بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، نوفمبر 22، 2017

الحداد لا يكفي، و الفضائيات لا تشفي


الحداد لا يكفي، و الفضائيات لا تشفي

  نعم الفوضى الإعلامية لم يصنعها، و لا حتى يستطيع صنعها الفوضويون.. الفوضى صناعة مَن لم يضع نظاماً، و تصور أن كل شيء سيسير على ما يرام.

   ملاحظة بسيطة بعد ما حدث من تخبط معلوماتي أثار استياء الشارع المصري و قلقه الطبيعيان.. حتى من يعملون و يتعاملون مع ما يسمى بالمطبخ الإعلامي؛ ظهر جلياً من جهة تخبطهم و من جهة استياؤهم من الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه.. ربما لا ألوم الإعلام على ذلك، لكن علينا أن نعترف أن البيت بحاجة لترتيب.

  أولاً، لا أعتقد أن بيان الداخلية جاء متأخراً؛ فلا يُعقل أبداً أن تصدر الداخلية، أو الصحة أو رئاسة الحكومة بيانات أو تصريحات تتعلق بمهمة خطيرة و حساسة مثل ما وقع في الواحات بينما العملية في طور التنفيذ، لا يمكن أن يحدث ذلك في أي بلد، و لا يجب أن يحدث أبداً.

ما شكَّل أزمة حقيقية هو شغف الجمهور لمعرفة ما يحدث، ربما قلقاً على أبنائهم المشاركين في هذه العمليات الخطيرة، أو خوفاً على أولادهم المطمئنين في منازلهم غير بعيد عن الأحداث التي صارت قريبة للغاية، أو حتى انصياعاً لغريزة الخوف في أنفسهم. في المقابل الناس أصبحوا أكثر وعياً أن ما يعرض على وسائل التواصل لا يعدو كونه آراء و تجليات للبعض، و ما تذيعه القنوات الأجنبية غير منزه عن أغراض خفية مهما وصلت درجة مصداقية هذه القنوات علواً أو هبوطاً، لكن أخيراً: أن يذاع ما سمي بالتسريب، على قناة مصرية فضائية محلية خاصة، و من مذيع/صحفي لطالما تفاخر أنه(بتاع الداخلية)، و لم ينف ادعاءه أحدٌ  و أصبحنا كجمهور نسلم به، و يشاهده من لا يعتبرون أنفسهم من محبيه قبل محبيه؛ لأن كلامه دون شك - في اعتقادهم يمثل جهة رسمية رفيعة. كل ذلك صنع البلبلة.. هذه هي الفوضى التي صنعها غياب النظام، أو بلفظ أدق "سوء التنظيم".

  دون شك أصبحنا على وعي تام بأهمية ما يردده الخبراء، خبراء الإعلام، و خبراء التنظيم و الإدارة، و أساطين السياسة من أن أكبر خطأ تقع فيه الدولة هو محاولة إقصاء التليفزيون الرسمي، و نقل صلاحياته إلى قنواتٍ خاصة، أو لنقل شبه خاصة، قيل إنها تخضع لتوجهات الدولة و تدعمها، كل ذلك يمكن أن نعتبره فكراً جديداً، قابلاً للتجربة؛ لو كنا في ظروف أخرى.

  ما حدث من تخبط معلوماتي أخيراً يجب أن يلفت نظر رجال الدولة للسبب الرئيسي، و هو تعدد مصادر المعلومات، بينما المفترض في حادثة كهذه أن الدولة دون غيرها هي الجهة صاحبة الاختصاص، و من يذيع عن مصدر آخر فهو بالتأكيد يحصل على معلوماته من جهة مغرضة. التليفزيون الرسمي انتظر بياناً رسمياً و هو تصرف مهني يراعي الضمير و لا يمكن أن يلام عليه. القضية أن القنوات الخاصة التي تحاول الحفاظ على صورتها لدى المسؤولين في الدولة كمالكة لعقول المشاهدين، أرادت أن تسرق عيون المشاهدين و تقبض قلوبهم و لو بالتنازل عن المهنية التي لم تعد تساوي شيئاً في سوق الإعلام المصري.

  لابد للدولة من أن توحد الجهة التي يتلقى عنها الجمهورُ أنباء الدولة، طبعاً لا يعني ذلك غلق الفضائيات الخاصة؛ فقد تخطينا هذا الطور الذي تحتكر فيه الدولة وسائل الإعلام، لكن ببساطة على القنوات الخاصة أن تكون قنواتٍ خاصة، و على تليفزيون الدولة أن يكون تليفزيوناً رسمياً، كل البيانات و التصريحات و لقاءات الوزراء، و رئيس الوزراء و رئيس الجمهورية كل ذلك يجب أن يؤخذ عن محطة واحدة، و يمكن لجميع الجهات أن تأخذ عنه.. لو كان عامة المصريين يعرفون أن المصدر الأساسي للمعلومات هي تليفزيون الدولة لما تخبطوا بحثاً بين القنوات المختلفة، و لما لجأت هذه القنوات لإرضائهم بأي وسيلة و لو كانت مادة مفبركة أو حتى لا يجب إذاعتها في وقت معين.. أما إذا كان رجال الدولة يرون أن تليفزيونهم متعثر، فليس عليهم إلا أن يدعموه، بدلاً من التصفيق للحملات الموجهة ضده من جهاتٍ هي السبب لما نحن فيه الآن.

أحمد صلاح الدين طه

بعد دورة الملكية الفكرية.. يا عزيزي كلنا لصوص




نعم يا عزيزي.. كلنا لصوص، و لا نستثني أحداً.
  لصوص، لكن ظرفاء، لطفاء، طيبون، لا نقصد شراً ( حتى لو وقع بسببنا ) و لا نستهدف إيذاء أحدٍ ( حتى لو تسببنا في فقد المئات لوظائفهم، و إفلاس عشرات الشركات ).
  ذلك ما يجب أن أعترف به بعدما حضرت دورة تدريبة متخصصة تتناول موضوع الملكية الفكرية و حقوق المؤلف، و أشهد أن الوعي بهذه الحقوق ينقصنا كثيراً و هو ما يترتب عليه تجاوزات جمة منا حيناً، كما يتضمن اعتداء على حقوقنا كأفراد و مؤسسات - حقوقنا التي لا نعرفها – في أحايين أخرى.
  بالمناسبة كان أول اصطدام لي بفكرة حقوق الملكية الفكرية و ما يترتب عليها من واجبات و ممارسات في العمل قبل حوالي عشرة سنوات، كنت أصور بعض الأعمال لمنتجة أوروبية تعمل لصالح إحدى وكالات الإنتاج التليفزيوني الغربية، و فوجئت بتشددها في فكرة الحصول على موافقات مكتوبة على نماذج مطبوعة تتناول تفاصيل كل المادة التليفزيونية.
 في الحقيقة، وقعت بسهولة مطلقة على كل ما يخصني في هذا الأمر، و هو تفاصيل كل اللقطات التي صورتها بنفسي لتستخدمها في أعمالها، مع إقرار مني بأن كل المحتوى الذي قدمته لها في الشرائط من تصويري، و لا يدخل فيه أي حقوق لأية جهة أخرى، أيضاً تضمن الإقرار موافقة مني باستغلال الوكالة التليفزيونية لهذه المادة في العمل المزمع إنتاجه، و أي أعمال لاحقة تخص الوكالة فيما عدا لو تم بيع المواد الخام لطرف ثالث؛ في هذه الحالة يكون على الوكالة دفع نسبة من عائدات هذه المواد لي.
  لم يكن في هذا الجزء أي مشكلة، فأنا لا بد سأوقع حتى أتمكن من الحصول على أجري كمصور حر، كما أنني لن أتابع الوكالة الأجنبية لو باعت أو لم تبع هذه المواد، و هم يعرفون أنني لن ألاحقهم بأي مطالبات، طالما حصلت على أجري مقابل التصوير، و خاصة أنهم يدركون تماماً أن الوعي في هذا الجانب محدود جداً لدينا.. الأمر برمته لا يزيد عن كونه تستيف أوراق، و التجهز مسبقاً لما قد يطرأ، و يعرضهم للمساءلة، عندهم و ليس عندنا.
  المشكلة الحقيقية، و التي جعلتني أشعر بالاستياء حينها من فكرة قوانين الملكية الفكرية، هي إلزامنا بالحصول على إذن مكتوب من كل الضيوف الذين وافقوا على الظهور في العمل التليفوني، و بالمناسبة جميعهم لم يتقاضوا أجراً، و كان لزاما عليهم التوقيع على ما يشبه التعاقد، يقرون فيه بموافقتهم على الظهور في تسجيلٍ، موضوعه كذا، و يتم عرضه في عمل صفته كذا و كذا، و يمكن للوكالة استخدام هذه اللقاءات، و هم يوافقون على عدم الحصول على مقابل مالي حالاً أو مستقبلاً.. كل ذلك في بنود على عدة صفحاتٍ بالإنجليزية جعلت الضيوف يرفضون و يتراجعون عن موافقتهم السابقة لإجراء الحوار معهم، و يطلبون مهلة للتشاور مع من يفيدهم في هذا الشأن و للعلم كل الضيوف كانوا وزراء و رجال أعمال كبار، و أساتذة اقتصاد مشاهير، أي أنهم لا يشك في ثقافتهم و اطلاعهم.
  كاد الإنتاج برمته يتوقف خاصة مع تزمت المنتجة في الحصول على توقيعات الجميع و لو أدى ذلك لإلغاء كل شيء، و كانت تقول: " أنتم لا تعرفون، لو لم أحصل على التوقيعات لن توافق الوكالة التي أعمل لصالحها على استخدام لقطة واحدة، و لن يكون هناك فارق بين أن أعود بدون توقيعات و أن أعود بلا فيديوهات في المطلق".
  بعد جدال و فصال استطعنا أن نقنع الطرفين، المنتجة و الضيوف، بحل وسط و هو تسجيل موافقة الضيف بالفيديو قبل اللقاء مع توقيعه على ملخص مترجم للنص الإنجليزي لا يتعدى بضعة سطور.
  حقوق الملكية الفكرية و التزامات الاستغلال للمواد و اللقاءات المصورة كانت عقبة في سبيلنا و كنا نعتبرها معوقات لا طائل من ورائها. لكنها في الحقيقة قوة دافعة كبيرة في مجال الإبداع و الابتكار و التصميم. ببساطة مفهوم الأصالة الذي فقد لدينا معناه و محتواه لكثرة ما حولنا من تقليد و تزييف و سرقة، لن يعود لرصانته و قوته و تأثيره؛ إلا لو عدنا لاحترام حقوق المؤلف، ليس مؤلف العمل الأصيل هو وحده المستفيد من نشر الوعي بملكيته الفكرية و حقوقه المادية و الأدبية؛ أيضاً كل المبدعين و العاملين في مجالات تفترض الإبداع و الابتكار و الذين أصبحوا يلجأون إلى الأسهل، و هو الغش و التقليد و السرقة: لماذا  تبدع ما دمت تستطيع نسخ إنتاج غيرك و بيعه بملايين لن تحصلها لو أنتجت عملاً أصيلاً لأن غيرك سيسرقه و يتربح منه بدلاً منك؟!
  القضية مركَّبة، و الوعي أساس تخطينا للمرحلة التي نحن عالقون بها، و هو ما تحققه مثل هذه الدورات التي أجد لزاماً علي أن أشكر كل المحاضرين و جميع المسؤولين أفراداً و مؤسسات  الذين رتبوا لها و نفذوها بمثل هذه الجودة التي تليق بأهمية الموضوع.*
أحمد صلاح الدين طه
*
  حاضر في هذه الدورة بترتيب المحاضرات: دكتور خالد فتح الله رئيس معهد الإذاعة و التليفزيون، و دكتور محمد حجازي رئيس مكتب حماية حقوق الملكية الفكرية، دكتور إبراهيم مصطفي مسؤول سلطة التصديق الإلكتروني الحكومي، أ.د. رشا علي الدين أستاذ القانون الدولي الخاص وكيل كلية الحقوق جامعة المنصورة، اللواء الدكتور محمد عبدالواحد رئيس مباحث الإنترنت و جرائم الحاسب بوزارة الداخلية المصرية .



إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

مهرجان الجونة السينمائي يتلقى طلبات تسجيل الأفلام حتى 15 يوليو/تموز 2024

    أعلن مهرجان الجونة السينمائي عن بدء قبول طلبات تسجيل الأفلام في دورته السابعة. وتُفتح نافذة التقديم بداية من 15 أبريل/نيسان 2024 وتُغل...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله