"برامج أو عروض الكلام " هذا المصطلح يبدو ترجمة مثالية لمصطلح ال " Talk Shows "و مع ذلك لن تجد أحد مقدمي أو منتجي هذه البرامج أو حتى المهتمين بها يستخدم الترجمة العربية بل يحرصون على استخدام اللفظ الأجنبي باعتباره معرباً و فيما يبدو يفعلون ذلك حتى لا يفقد الاسم بريقه ، فالاسم إذا تناوله المشاهدون بالبحث أو أمعنوا في تأمله لانصرفوا عن متابعة هذه النوعية من البرامج خوفاً على ضياع وقتهم فيما لا ينفع .
برامج الكلام يمكن ترجمتها أيضاً بالعامية المصرية إلى مسميات أقل تهذباً و أكثر إيضاحاً مثل أن نقول : برامج الرغي أو برامج الرطّ أو غير ذلك مما يشير إلى الحالة القديمة التي يطلق عليها قعدة مصاطب ، و طبعا برامج الكلام في معظمها لا تزيد عن قعدة المصاطب إلا في نقل القعدة إلى الاستوديوهات و استبدال المصاطب - أحياناً - بدكك .
هذه النوعية من البرامج لا أستطيع أنا أو غيري أن ننكر نجاحها و أهميتها أحياناً ، و ربما كان ذلك سبب تسميتها لدى الانجليز بالعروض الحوارية ( التشات شو Chat Show ) ذلك اللفظ الذي يبدو أكثر تأنقاً من اللفظ الأمريكي لأنه يتضمن معنى الحوار بما يشمله من مفاهيم راقية يوضع الكلام في إطارها .
إذاً فالمشكلة ليست في وجود هذه البرامج لكن و بشكل أساسي في المساحة الواسعة جداً و الوقت الطويل للغاية الذي تصل إليه حتى إن بعض مقدمي القنوات الرياضية يظل على الهواء ثمانية عشر ساعة من الرغي المتواصل فيما عدا بعض الفواصل الإعلانية يستمر بعدها في " فتح الكلام " و استضافة شخصيات أهم ما يملكونه قدرتهم على الكلام و هؤلاء أناس تجدهم بسهولة في مجتمع أصبح كل ناسه محللين يتكلمون " عمال على بطال " و يؤمنون بأنهم " فتايين " من الفتوى ، و لا يجدون حرجاً في ذلك بل لا يمنعهم عنه موروثنا الديني الذي يقول : " و هل يكبُّ الناسَ على وجوهِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم " * .
أحد مقدمي هذه البرامج يحكي بنفسه - كطرفة - موقفاً عن أحد ضيوف البرنامج حضر إلى الاستوديو و ظهر معه على الهواء و ظل ساعة يبادله الحديث حتى كادت تفوته طائرته ، لكن لحسن الحظ استطاع الوصول إلى المطار في الوقت المناسب حيث استقل الطائرة من مطار القاهرة إلى إحدى العواصم العربية و هناك وجد مستقبليه في المطار الذين رافقوه إلى الفندق ثم دخل غرفته و غير ملابسه و حاول النوم لكن الأرق أصابه فجلس على سريره و أخذ يقلب في قنوات التليفزيون ليكتشف أن البرنامج الذي كان ضيفاً عليه لا زال مستمراً و المذيع ذاته مستمر في الكلام ، فما كان من الرجل إلا أن هاتف البرنامج و عندما تم إيصال صوته إلى الاستوديو و خاطبه المذيع على الهواء صاح مستاءاً : " أيه يا أخي أنت لسة ع الهوا " .
الوقت الطويل جداً الذي أصبح عادياً أن يمنح لهذه العروض مفيد للغاية بالنسبة لأصحاب القنوات و منتجيها ؛ فرغم التكلفة العالية جداً للديكورات و الأجور المبالغ فيها - غالباً - للمذيعين ، إلا أن هذه الساعات لو ملئت بمادة تليفزيونية منتجة خاصة للقناة أو مشتراة من منتجين آخرين لكلفت القنوات دفع أموال طائلة ، كما أن المعلنين و الرعاة يقبلون على هذه البرامج لتبقى أسماؤهم و تنويهاتٌ عن منتجاتهم مرشوقة في ظهر المذيع و الضيوف و في الفواصل الإعلانية أطول وقت ممكن . لكن بالنسبة لنا كمشاهدين ، و إذا أخذنا في الاعتبار القاعدة التي يعرفها الجميع و التي مفادها أن ما يبقى في ذهن مشاهد التليفزيون أي ما يستفيد به من مشاهدته هو الصور التي رأتها عيناه و سجلها بالتبعية عقله . تبعا لهذه القاعدة يصبح ما يفيدنا من هذه البرامج ليس إلا أقل القليل و يكون علينا مراجعة ما نشاهده منها و الاكتفاء بما ينفعنا إن لم يراجع المسؤولون عن القنوات التليفزيونية العربية أنفسهم و يعرفوا أنهم في مقابل مكاسبهم المادية عليهم واجب تجاه الجمهور مثلهم في ذلك مثل كل الممارسين للأنشطة التجارية و الصناعية الأخرى .
