و بعد ذلك يشكي و يبكي لما آل إليه وضع مهنته .
  لكل الزملاء أقول لو لم تسعوا لمصلحة مهنتكم و تتكاتفوا في سبيل ذلك ، لا سبيل لتغيير حالكم .. الناس نسوكم ، فلتذكروا أنتم - على الأقل - أنفسكم .

أَمْنُ التليفزيُون



    فوجِئْتَ - أو لم تفاجأ - قرر أمنُ التليفزيون تفتيش أكياس الطعام ، قراطيس الطعمية و علب الكشري ماركة " أبو محمد " ، و ربما أيضا أرباع الكفتة و الطرب المستقدمة من " علي هوهو " الشهير بعلي عيد

  كل الطعام الذي يدخل التليفزيون سيتم تفتيشه ، لكن لماذا ؟
يا للعجب ؛ السبب هو حماية تراث التليفزيون ، نعم، تراث التليفزيون الذي تم تسريبه على مدار عقود مضت إلى القنوات و الوكالات و شركات الإنتاج، سيحميه قطاع أمن التليفزيون عن طريق التضييق على أقراص الطعمية و أصابع الكفتة المسربة إلى داخل التليفزيون
 
    إلى هنا ، لم ينتهِ الخبر
فقطاع الأمن يعلن أيضاً أن الفلاشات و الهاردات ، أي جميع وسائل تخزين و نقل المعلومات و الفيديو ممنوعة ، و طبعاً كما هو العرف في المؤسسات الحكومية العريقة في البيروقراطية ، ليس المنع مطلقاً فيمكن لمن يرغب من العاملين ، حرصاً على سير العمل ، تمرير فلاشةٍ بعد الحصول على تصديقٍ على طلب منه للإدارة التي ينتمي إليها و التي سترسل طلبه بعد إعتماده إلى قطاع الأمن ليصدِّق عليه و يسمح له باصطحاب ما يرغب من وسائط التخزين ، اﻷمر بهذه البساطة إذا؟
 
  لكن عفوا ، من يملك الخبرة في جهاز حكومي يدرك طبعاً أن انتقال الملفات عبر اﻹدارات ليس بهذه البساطة ؛ فالإدارة اﻷولى ستنقل الطلب بين مدير مباشر إلى مدير أو مديرين أعلى ، الذين سيوجهونه بدورهم إلى إدارة عامة ، تدفعه إلى إدارة مركزية تأخذه إلى رئيس قطاع يصدق و يعيد توجيهه إلى رئيس قطاع اﻷمن الذي سيوافق و يرسله ، إلى اﻹدارة المركزية المختصة ، فرضا اﻹدارة المركزية ﻷمن الفلاشات و الهاردات ، و المصيبة أن يكون لكل منهما إدارة مركزية منفصلة فيرسل نسخة من الطلب إلى كل منهما تقوم هي اﻷخرى بالموافقة و تعميم صورة من الطلب - يعني نشره - إلى كل إدارة تابعة ، لتخبرهم أن فلاناً الموظف في هذا الجهاز العظيم العريق ، مسموح له بتمرير فلاشة تحمل بعض اللقطات أو الصور المهمة التي يجب إذاعتها على وجه السرعة ، و كل ذلك لضمان سير العمل على أكمل وجه
  طبعاً معروف أنه بنهاية هذه الدورة ، سيكون مقدِّمُ الطلب إما استغنى عن المادة الموجودة على الفلاشة أو باع الفلاشة نفسها ، أو انتهى به الحال لتوقيع عقد عمل مع قناة خاصة أو وكالة عربية أو أجنبية ، أو هاجر إلى أي دولة للعمل بها و استغنى عن التليفزيون نفسه و البلد برُمَّتِها
  نهاية ، لا بد للعاملين بأمن التليفزيون من معرفة طبيعة الجهاز الذي يؤمِّنونه ، و إدراك أن الحرية في تداول المعلومات و نقلها بكل الوسائل الممكنة ، هي أساس العمل فيه بدونها لا تعود للتليفزيون أي فائدة ترجى
  يجب على المسئولين أيضاً ، إدراك أن الحفاظ على تراث التليفزيون ليس مهمتهم و لا يستطيعون أصلاً القيام به ، إنما هي مهمة الجهاز القانوني الضخم - الموجود فعلاً - مع اﻷقسام المختصة بمتابعة القنوات التليفزيونية ، و دورهم الحقيقي في ملاحقة القنوات و الشركات التي تستغل المواد و البث التلفزيوني المملوك للتليفزيون المصري دون الحصول على إذن باستخدامه
اﻷمر كذلك إذا ، أما أسلوب تضييق الخُنَّاق و الإمساك بتلابيب كل من يفكر من العاملين في القيام بعمله كما يجب و بما يُحتِّمه عليه ضميرُه ، عمله كما يمارسه في القطاع الخاص و القنوات اﻷجنبية ، أبشركم أن هذا الأسلوب لن يؤدي إلا إلى المزيد من التردي و رحيل الكفاءات و هجرتها إلى حيث تجد الفهم و المهنية و الحرية



الدبة تقتل صاحبها دائماً


  قبل سنواتٍ ثلاث و تحديداً يوم 28 يناير كان صوت مذيع الهواء المختفي داخل أحد ستوديوهات ماسبيرو يخاطب الناس في بيوتهم الدافئة عن حال البلد المستقر و أن لا صحة لما يشاع عن حرائق بمؤسسات عامة ، في نفس اللحظة كانت شاشة التليفزيون المصري تنقل على الهواء صورة لمبنى الحزب الوطني المركزي و مبنى المجالس القومية المتخصصة و النار تأكلهما ، و لا تُنسى أبداً حركة ( الزووم ) التي قام بها مصور مجهول على إعلان ضخم فوق مبنى  الحزب يقول : علشان تطمن على مستقبل ولادك . و كان الدخان يتصاعد في الخلفية .. هذا التتابع فهمه معظم الناس : سقط النظام ، سقط رغم أن صوت المذيع كان يبذل جهده محاولاً إقناع الناس بالعكس ، إقناع الناس بما لا يستطيع هو نفسه تصديقه لأن الصورة التي ينقلها زملاؤه أنفسهم منفصلة تماما عن ما يقول

      مرت السنوات ، بحلوها و مرٍّها ، بآمال حملتها و إخفاقاتٍ حققناها ، و لا يريد الإعلام المصري أن يتعلم . يصر دائماً على لعب دور الدبة التي تقتل صاحبها فقط لتهش ذبابة عن وجهه

   قبل أيام قلائل ، حدث ما يذكره الجميع من تنحية الفريق السيسي من ترشيحات مجلة التايم الأمريكية لشخصية العام ، و السبب كان هو الحشد الذي قامت به قنواتنا الإعلامية المكتوبة و المسموعة و المرئية  من خلال مواقعها الإلكترونية لحث و توجيه الأصوات من الجمهور المصري الذي غالباً لا يقرأ المجلة أو حتى يهتم بها ليرفع ترتيب الفريق من موقعه المتأخر فيحتل مكانة المغنية المثيرة للجدل – و أشياء أخرى – مايلي سايرس

   فغر الإعلاميون المصريون أفواههم

   عكفوا على تحليل الموقف من خلال نظرية المؤامرة محاولين التنصل من مسئوليتهم ، محاولين تجاهل الحقيقة أو مغافلة البسطاء الذين لا يعرفون أن ما حدث هو نوع من التزوير ، لعب غير شريف في النتائج ، سرقة بينة لأصوات المهتمين لصالح الجهلاء و المتعصبين

   ما علينا ، ليست تلك مشكلة عويصة ، في النهاية وجد الحق من يعيده لأصحابه و غادر المزورون مجللين بالعار ، طبعاً حدث ذلك لأن المجلة أمريكية ، و المتابعين من ثقافة رحمها الله من شوائب ثقافتنا الشائهة

   لكن الآن ، مرة أخرى ، نجد أنفسنا أمام تصويت من المفترض أن يؤثر في مستقبل أبنائنا لعقودٍ قادمة ، و كنا نعتقد أن الإعلام المصري الرسمي و شبه الرسمي ( طبعاً يعرف الجميع الآن أن لا إعلام مستقل في مصر ) تعلم الدرس ، و سيحرص أن تكون نتيجة التصويت نزيهة أو على الأقل تبدو كذلك ؛ لكن للأسف ليس هنا أو هناك من يتعلم من أخطائه ، مرة ثانية و ثالثة يحشد الحاشدون ليس فقط للتصويت لكن تحديداً للتصويت بنعم ، و هو ما يعد تزويراً للاستفتاء قبل أن يبدأ ، يحاولون إقناع الناس أن الذهاب للاستفتاء واجب قومي ، و أن التصويت بنعم جهاد في سبيل الوطن و ليس مجرد تعبير عن الرأي في مواد دستور كتبه بعض المواطنين و يحتاج اعتماد باقي الشعب ليصبح سيفاً على رقاب الجميع ، لا يؤذي من يسايره و يجتث رأس المخالف

   أليس ذلك نفسه ما قيل إنه سبب الخروج على الدستور الموقوف العمل به ، الدستور الذي استفتي عليه قبل شهور ، و قيل إن إيهام البسطاء أن إقراره جهاد في سبيل الله ، كان ذلك سبب سقوطه لأن إرادة الناخب زورت

  الآن نصرُّ مرة أخرى على لعب نفس الدور لإنجاز استفتاء مزور سيجد غالباً من يخرج عليه بعد أيام أو شهور ، و تظل بلدنا المسكين و مواطنونا الفقراء يعتصرهم  حالهم و يتخبطون بين النخب ممن يتبادلون المناصب و السجون ، و يلعبون لعبة الكراسي الموسيقية أمام شاشات الفضائيات التي أصبحت لعبة – كما يقول أهلنا في الصعيد – ماسخة 



إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله