بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، سبتمبر 26، 2017

لا أراكم الله مكروهاً في تليفزيون لديكم


لا أراكم الله مكروهاً في تليفزيون لديكم



  نعم.. نعلنها رغماً عنا.. التليفزيون تخطى مرحلة (طلوع الروح)، و على بابه يقف من قتلوا القتيل استعداداً للسير في جنازته.
  قبل سنوات قلائل كنا إذا تحدث أحد عن إمكان استبدال التليفزيون المصري بإحدى محطات رجال الأعمال؛ نضحك. فمن يقول إن تلك الكيانات الهزيلة التي لا ترقى لمستوى هيكلي يجعلنا نعتبرها مؤسسات إعلامية يمكن أن تجابه مؤسسة عريقة كماسبيرو يصفها أعداؤها قبل أبنائها بمصطلح "المبنى". لقد وصفها أحد الوزراء يوما بأنها "جمهورية ماسبيرو". و خشي الكثير من المسؤلين أن يتولوا زمامها، رغم أنهم (في عرض منصب)، ليس لشيء إلا لأنها أكبر كثيراً عددا و عدة من أن تكون مجرد شبكة تليفزيونية.

  حينها كانت ثقتنا لا حدود لها في أن التليفزيون يملك بنية تحتية، لا يمكن مضاهاتها. فلا يجب أن ينسى أحد أن البنية التحتية للإعلام الخاص و العام، المصري و العربي، أسسها ماسبيرو، و لازالت تعتمد إلى حد بعيد عليه. بل لازال يدفع فاتورة الفضائيات الأخرى التي تهاجمه و توسعه ضرباً - تحت الحزام - و لولاه، و لولا ديونه ما كانت و لا استقام لها ظهور.

  اليوم، اختلف الوضع كلياً؛ فالمبنى تمت، و تتم تصفيته من الداخل.
بعد سنوات كان التليفزيون يستهلك خلالها ما لديه، دون إنفاق تماماً على تطوير و دعم أو صيانة ذخيرته. انتهى وضعه الآن أن هذا التليفزيون الذي استطاع حتى وقت قصير مضى تغطية ربوع الجمهورية من أقصاها إلى أقصى أسقاعها. اليوم لا نجد سيارات للتصوير في أطراف القاهرة، و كم من أوردرات تصوير يتم إلغاؤها لعدم وجود سيارة، أو لأن السيارات المحدودة الموجودة لا يمكن إرسالها إلا إلى الأماكن القريبة حتى يتمكن السائق من توصيل عدة فرق، و ليت ذلك يتم على خير؛ فأعطال السيارات وصلت أنها تتعطل على الكورنيش أمام المبنى، أي أنها بالكاد تخطت ال (يو تيرن) و كفى. حتى عندما قيل إن سيارات جديدة ستدخل الخدمة؛ فوجئنا بالسيارات (الجديدة) موديل ألفين و عشرة، و (مركونة) في أحد الجراجات الحكومية لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، و لنتخيل: كيف سيكون أداؤها بعد هذه (الركنة)؟

  أما الكاميرات، و معدات التصوير و البث الأخرى؛ فماذا نقول عنها؟
  التليفزيون يملك أغلى و أفضل كاميرات التصوير، و معدات المونتاج، و البث و أعلاها في فئتها.
  صحيح، كان ذلك عندما اشتراها قطاع الهندسة قبل أكثر من خمس سنوات، لكن إذا أخذنا في الاعتبار أن تكنولوجيا التصوير خلال العقدين الماضيين أصبحت تتطور بسرعة الصواريخ؛ و سرعة الصواريخ نفسها أصبح لها معنى مختلف تماماً منذ اكتشاف الفمتوثانية.. معنى ذلك أن معدات التليفزيون، الرائعة، يفصلها عن العصر التكنولوجي الذي نعيشه سنوات ضوئية عديدة.. مع ذلك ليست تلك هي المعضلة؛ فلازال ماسبيرو يستطيع المنافسة بالتكنولوجيا العتيقة التي يملكها، لأنه ينافس في السوق المحلي، و سوق الإنتاج التليفزيوني في مصر سوق فقير، لا يغرنا الملايين التي يتقاضاها النجوم فيه، المنتجون الذين يدفعون هذه الأموال الضخمة للنجوم، ليسوا مستعدين لصرف ملاليم على المعدات. و هذه تفصيلة تضعفهم كمنافسين. لكن مشكلة التليفزيون الرسمي الضخمة تكمن في أن معداته بدأت تتآكل. طوال سنوات من الاستخدام الكثيف الذي قدم التليفزيون خلاله خدمات تليفزيونية و إذاعية مجانية استفادت منها الجهات الحكومية، و الفضائيات الخاصة، و الأجنبية، و حتى وكالات الإعلان. كل هذا جعل معظم المعدات في حالة يرثى لها باستثناء بعض الوحدات التي تستخدم في نقل الفعاليات المهمة الخاصة برئاسة الجمهورية، أو المباريات الرياضية المهمة التي ينتجها التليفزيون، و تذاع على فضائيات عديدة دون - حتى - إشارة للمصدر.

  عندما تصور بكاميرا تتحرك عدستها(الزووم)من نفسها، و ذراع تحريك الكاميرا مكسور، و ملصق بسوليتيب، و العدسة مبقعة لطول الأمد الذي استخدمت خلاله، و حامل الكاميرا مصاب بهشاشة أطرافه و خشونة مفاصله، و تحاول، و بعد أن تبذل جهدا و تسجل لقاءاً مهماً تكتشف أن الصورة بها عيوب تسجيل و غير صالحة للإذاعة، و كأنك تحرث البحر.

  لماذا لو - كانت هناك نية لبقاء التليفزيون - ترك كل هذه السنوات دون خطة واضحة تحافظ على مستوى بنيته التحتية كما كانت، و ذلك لا يتم إلا بتحديث المعدات، و تطويرها بما يناسب العصر. أم أن النية مبيتة لتصفيته من الداخل؟
  المعدات الموجودة تُستهلك، و الموظفون البرامجيون و الإداريون، و الفنيون يخرجون إلى التقاعد دون أن يتم تعويض (على الأقل التخصصات الأساسية التي أصبح فيها عجز حقيقي داخل المبنى) بشباب يدعمون الاستمرار، و الشباب عادة هم العنصر الأهم في العمل الإعلامي، و وجودهم هو الحياة لأي مؤسسة إعلامية، كل هذا و أبناء المبنى مشغولون بقضايا وهمية: الهيكلة التي مر عليها أكثر من خمسة أو ستة وزراء، منذ أيام صفوت الشريف و نحن نسمع عنها نفس الكلام دون جديد، نفس اللغط و الخوف و القلق و الترقب، ثم ماذا؟ هل تم ضم القنوات، هل تم تسريح العمالة، هل تم بيع القنوات المتخصصة، و تسليم القنوات الإقليمية للمحافظين و المحليات. لم يحدث شيء رغم أن هذا ما نسمعه كل مرة، و نقرأه في الصحف بتغيير صور المسؤولين ليس إلا.. و في آخر المطاف تم تكوين لجنة لتلقي مقترحات التطوير من العاملين!

  هل يعني ذلك ن المسؤولين ليست لديهم خطة تطوير حتى الآن؟!
و إذا كان الأمر كذلك، متى سيكوِّنون أطال الله أعمارهم، خطة للتطوير؟ هل سيكون ذلك بعد أن لا يبقى في ماسبيرو إلا الحوائط، و يصبح مبنى بلا بنية؟!


أحمد صلاح الدين طه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

مانجا للإنتاج تعلن عن بوستر الأنمي السعودي "أساطير في قادم الزمان 2" في طوكيو

  طوكيو، اليابان – 32 مارس 2024-   تزامنًا مع فعالية أنمي جابان في طوكيو، أعلنت شركة مانجا للإنتاج التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان "مسك&q...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله