بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، ديسمبر 17، 2010

التوك بين الشو و التوك .. كلام عن برامج الكلام

   "برامج أو عروض الكلام " هذا المصطلح يبدو ترجمة مثالية لمصطلح ال " Talk Shows "و مع ذلك لن تجد أحد مقدمي أو منتجي هذه البرامج أو حتى المهتمين بها يستخدم الترجمة العربية بل يحرصون على استخدام اللفظ الأجنبي باعتباره معرباً و فيما يبدو يفعلون ذلك حتى لا يفقد الاسم بريقه ، فالاسم إذا تناوله المشاهدون بالبحث أو أمعنوا في تأمله لانصرفوا عن متابعة هذه النوعية من البرامج خوفاً على ضياع وقتهم فيما لا ينفع .
  برامج الكلام يمكن ترجمتها أيضاً بالعامية المصرية إلى مسميات أقل تهذباً و أكثر إيضاحاً مثل أن نقول : برامج الرغي أو برامج الرطّ أو غير ذلك مما يشير إلى الحالة القديمة التي يطلق عليها قعدة مصاطب ، و طبعا برامج الكلام في معظمها لا تزيد عن قعدة المصاطب إلا في نقل القعدة إلى الاستوديوهات و استبدال المصاطب - أحياناً - بدكك .
  هذه النوعية من البرامج لا أستطيع أنا أو غيري أن ننكر نجاحها و أهميتها أحياناً ، و ربما كان ذلك سبب تسميتها لدى الانجليز بالعروض الحوارية ( التشات شو Chat Show ) ذلك اللفظ الذي يبدو أكثر تأنقاً من اللفظ الأمريكي لأنه يتضمن معنى الحوار بما يشمله من مفاهيم راقية يوضع الكلام في إطارها .
  إذاً فالمشكلة ليست في وجود هذه البرامج لكن و بشكل أساسي في المساحة الواسعة جداً و الوقت الطويل للغاية الذي تصل إليه حتى إن بعض مقدمي القنوات الرياضية يظل على الهواء ثمانية عشر ساعة من الرغي المتواصل فيما عدا بعض الفواصل الإعلانية يستمر بعدها في " فتح الكلام " و استضافة شخصيات أهم ما يملكونه قدرتهم على الكلام و هؤلاء أناس تجدهم بسهولة في مجتمع أصبح كل ناسه محللين يتكلمون " عمال على بطال " و يؤمنون بأنهم " فتايين " من الفتوى ، و لا يجدون حرجاً في ذلك بل لا يمنعهم عنه موروثنا الديني الذي يقول : "  و هل يكبُّ الناسَ على وجوهِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم " * .
  أحد مقدمي هذه البرامج يحكي بنفسه - كطرفة - موقفاً عن أحد ضيوف البرنامج حضر إلى الاستوديو و ظهر معه على الهواء و ظل ساعة يبادله الحديث حتى كادت تفوته طائرته ، لكن لحسن الحظ استطاع الوصول إلى المطار في الوقت المناسب حيث استقل الطائرة من مطار القاهرة إلى إحدى العواصم العربية و هناك وجد مستقبليه في المطار الذين رافقوه إلى الفندق ثم دخل غرفته و غير ملابسه و حاول النوم لكن  الأرق أصابه فجلس على سريره و أخذ يقلب في قنوات التليفزيون ليكتشف أن البرنامج الذي كان ضيفاً عليه لا زال مستمراً و المذيع ذاته مستمر في الكلام ، فما كان من الرجل إلا أن هاتف البرنامج و عندما تم إيصال صوته إلى الاستوديو و خاطبه المذيع على الهواء صاح مستاءاً : " أيه يا أخي أنت لسة ع الهوا " .
  الوقت الطويل جداً الذي أصبح عادياً أن يمنح لهذه العروض مفيد للغاية بالنسبة لأصحاب القنوات و منتجيها ؛ فرغم التكلفة العالية جداً للديكورات و الأجور المبالغ فيها - غالباً - للمذيعين ، إلا أن هذه الساعات لو ملئت بمادة تليفزيونية منتجة خاصة للقناة أو مشتراة من منتجين آخرين لكلفت القنوات دفع أموال طائلة ، كما أن المعلنين و الرعاة يقبلون على هذه البرامج لتبقى أسماؤهم و تنويهاتٌ عن منتجاتهم مرشوقة في ظهر المذيع و الضيوف و في الفواصل الإعلانية أطول وقت ممكن . لكن بالنسبة لنا كمشاهدين ، و إذا أخذنا في الاعتبار القاعدة التي يعرفها الجميع و التي مفادها أن ما يبقى في ذهن مشاهد التليفزيون أي ما يستفيد به من مشاهدته هو الصور التي رأتها عيناه و سجلها بالتبعية عقله . تبعا لهذه القاعدة يصبح ما يفيدنا من هذه البرامج ليس إلا أقل القليل و يكون علينا مراجعة ما نشاهده منها و الاكتفاء بما ينفعنا إن لم يراجع المسؤولون عن القنوات التليفزيونية العربية أنفسهم و يعرفوا أنهم في مقابل مكاسبهم المادية عليهم واجب تجاه الجمهور مثلهم في ذلك مثل كل الممارسين للأنشطة التجارية و الصناعية الأخرى .
  يا أصحاب القنوات الفضائية المسألة مش فلوس و خلاص ، احترموا عقول جمهوركم ؛ ليظل جمهوراً لكم .
_________________________


سُئل حكيم الزمان عن الفرق بين التوك توك و التوك شو فأجاب : التوكتوك يأخذك من الشوارع الرئيسية إلى العشوائيات ، أما التوك شو فيوصل العشوائية إلى قلب بيتك .

هناك تعليق واحد:

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

تمديد فترة التسجيل في الدورة السادسة من المهرجان الدولي للسينما البيئية في قابس حتى 15 فبراير 2025 عند منتصف الليل

  أعلنت إدارة المهرجان الدولي للسينما البيئية في قابس، تونس عن تمديد فترة التسجيل للمشاركة في دورته السادسة، المقرر انعقادها في الفترة من 12...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله