صحافة الفيديو باختصار هي الصحافة التليفزيونية و لكن عندما يصبح فريق العمل التليفزيوني المكون من حوالي ثمانية أو تسعة أفراد شخصاً واحداً يقوم بالتصوير و المونتاج و الكتابة و التعليق الصوتي ثم أحياناً إضافة الترجمة على التقرير و بثه عن طريق تقنيات الاتصال الحديثة إلى محطات التليفزيون أو مواقع الإنترنت و الصحف الإلكترونية ، و هذا الأسلوب في العمل التليفزيوني لا يعتبر حديثاً للغاية فالبعض يرجعه إلى ستينيات القرن العشرين عندما كان مراسلو بعض المحطات التليفزيونية في الولايات المتحدة يقومون بالتصوير ، أيضاً ليست الجرائد السينمائية القديمة التي كان مراسلوها بالأساس هم المصورون ببعيدة عن هذا النمط ، لكن المؤكد أن البداية الحقيقية للإنتاج بهذا الأسلوب بشكل كامل و التوسع فيه كانت مع بدايات الألفية الميلادية الثانية ، و يعتبر الصحافي التليفزيوني ميشيل روزنبلوم الرائد و المعلم الذي دفع بالكثيرين لاحتراف صحافة الفيديو ، كما اعتمدت عليه منظمات تليفزيونية عريقة مثل مؤسسة الإذاعة البريطانية لتدريب طواقمها للعمل بهذا الأسلوب .
كانت بداية روزنبلوم أثناء تغطيته لبعض الأحداث المهمة في قطاع غزة و كان معه حينها طاقم تليفزيوني تقليدي ، كما كان بحوزته كاميرا فيديو من النوع المنزلي المنتشر حينها في الأسواق ، و بكاميرته تلك حاول ان يصور كل شيءٍ صادفه دون أن يخطر بباله أن ما يقوم به سيكون ذا أهمية كبيرة ، فحينها ما كان يمكن اعتباره مصوراً محترفاً و الكاميرا التي يستخدمها لا تزيد عن وسيلة للهواة لتصوير المناسبات العائلية بجودة محدودة ، و ما كانت محطة تليفزيونية لتغامر بإذاعة مثل هذه اللقطات ، لكن المصادفة أن توتر الصراع في الأراضي المحتلة كان على أشده ، و المادة المصورة التي عاد بها إلى أمريكا كانت مطلوبة بشدة بصرف النظر عن الجودة ، و من هنا بيعت بآلاف مؤلفة من الدولارات . كانت تلك مفاجأة له جعلته يعيد حساباته و جعلت كاميرته لا تفارقه أبداً في جميع التغطيات .
لكن حتى هذه اللحظة لم تكن ثورة الفيديو الحقيقية ظهرت بعد و احتاج الأمر لعدة سنوات حتى أواخر القرن العشرين و بدايات القرن التالي حيث انتشرت تقنيات الفيديو الرقمي و أصبحت متاحة للجميع و سهلة الاستخدام بدءاً من التصوير و حتى البث إلى أرجاء العالم في زمن قياسي .
لقد أنتج الانقلاب الرقمي كاميرات ذات جودة عالية للغاية إذا ما قورنت بالكاميرات التليفزيونية التقليدية بينما حجمها لا يزيد كثيراً عن كاميرات الهواة الحديثة ، و أقل كثيرا أيضاً من كاميرات الهواة التقليدية . هذه الكاميرات توفر سهولة كبيرة في الاستخدام حتى إن مشغلها ما عادت تؤرقه كثيراً المسائل الهندسية كضبط الإضاءة و الوضوح بقدر ما يشغله المحتوى .
بالإضافة للكاميرات الحديثة المتطورة ، ظهر أيضاً المونتاج اللاخطي ، و تطورت أجهزة الحاسب حتى أصبح في الإمكان بسهولة فائقة عمل المونتاج و تصحيح أي عيوب بالصورة و مكساج الصوت كل هذا على جهاز حاسوب شخصي متنقل لا يزيد سعره عن 1500 US$ بينما كانت غرف المونتاج التقليدية تكلف عدة مئات الآلاف كل هذا اختصر في حاسوب نقال و كاميرا صغيرة يمكن حملهما إلى أي موقع للتصوير و المونتاج في موقع الحدث ثم بث المادة الإعلامية إلى أي مكان في العالم عن طريق الإنترنت الذي هو ثورة إضافية ، حيث جعل الإنترنت و تطوره السريع و سرعته الحالية الفائقة و التي تزيد يوماً بعد يوم ، إضافة لتطور برامج ضغط الفيديو ، و التي انتهت لتصغير حجم الملفات بشكل ملحوظ مع الحفاظ على الجودة العالية للصورة و الصوت كما يحدث عند استخدام صيغ للضغط مثل MPEG4 ، كل هذا أضاف و زاد من أهمية صحافة الفيديو التي أصبحت مهمة ليس فقط لمحطات التليفزيون بل أيضاً لمواقع الإنترنت و الصحف التي سارعت بإصدار نسخ إلكترونية تزيد حالياً معدلات قراءتها عن معدلات بيع النسخ الورقية مما حدا ببعض الصحف العالمية لتحديد ميعاد لوقف طبع النسخ الورقية و الاكتفاء بالإلكترونية . هذه المواقع تتيح للصحف إمكانية وضع تقارير فيديوية ضمن أبوابها لتكتسب ميزة طالما انفردت بها محطات التليفزيون تضيفها إلى ميزاتها التقليدية كصحيفة مقروءة ، و لكم أن تعرفوا إن صحيفة شهيرة كالواشنطن بوست توظف حالياً ستة صحافيي فيديو ضمن طاقمها .
هيئة الإذاعة البريطانية عندما اتجهت لتحويل طواقمها المختصة بالتغطية المحلية إلى صحافيي فيديو ، كان لديها 84 طاقماً يغطون المملكة المتحدة ، لكن الآن لديها أكثر من 750 صحافي فيديو مجهزين بكاميراتهم و حواسبهم المحمولة و يستطيعون تغطية أي حدث وقت حدوثه . لأنهم ببساطة فصلوا الطاقم الذي يضم على الأقل مصورا و مقررا ( مراسل ) و مساعد صوت و أحيانا محرر فيديو ( مونتير ) قاموا بتدريب كل واحد من هؤلاء على القيام بدور الآخرين إضافة إلى دوره هو الذي يجيده بطبيعة الحال ، فالمصور يتم تدريبه على البحث عن الأخبار و قراءة الحدث و التعليق عليه و المونتاج الرقمي ( اللاخطي ) و المراسل يتم تدريبه على التصوير و فنياته و المونتاج .. إلى آخره .
هذا ما حدث على المستوى العالمي ، ماذا تطور عندنا نحن في عالمنا العربي ؟
أولاً ، لا بد من الإشارة إلى أن العالم العربي و مصر تحديداً أصبح فيه من يعمل كصحافي فيديو ، و فيه أيضاً صحافة فيديو تبنتها المواقع الصحافية الإلكترونية و المحطات التليفزيونية الإخبارية ، لكن المصطلح لازال غير مطروح في أوساط العامة مما سيشكل عقبة في سبيل صحافيي الفيديو المحترفين خلال الفترة القادمة ، فمثلاً في مصر لا توجد أية جهة مسئولة عن صحافي الفيديو الذي يعمل غالباً بشكل حر بعيداً عن المؤسسات الكبرى ، لا نقابة كنقابة الصحفيين مثلاً ستضمه إليها ، و لا نقابة السينمائيين - التي تضم في مصر كلاً من التليفزيونيين و السينمائيين – مسئولة عن العمل الصحفي ، و لا أي جهة أخرى مسئولة عنه حتى المركز الصحفي التابع للهيئة العامة للاستعلامات لا يختص بالمساعدة و إصدار التصاريح إلا للصحافيين الأجانب أما المصريون فيبدو أنهم ليس من حقهم ممارسة العمل الصحفي في مصر . مما يعني إن فوضى حتمية ستحدث في هذا المجال خاصة مع أسلوب التضييق الأمني و وضع العقبات أمام العمل الصحفي بشكل عام ، أي أن كل صحافي فيديو حر لن يجد من يعطيه التصاريح اللازمة لعمل التغطيات و ذلك لن يمنعه بحال من الأحوال أن يؤدي عمله فالحرية تطور طبيعي للحياة الإنسانية لن يستطيع أحد إيقاف تدفقها ، و بالتالي سيعمل و لكن متسللاً عبر الأبواب الخلفية .
المشكلة الثانية التي تواجه صحافة الفيديو العربية ، هي عدم تفهم القائمين على المواقع الإخبارية للفكرة القائمة على تقديم تقارير و أفلام تسجيلية واقعية الأسلوب بشكل احترافي و لكن باختصار عدد المتعاونين في العمل إلى شخص واحد ، و بذلك تجمع بين العمل الجيد ( المصنوع جيدا من الناحية الفنية ) و في نفس الوقت يؤدي العمل الفردي إلى سهولة الوصول إلى مناطق غير مطروقة تتعلق بالقضايا العامة المطروحة أمام الرأي العام ، لكن المواقع العربية تتخبط بين استخدام أفراد غير مدربين جيداً على التصوير و المونتاج ليقدموا مجرد لقطات غير جيدة من موقع الحدث ربما تكون مصورة بكاميرات غير معدة للمحترفين و في بعض الأحيان بكاميرات هواتفهم النقالة ، و هذه ليست صحافة الفيديو التي تعتمد بشكل أساسي على الصورة التي لا بد أن تكون على قدر كبير من الجودة و الجمال الذي لن يتأتى إلا بدراسة جادة و هو ما جعل المؤسسات الغربية تنفق وقتاً ليس بالقصير في تدريب و تعليم صحافيي الفيديو لديها قبل أن تدفعهم لبدء العمل .
و في المقابل تجد بعض المواقع الأخرى و قد ألحق بالخبر تفصيلات تقول إنه من إعداد فلان و تعليق فلان و تصوير و مونتاج بل و إخراج فلان ، ذلك التجمع لإنتاج عمل واحد يعيدنا مرة أخرى إلى أسلوب العمل التليفزيوني التقليدي ، و هو ما ترفضه صحافة الفيديو لأن هذا الأسلوب يحد من حركة الفريق و يعيق الوصول إلى مناطق جديدة غير مكتشفة و يفرق دم العمل بين العاملين فلا يصبح أحدهم مسئولاً عن شيء ، كما إنه مضيعة للوقت ، فمثلا فريق من خمسة صحافيي فيديو قام بتغطية خمس غرف للطوارئ في خمس مستشفيات أمريكية لينتج عملاً وثائقياً رائعاً في بضعة أيام كان يمكن إنجازه في عدة شهور ، كما أن صحافي فيديو واحداً كان بإمكانه إنتاج فيلم عن حياة مدمنة مخدرات بريطانية بشكل واقعي بعد أن ظل في صحبتها لعدة شهور تناول خلالها كل ما يتعلق بحياتها بتفصيل دقيق ما كان أي فريق تليفزيوني تقليدي لينتجه أبداً .
أما المشكلة الثالثة فهي التقسيم الإداري للعاملين في معظم القنوات التليفزيونية العربية و الذي يفصل المصورين في جانب الفنيين و المقررين أو المراسلين في إدارات مختلفة ذلك رغم أن المصور مثلاً يقوم فعلاً بالعمل الصحفي كجزء من مهامة ، لكن الإدارة الخاصة بالمراسلين هي ما ينتهي إليه شأن التدريب الصحفي ، فإذا أرادت التوجه لاستخدام أسلوب صحافة الفيديو في إنتاج التقارير الإخبارية ، تمنح مراسليها دورات تدريبية في هذا المجال يعود بعدها المراسل للعمل في نفس محيط العمل التقليدي و بنفس الأسلوب فلا يكون التدريب الذي حصل عليه إلا مضيعة من جديد للوقت و المال .
صحافي الفيديو أو VJ يطلق عليه أيضاً عدة أسماء مثل :
Solo VJ
One Man Band , OMB
Multimedia Journalist , MMJ
Backpack Journalist
Solo Journalist , Sojo
حلو الموضوع يا احمد
ردحذففعلاً الموضوع حلو وجديد وبيطرح فكرة إن دي صحافة المستقبل وفي نفس الوقت لسه ما خدتش اعتراف بها من أي نقابة .. موضوع مهم فعلاً وهيطرح نفسه بقوة في المستقبل
ردحذفالمدونة جميلة جدا ورائعة
ردحذفاتعلمت منها حاجات ماكنتش عارفها وخاصة اسم المدونة
الف شكر يا استاذ
وكل التقدير
احمد صباح الخير
ردحذفاشكرك علي التوضيح و السرد الجميل و لكن هل من امل ان تتغير النظرة المتخلفة الى مهنة التصوير و خاصة من المسثولين و للاسف من المصورين انفسهم
لك الشكر و التحية
كلام ممتاز و حلو جدا شكرا لإبقائنا قريبين من حافة النور
ردحذفربنا يحفظك دنيا و اخرة
أشكر جميع الأساتذة ( و الأستاذات ، إذا جاز الفصل )،و الأستاذ حمدي حليم أقول له ، لا زال الكلام موصولاً ، و ثمة جديد عما قريب في الموضوع الذي يشغلك و يشغلني أيضاً
ردحذفبجد الموضوع ده أفدنى جدااا بدون مبالغة لأنى بجد من أشد المتحمسين لفكرة صحافة الفيديو و شايف إنها صحافة تواكب العصر تتحدث نفس لغته ذات الإياع السريع المرتبط بالجودة ... و تم عرض و تحليل الفكرة و المشاكل بشكل تكامل ... شكرا لمجهودك بجد يا أستاذ أحمد
ردحذف