بداية أشير إلى أمر لاحظته في كل المدن الشرقية التي زرتها و هو وجود نوعين رئيسيين من الأسواق يحرص زوار المدينة أن يمروا بهما ، الأول هو أسواقٌ تشبه خان الخليلي بالقاهرة و عادة ستجد نفس المنتجات الموجودة بالخان من عطور شرقية و بخور و مصنوعات يدوية سواء جلدية أو معدنية و مجوهرات و حلي و عطارة مع اختلافات بسيطة بين مدينة و أخرى ، مثلاً في إسلام أباد و التي تجد مثل هذه الأسواق داخل فنادقها أو ملحقة بها لن تصادف منتجات البردي و تصاميم الآنية و التماثيل بالأشكال الفرعونية لكنك طبعا ستجد الشيَش و النراجيل أو الأراجيل و التي يقبل على شرائها السائحون العرب رغم وفرتها في بلادهم ، و في المدينة المنورة و مكة المكرمة و جدة لن تجد أزياء الرقص الشرقي لكنك ستجد بديلاً لها مزيداً من العباءات و الجلابيب و الطواقي ، أما في دبي فستجد كل شيء مستنسخا كما تجده في مصر تماماً و في البلاد الأخرى أيضاً .
النوع الثاني هو أسواق المنتجات الرخيصة بعضها محلي الصنع و بعضها مستورد ، و أغرب ما في هذه الأسواق حالياً هو أن جُل معروضاتها صينية الصنع و رغم ذلك لازال المسافرون الوافدون يمرون بها و يملأون حقائبهم من بضائع تغرق أسواق بلادهم كما تنضح بها كل أسواق العالم .
سوق ليبيا بمدينة مرسى مطروح التي تقع شمال غربي مصر قريباً من الحدود المصرية الليبية ، هو أحد هذه الأسواق من النوع الثاني ، و يتميز هذا السوق باسمه الذي استمده كونه امتداداً أو تطويراً لشارع المهربين أو التهريب الذي يقع قريباً منه و كان مركزاً مهماً لبيع البضائع المهربة من ليبيا .
أيام الانغلاق الاقتصادي - كما لازال يذكرها المصريون - لم يكن استيراد الكماليات و كل أدوات الرفاهية أمراً مسموحاً للمصريين بينما كانت السلع الأوروبية تغرق ليبيا من كل صنف ولون فكانت الحدود الصحراوية بين مصر و ليبيا بوابة تتدفق عبرها تلك البضائع مما جعل المهربين ينشطون مستخدمين سيارات الدفع الرباعي في اختراق الصحراء للحصول على المكاسب الكبيرة التي تدرها هذه التجارة ، و أظن الحكومة المصرية بشكل أو آخر تركت تلك الفسحة عن وعي و زادت سماحتها بعد نكسة 67 و حتى قيام الثورة الليبية ( ثورة الفاتح من سبتمبر ) عام 1969 و التي تبنت أفكاراً اقتصادية كالتي كانت مطبقة في مصر حينها و من ثم انتهى سبب التهريب ، و إن كان نشاط المهربين نفسه لم يختف إلا بعد ما أصاب العلاقات المصرية الليبية من توتر بسبب الخلافات بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات و الرئيس الليبي معمر القذافي ( مع حفظ الألقاب ) الأمر الذي دفع السلطات لتشديد الرقابة على الحدود و تمركز جانب من الجيش المصري في الصحراء الغربية كما ألزمت الحكومة المصرية أصحاب سيارات الدفع الرباعي بتركيب أرقام مرورية ليسهل معرفة أصحابها ، و راحت الطوافات تطارد من يحاول اختراق الحدود .
اليوم و عندما تتجول في سوق ليبيا بمرسى مطروح لن تصادفك إلا أصنافٌ قليلة من البضائع محلية الصنع ( منتجات واحة سيوة من التمور و الزيتون و الملوخية الجافة و النعناع الجاف ) و قليل أيضاً من المنتجات القادمة من المغرب العربي مثل الكسكسي و التونة المعبأة الواردة من تونس ، و فيما عدا ذلك سترى كل ما تراه في القاهرة من منتجات صينية ، كل شيءٍ صيني حتى فوانيس رمضان المصنعة بأشكال أبو تريكة ( لاعب المنتخب المصري ) و المعلم حسن شحاتة ( مدرب المنتخب ) .
و يبقى اسم ليبيا على السوق كذاكرة لتاريخ و أيام يراها البعض حلوة ويصفها آخرون بالمُـرة ، لكنها على أي حال مرت ، و لعل القادم أجمل .
مطروح بلدي برد الروح
ردحذففعلا معك حق
ردحذف