يا أصحاب القنوات الفضائية المسألة مش فلوس و خلاص ، احترموا عقول جمهوركم ؛ ليظل جمهوراً لكم .
_________________________
برامج الكلام يمكن ترجمتها أيضاً بالعامية المصرية إلى مسميات أقل تهذباً و أكثر إيضاحاً مثل أن نقول : برامج الرغي أو برامج الرطّ أو غير ذلك مما يشير إلى الحالة القديمة التي يطلق عليها قعدة مصاطب ، و طبعا برامج الكلام في معظمها لا تزيد عن قعدة المصاطب إلا في نقل القعدة إلى الاستوديوهات و استبدال المصاطب - أحياناً - بدكك .
هذه النوعية من البرامج لا أستطيع أنا أو غيري أن ننكر نجاحها و أهميتها أحياناً ، و ربما كان ذلك سبب تسميتها لدى الانجليز بالعروض الحوارية ( التشات شو Chat Show ) ذلك اللفظ الذي يبدو أكثر تأنقاً من اللفظ الأمريكي لأنه يتضمن معنى الحوار بما يشمله من مفاهيم راقية يوضع الكلام في إطارها .
إذاً فالمشكلة ليست في وجود هذه البرامج لكن و بشكل أساسي في المساحة الواسعة جداً و الوقت الطويل للغاية الذي تصل إليه حتى إن بعض مقدمي القنوات الرياضية يظل على الهواء ثمانية عشر ساعة من الرغي المتواصل فيما عدا بعض الفواصل الإعلانية يستمر بعدها في " فتح الكلام " و استضافة شخصيات أهم ما يملكونه قدرتهم على الكلام و هؤلاء أناس تجدهم بسهولة في مجتمع أصبح كل ناسه محللين يتكلمون " عمال على بطال " و يؤمنون بأنهم " فتايين " من الفتوى ، و لا يجدون حرجاً في ذلك بل لا يمنعهم عنه موروثنا الديني الذي يقول : " و هل يكبُّ الناسَ على وجوهِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم " * .
أحد مقدمي هذه البرامج يحكي بنفسه - كطرفة - موقفاً عن أحد ضيوف البرنامج حضر إلى الاستوديو و ظهر معه على الهواء و ظل ساعة يبادله الحديث حتى كادت تفوته طائرته ، لكن لحسن الحظ استطاع الوصول إلى المطار في الوقت المناسب حيث استقل الطائرة من مطار القاهرة إلى إحدى العواصم العربية و هناك وجد مستقبليه في المطار الذين رافقوه إلى الفندق ثم دخل غرفته و غير ملابسه و حاول النوم لكن الأرق أصابه فجلس على سريره و أخذ يقلب في قنوات التليفزيون ليكتشف أن البرنامج الذي كان ضيفاً عليه لا زال مستمراً و المذيع ذاته مستمر في الكلام ، فما كان من الرجل إلا أن هاتف البرنامج و عندما تم إيصال صوته إلى الاستوديو و خاطبه المذيع على الهواء صاح مستاءاً : " أيه يا أخي أنت لسة ع الهوا " .
الوقت الطويل جداً الذي أصبح عادياً أن يمنح لهذه العروض مفيد للغاية بالنسبة لأصحاب القنوات و منتجيها ؛ فرغم التكلفة العالية جداً للديكورات و الأجور المبالغ فيها - غالباً - للمذيعين ، إلا أن هذه الساعات لو ملئت بمادة تليفزيونية منتجة خاصة للقناة أو مشتراة من منتجين آخرين لكلفت القنوات دفع أموال طائلة ، كما أن المعلنين و الرعاة يقبلون على هذه البرامج لتبقى أسماؤهم و تنويهاتٌ عن منتجاتهم مرشوقة في ظهر المذيع و الضيوف و في الفواصل الإعلانية أطول وقت ممكن . لكن بالنسبة لنا كمشاهدين ، و إذا أخذنا في الاعتبار القاعدة التي يعرفها الجميع و التي مفادها أن ما يبقى في ذهن مشاهد التليفزيون أي ما يستفيد به من مشاهدته هو الصور التي رأتها عيناه و سجلها بالتبعية عقله . تبعا لهذه القاعدة يصبح ما يفيدنا من هذه البرامج ليس إلا أقل القليل و يكون علينا مراجعة ما نشاهده منها و الاكتفاء بما ينفعنا إن لم يراجع المسؤولون عن القنوات التليفزيونية العربية أنفسهم و يعرفوا أنهم في مقابل مكاسبهم المادية عليهم واجب تجاه الجمهور مثلهم في ذلك مثل كل الممارسين للأنشطة التجارية و الصناعية الأخرى .
يا أصحاب القنوات الفضائية المسألة مش فلوس و خلاص ، احترموا عقول جمهوركم ؛ ليظل جمهوراً لكم .
_________________________
سُئل حكيم الزمان عن الفرق بين التوك توك و التوك شو فأجاب : التوكتوك يأخذك من الشوارع الرئيسية إلى العشوائيات ، أما التوك شو فيوصل العشوائية إلى قلب بيتك .
نشر هذا المقال في عام ٢٠١٠
ردحذف