بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، يوليو 13، 2014

التصوير .. عندما أصبح جريمة


 في الماضي ، كنتَ تغضب جداً - كمصورٍ - عندما يأتيك عسكري و يعكر صفو المشاهد الجميلة التي تلتقطها بكاميرتك ؛ فيقول لك بلهجةٍ مهتزة لكنها مُلِحَّة :
- كلم الضابط.
 كنت تذهب منصاعاً إلى الشاب الصغير المزيا برداء رسمي و يجلس في قلب الظل تحت شجرة أو عند مدخل عمارة ، يهش ذباب الحر عن وجهه الحليق و يتطلع إليك بعينين شبه مغلقتين كمن صفعه ضوء الشمس و هو لتوه استيقظ من النوم.
يسألك و كأنه لا ينتظر إجابة :
 - التصوير دة بخصوص إيه يا حضرت ؟
 لا تجيبه ، ليس كبراً منك ؛ لكن لأن السؤال لا معنى له . لماذا يكون التصوير بخصوص شيءٍ ما . التصوير في حد ذاته هدف ٌ خاصة بالنسبة لشخصٍ قضى خمس سنواتٍ من عمره يدرس في كلية متخصصة ليصبح مصوراً ، ليصبح ذلك الشخص الكفؤ لحمل كاميرا و النزول إلى الشارع و تسجيل حيوات الناس و لهفة هرولتهم في شوارع متبرجة بزي التفرُّد .
 - انت مش عارف إن التصوير ممنوع إلا بتصريح ؟
- تصريح من مَن ؟!
 طبعاً تدعي العبط ؛ فأنت مدركٌ تماماً أنه ليس تصريحاً واحداً بل تصاريح عديدة : الداخلية و الأوقاف و السياحة و الإعلام و غيرها ، كأنك بحاجة للمرور على كل موظفي الحكومة قبل أن تحمل كاميرا و تقف في ميدان عام لتصور بعض الصبية يلهون في ماء نافورة .
 أذكر منتجة تليفزيونية أجنبية قالت لي مرة
 - صورت في معظم دول العالم ، و في كل بلدٍ عملت فيه كنا نبلغ السلطات فقط ليوظفوا من يحمينا من المتطفلين، لكن هنا تبدو لو خاطبت المسئولين كأنك تطلب منهم أن يوظفوا من يتطفل عليك .
هذه التفاصيل التي بدت حينها مزعجة كانت في الماضي . الآن ، الوضع أسوأ
الآن
تقرأ خبراً في جريدة مفاده أن شخصاً سيحاكم بتهمة " إرتكاب جريمة التصوير" . ليس ذلك فقط ، بل تفاجأ بأصحاب الأقلام و المستحوذين على شاشات برامج التوك شو يمعنون في التحريض على كل من حمل كاميرا و صور واقعة لولاه ما رآها أحدٌ و لكانت دفنت حقوق كثيرة و اضطر الآلاف ممن اغتصبت آدميتهم لكتم آلامهم و تكفين أرواحهم في ملفات شرطة يمكن أن تغلق دون أن يعاقب المجرم طالما هناك من يقتنع بأن كل شيءٍ تمام مادام لا أحد يذكر الأحداث و يقلق راحة المسئولين
 التصوير ليس - فقط - فناً
 التصوير شهادة شهيدٍ على الواقع و الوقائع
 لا أشك أن المصور هو نفسه الكاتب أو الشهيد الذي أمرنا الله سبحانه و تعالى أن نحميه "وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ"  أليس المصور قائماً بأعمال التوثيق ؛ من يلومه إذاً لكونه لم يقدم على حماية ضحية بينما قام بعمله على أكمل وجه
و لماذا نكرم ، إذاً ، ضابط شرطة تقدم لأداء وظيفته ليس إلا ، أليس مكلفاً  بحماية الناس ( كل الناس ) . طبعاً لا ألوم من كرمه لأنه قام بعمله كما ينبغي و خاطر بحياته في سبيل أداء الواجب ، و هو جهدٌ لا يستطيع منصفٌ إلا أن يحمده له . لكني في المقابل أستغرب أن تُشن حملة منظمة في وسائل الإعلام تحاول إيهام الناس أن من يحمل كاميرا و يقوم بالتصوير مجرمٌ يمكن إغراء السفهاء بمطاردته و الفتك به .. أتعجب من ذلك ليس لأنه جديد ، لكن لأنه نفس الأسلوب القديم : " اكفِ على الخبر ماجور " لا تدع أحداً يذكر ما حدث ، و بذا كأن لا شيء وقع على الإطلاق
 فلسفة تستحق الدراسة في أكاديميات التدليس ، و ماكيافيليات التلبيس
فلسفة أوصلت مجتمعنا قبل سنواتٍ  لما كان عليه : باطنه يغلي بينما السطح جنانٌ مورقاتٌ و شمس ساطعة . لكن ، إلى متى ؟
إلى أن يجد البركان ثغرة فينفجر .
رسالة إلى كل المسئولين : ليس بإخفاء الحقائقِ تزدهر الدول ، و ليس بقتل المصورين أو تلفيق التهم لهم تستقر الأوضاع .

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله