بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، مايو 04، 2017

حقوق العاملين في الإعلام.. بمناسبة عيد العمال


 
  قبل سنوات، كنا نغطي إضرابات عمال بعض الشركات في مصر، كنت أعمل لصالح إحدى القنوات الفضائية الخاصة الشهيرة في ذلك الوقت، و المملوكة لأحد رجال الأعمال.. فجأة، و وسط المعمعة كما يقولون. وجدت المراسلة الشابة تخفض المايك و توجه نظرها إلي واجمة كأنها تحاول النظر إلى نفسها، و ليس لأي أحد آخر، و تقول:"إحنا بنعمل تقارير عن دول علشان بيطالبوا بحقوقهم.. دة إحنا مش واخدين نص الحقوق اللي هما بيتمتعوا بيها أصلاً، إحنا أولى بينا نعمل تقارير عن نفسنا".
 
  في الواقع كلامها أصاب كبد الحقيقة؛ فسوق الإعلام في مصر تعمه الفوضى، و تضيع فيه حقوق العاملين بشكل مبالغ فيه، خاصة في الإعلام الخاص، الذي ما عدت أستغرب و أنا يوما بعد يوم أصادف زملاء عملوا معي في بعض القنوات، أجدهم قد تحولوا للعمل في مجالات بعيدة كل البعد عن الإعلام، خاصة المتخصصون منهم الذين يعوقهم عادة عدم وجود "واسطة" لهم تدفعهم، فيفضلون اللحاق بركب تغيير المسار، حتى لا يضيعوا أعمارهم في ركاب من لا يستحقون.

  القنوات الخاصة تنشأ، و تختفي أو تنتقل ملكيتها، دون ضمانات لا للعاملين أو المجتمع الذي تمثله الدولة، لماذا لا تكون هناك شروط محكمة و مؤسسية صارمة عند إنشاء أي قناة، خاصة؛ فأي قناة ينتظر أن تستهلك الملايين، و من المعروف أن الإعلانات لا تكفي تعويض مصاريفها، إذا كان المستثمر غير قادر، أو غير مستعد، أو غير مؤهل لإنشاء قناة يجب الحرص على عدم التصريح له بإنشائها، لأنه يصبح معروفاً و غير قابل للجدل أنه سيستغلها لغسيل الأموال. و عندما تنتهي مهمتها سيغلقها دون إنذار بعد أن يكون العديدون أصبحوا موظفين فيها يعتمدون على أجورهم منها، و ربما تركوا أعمالهم في أماكن أخرى، انبهاراً بسطوع الانطلاق للقناة الجديدة الذي مايلبث أن يخبو، و يسبب هزة اجتماعية لعشرات الأسر.. الأزمة التي صارت حديث كل يوم في سوق الإعلام في مصر.

  العقود - القانونية - التي صارت حلماً للعاملين في الإعلام، و الذين كانوا - معظمهم - ينتظرون إنشاء نقابة الإعلاميين لتفصل في الأمر، لكنها على خلاف المتوقع جاءت بقاعدة كفيلة بزيادة تحكم أصحاب القنوات، حيث جعلتهم هم و توجهاتهم الفيصل في عضوية الإعلاميين بالنقابة،  يجب على من يرغب الالتحاق بالنقابة أن يكون عاملاً لديه إثبات عمل بعقد قانوني سارٍ بإحدى المحطات، و لما كانت المحطات بحاجة لتعويض خساراتها، بدأت تكشر عن أنيابها، و تفصح عن أنها ستصدر عقود عمل للعاملين لديها أو للراغبين بمقابل مادي. حتى يتسنى لهم الالتحاق بالنقابة و بعدها يحلها الحلال.

  المصريون الذين يتم استغلالهم عند الهجرة غير القانونية خارج بلادهم، سيستغلون لكن هذه المرة داخل بلادهم.

  هذا، ناهيك عن ما يواجهه العاملون من ظروف عملٍ قاسية، لا إجازات، لا أوقات محددة للعمل، استغلال من قبل أصحاب العمل لأداء مهامٍ خاصة، قانونية أو خلاف ذلك أحياناً، العمل في جو عدائي مشحون ضد الإعلام، و ربما ضد قنواتهم تحديدا، مما يعرض حياتهم للخطر دون تأمين ضد الإصابات، أو فقدان الحياة، و هو أمر أصبح متوقعاً بشكل يومي. دون حتى أدنى مسؤولية من القناة أو الشركة أو الوكالة، التي عند وقوع أي عارضٍ تسارع لتسوية الأمر مع الجهات المختصة، بينما "يروح فيها" الموظف - الإعلامي - هو و عائلته "و اللي يتشدد له".
 
  الإعلام عامة هو أحد الركائز التي يقوم عليها أي مجتمع، لأنه منوط به توفير المعلومة التي هي الفيصل في كل نشاط آخر، في الاقتصاد، أو السياسة، أو الأمن، و حتى في الحروب. و دون مناخٍ إعلامي سوي، دون منظومات(مؤسساتٍ) إعلامية منضبطة، و دون ضمانات للعاملين في المهن الإعلامية؛ لا ينتظرن أحدٌ من الإعلام المصري أكثر مما هو عليه الآن.


أحمد صلاح الدين طه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

اليوم افتتاح مهرجان برلين للفيلم العربي.. روائع السينما العربية في برنامج حافل من 24 إلى 30 أبريل

      " مرت خمسة عشر عاماً قدم فيها مهرجان “الفيلم” المئات من القصص العربية على شاشات برلين.   خمسة عشر عاماً شهدت فيها المنطقة العرب...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله