بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، نوفمبر 22، 2017

بعد دورة الملكية الفكرية.. يا عزيزي كلنا لصوص




نعم يا عزيزي.. كلنا لصوص، و لا نستثني أحداً.
  لصوص، لكن ظرفاء، لطفاء، طيبون، لا نقصد شراً ( حتى لو وقع بسببنا ) و لا نستهدف إيذاء أحدٍ ( حتى لو تسببنا في فقد المئات لوظائفهم، و إفلاس عشرات الشركات ).
  ذلك ما يجب أن أعترف به بعدما حضرت دورة تدريبة متخصصة تتناول موضوع الملكية الفكرية و حقوق المؤلف، و أشهد أن الوعي بهذه الحقوق ينقصنا كثيراً و هو ما يترتب عليه تجاوزات جمة منا حيناً، كما يتضمن اعتداء على حقوقنا كأفراد و مؤسسات - حقوقنا التي لا نعرفها – في أحايين أخرى.
  بالمناسبة كان أول اصطدام لي بفكرة حقوق الملكية الفكرية و ما يترتب عليها من واجبات و ممارسات في العمل قبل حوالي عشرة سنوات، كنت أصور بعض الأعمال لمنتجة أوروبية تعمل لصالح إحدى وكالات الإنتاج التليفزيوني الغربية، و فوجئت بتشددها في فكرة الحصول على موافقات مكتوبة على نماذج مطبوعة تتناول تفاصيل كل المادة التليفزيونية.
 في الحقيقة، وقعت بسهولة مطلقة على كل ما يخصني في هذا الأمر، و هو تفاصيل كل اللقطات التي صورتها بنفسي لتستخدمها في أعمالها، مع إقرار مني بأن كل المحتوى الذي قدمته لها في الشرائط من تصويري، و لا يدخل فيه أي حقوق لأية جهة أخرى، أيضاً تضمن الإقرار موافقة مني باستغلال الوكالة التليفزيونية لهذه المادة في العمل المزمع إنتاجه، و أي أعمال لاحقة تخص الوكالة فيما عدا لو تم بيع المواد الخام لطرف ثالث؛ في هذه الحالة يكون على الوكالة دفع نسبة من عائدات هذه المواد لي.
  لم يكن في هذا الجزء أي مشكلة، فأنا لا بد سأوقع حتى أتمكن من الحصول على أجري كمصور حر، كما أنني لن أتابع الوكالة الأجنبية لو باعت أو لم تبع هذه المواد، و هم يعرفون أنني لن ألاحقهم بأي مطالبات، طالما حصلت على أجري مقابل التصوير، و خاصة أنهم يدركون تماماً أن الوعي في هذا الجانب محدود جداً لدينا.. الأمر برمته لا يزيد عن كونه تستيف أوراق، و التجهز مسبقاً لما قد يطرأ، و يعرضهم للمساءلة، عندهم و ليس عندنا.
  المشكلة الحقيقية، و التي جعلتني أشعر بالاستياء حينها من فكرة قوانين الملكية الفكرية، هي إلزامنا بالحصول على إذن مكتوب من كل الضيوف الذين وافقوا على الظهور في العمل التليفوني، و بالمناسبة جميعهم لم يتقاضوا أجراً، و كان لزاما عليهم التوقيع على ما يشبه التعاقد، يقرون فيه بموافقتهم على الظهور في تسجيلٍ، موضوعه كذا، و يتم عرضه في عمل صفته كذا و كذا، و يمكن للوكالة استخدام هذه اللقاءات، و هم يوافقون على عدم الحصول على مقابل مالي حالاً أو مستقبلاً.. كل ذلك في بنود على عدة صفحاتٍ بالإنجليزية جعلت الضيوف يرفضون و يتراجعون عن موافقتهم السابقة لإجراء الحوار معهم، و يطلبون مهلة للتشاور مع من يفيدهم في هذا الشأن و للعلم كل الضيوف كانوا وزراء و رجال أعمال كبار، و أساتذة اقتصاد مشاهير، أي أنهم لا يشك في ثقافتهم و اطلاعهم.
  كاد الإنتاج برمته يتوقف خاصة مع تزمت المنتجة في الحصول على توقيعات الجميع و لو أدى ذلك لإلغاء كل شيء، و كانت تقول: " أنتم لا تعرفون، لو لم أحصل على التوقيعات لن توافق الوكالة التي أعمل لصالحها على استخدام لقطة واحدة، و لن يكون هناك فارق بين أن أعود بدون توقيعات و أن أعود بلا فيديوهات في المطلق".
  بعد جدال و فصال استطعنا أن نقنع الطرفين، المنتجة و الضيوف، بحل وسط و هو تسجيل موافقة الضيف بالفيديو قبل اللقاء مع توقيعه على ملخص مترجم للنص الإنجليزي لا يتعدى بضعة سطور.
  حقوق الملكية الفكرية و التزامات الاستغلال للمواد و اللقاءات المصورة كانت عقبة في سبيلنا و كنا نعتبرها معوقات لا طائل من ورائها. لكنها في الحقيقة قوة دافعة كبيرة في مجال الإبداع و الابتكار و التصميم. ببساطة مفهوم الأصالة الذي فقد لدينا معناه و محتواه لكثرة ما حولنا من تقليد و تزييف و سرقة، لن يعود لرصانته و قوته و تأثيره؛ إلا لو عدنا لاحترام حقوق المؤلف، ليس مؤلف العمل الأصيل هو وحده المستفيد من نشر الوعي بملكيته الفكرية و حقوقه المادية و الأدبية؛ أيضاً كل المبدعين و العاملين في مجالات تفترض الإبداع و الابتكار و الذين أصبحوا يلجأون إلى الأسهل، و هو الغش و التقليد و السرقة: لماذا  تبدع ما دمت تستطيع نسخ إنتاج غيرك و بيعه بملايين لن تحصلها لو أنتجت عملاً أصيلاً لأن غيرك سيسرقه و يتربح منه بدلاً منك؟!
  القضية مركَّبة، و الوعي أساس تخطينا للمرحلة التي نحن عالقون بها، و هو ما تحققه مثل هذه الدورات التي أجد لزاماً علي أن أشكر كل المحاضرين و جميع المسؤولين أفراداً و مؤسسات  الذين رتبوا لها و نفذوها بمثل هذه الجودة التي تليق بأهمية الموضوع.*
أحمد صلاح الدين طه
*
  حاضر في هذه الدورة بترتيب المحاضرات: دكتور خالد فتح الله رئيس معهد الإذاعة و التليفزيون، و دكتور محمد حجازي رئيس مكتب حماية حقوق الملكية الفكرية، دكتور إبراهيم مصطفي مسؤول سلطة التصديق الإلكتروني الحكومي، أ.د. رشا علي الدين أستاذ القانون الدولي الخاص وكيل كلية الحقوق جامعة المنصورة، اللواء الدكتور محمد عبدالواحد رئيس مباحث الإنترنت و جرائم الحاسب بوزارة الداخلية المصرية .



هناك تعليقان (2):

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

٣٠ يونيو أخر موعد لإستقبال سيناريوهات مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي

  أعلنت إدارة مهرجان الإسكندرية برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة في وقت سابق عن فتح باب إستقبال السيناريوهات للمشاركة بمسابقة ممدوح اللي...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله