قبل سنواتٍ ثلاث و تحديداً يوم 28 يناير كان صوت مذيع الهواء المختفي داخل أحد ستوديوهات ماسبيرو يخاطب الناس في بيوتهم الدافئة عن حال البلد المستقر و أن لا صحة لما يشاع عن حرائق بمؤسسات عامة ، في نفس اللحظة كانت شاشة التليفزيون المصري تنقل على الهواء صورة لمبنى الحزب الوطني المركزي و مبنى المجالس القومية المتخصصة و النار تأكلهما ، و لا تُنسى أبداً حركة ( الزووم ) التي قام بها مصور مجهول على إعلان ضخم فوق مبنى الحزب يقول : علشان تطمن على مستقبل ولادك . و كان الدخان يتصاعد في الخلفية .. هذا التتابع فهمه معظم الناس : سقط النظام ، سقط رغم أن صوت المذيع كان يبذل جهده محاولاً إقناع الناس بالعكس ، إقناع الناس بما لا يستطيع هو نفسه تصديقه لأن الصورة التي ينقلها زملاؤه أنفسهم منفصلة تماما عن ما يقول
مرت السنوات ، بحلوها و مرٍّها ، بآمال حملتها
و إخفاقاتٍ حققناها ، و لا يريد الإعلام المصري أن يتعلم . يصر دائماً على لعب دور
الدبة التي تقتل صاحبها فقط لتهش ذبابة عن وجهه
قبل أيام قلائل ، حدث ما يذكره الجميع من
تنحية الفريق السيسي من ترشيحات مجلة التايم الأمريكية لشخصية العام ، و السبب كان
هو الحشد الذي قامت به قنواتنا الإعلامية المكتوبة و المسموعة و المرئية من خلال مواقعها الإلكترونية لحث و توجيه
الأصوات من الجمهور المصري الذي غالباً لا يقرأ المجلة أو حتى يهتم بها ليرفع
ترتيب الفريق من موقعه المتأخر فيحتل مكانة المغنية المثيرة للجدل – و أشياء أخرى –
مايلي سايرس
فغر الإعلاميون المصريون أفواههم
عكفوا على تحليل الموقف من خلال نظرية
المؤامرة محاولين التنصل من مسئوليتهم ، محاولين تجاهل الحقيقة أو مغافلة البسطاء
الذين لا يعرفون أن ما حدث هو نوع من التزوير ، لعب غير شريف في النتائج ، سرقة
بينة لأصوات المهتمين لصالح الجهلاء و المتعصبين
ما علينا ، ليست تلك مشكلة عويصة ، في النهاية
وجد الحق من يعيده لأصحابه و غادر المزورون مجللين بالعار ، طبعاً حدث ذلك لأن
المجلة أمريكية ، و المتابعين من ثقافة رحمها الله من شوائب ثقافتنا الشائهة
لكن الآن ، مرة أخرى ، نجد أنفسنا أمام تصويت
من المفترض أن يؤثر في مستقبل أبنائنا لعقودٍ قادمة ، و كنا نعتقد أن الإعلام
المصري الرسمي و شبه الرسمي ( طبعاً يعرف الجميع الآن أن لا إعلام مستقل في مصر )
تعلم الدرس ، و سيحرص أن تكون نتيجة التصويت نزيهة أو على الأقل تبدو كذلك ؛ لكن
للأسف ليس هنا أو هناك من يتعلم من أخطائه ، مرة ثانية و ثالثة يحشد الحاشدون ليس
فقط للتصويت لكن تحديداً للتصويت بنعم ، و هو ما يعد تزويراً للاستفتاء قبل أن
يبدأ ، يحاولون إقناع الناس أن الذهاب للاستفتاء واجب قومي ، و أن التصويت بنعم
جهاد في سبيل الوطن و ليس مجرد تعبير عن الرأي في مواد دستور كتبه بعض المواطنين و
يحتاج اعتماد باقي الشعب ليصبح سيفاً على رقاب الجميع ، لا يؤذي من يسايره و يجتث
رأس المخالف
أليس ذلك نفسه ما قيل إنه سبب الخروج على
الدستور الموقوف العمل به ، الدستور الذي استفتي عليه قبل شهور ، و قيل إن إيهام
البسطاء أن إقراره جهاد في سبيل الله ، كان ذلك سبب سقوطه لأن إرادة الناخب زورت
الآن نصرُّ مرة أخرى على لعب نفس الدور لإنجاز استفتاء مزور سيجد غالباً من يخرج عليه بعد أيام أو شهور ، و تظل بلدنا المسكين و مواطنونا الفقراء يعتصرهم حالهم و يتخبطون بين النخب ممن يتبادلون المناصب و السجون ، و يلعبون لعبة الكراسي الموسيقية أمام شاشات الفضائيات التي أصبحت لعبة – كما يقول أهلنا في الصعيد – ماسخة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق