فوجِئْتَ - أو لم تفاجأ - قرر أمنُ التليفزيون تفتيش أكياس الطعام ،
قراطيس الطعمية و علب الكشري ماركة " أبو محمد " ، و ربما أيضا أرباع
الكفتة و الطرب المستقدمة من " علي هوهو " الشهير بعلي عيد
كل الطعام الذي يدخل التليفزيون سيتم تفتيشه ، لكن لماذا ؟
يا
للعجب ؛ السبب هو حماية تراث التليفزيون ، نعم، تراث التليفزيون الذي تم
تسريبه على مدار عقود مضت إلى القنوات و الوكالات و شركات الإنتاج، سيحميه
قطاع أمن التليفزيون عن طريق التضييق على أقراص الطعمية و أصابع الكفتة
المسربة إلى داخل التليفزيون
إلى هنا ، لم ينتهِ الخبر
فقطاع
الأمن يعلن أيضاً أن الفلاشات و الهاردات ، أي جميع وسائل تخزين و نقل
المعلومات و الفيديو ممنوعة ، و طبعاً كما هو العرف في المؤسسات الحكومية
العريقة في البيروقراطية ، ليس المنع مطلقاً فيمكن لمن يرغب من العاملين ،
حرصاً على سير العمل ، تمرير فلاشةٍ بعد الحصول على تصديقٍ على طلب منه
للإدارة التي ينتمي إليها و التي سترسل طلبه بعد إعتماده إلى قطاع الأمن
ليصدِّق عليه و يسمح له باصطحاب ما يرغب من وسائط التخزين ، اﻷمر بهذه
البساطة إذا؟
لكن عفوا ، من يملك الخبرة في جهاز حكومي يدرك طبعاً أن انتقال الملفات
عبر اﻹدارات ليس بهذه البساطة ؛ فالإدارة اﻷولى ستنقل الطلب بين مدير مباشر
إلى مدير أو مديرين أعلى ، الذين سيوجهونه بدورهم إلى إدارة عامة ، تدفعه
إلى إدارة مركزية تأخذه إلى رئيس قطاع يصدق و يعيد توجيهه إلى رئيس قطاع
اﻷمن الذي سيوافق و يرسله ، إلى اﻹدارة المركزية المختصة ، فرضا اﻹدارة
المركزية ﻷمن الفلاشات و الهاردات ، و المصيبة أن يكون لكل منهما إدارة
مركزية منفصلة فيرسل نسخة من الطلب إلى كل منهما تقوم هي اﻷخرى بالموافقة و
تعميم صورة من الطلب - يعني نشره - إلى كل إدارة تابعة ، لتخبرهم أن
فلاناً الموظف في هذا الجهاز العظيم العريق ، مسموح له بتمرير فلاشة تحمل
بعض اللقطات أو الصور المهمة التي يجب إذاعتها على وجه السرعة ، و كل ذلك
لضمان سير العمل على أكمل وجه
طبعاً معروف أنه بنهاية هذه الدورة ، سيكون مقدِّمُ الطلب إما استغنى عن
المادة الموجودة على الفلاشة أو باع الفلاشة نفسها ، أو انتهى به الحال
لتوقيع عقد عمل مع قناة خاصة أو وكالة عربية أو أجنبية ، أو هاجر إلى أي
دولة للعمل بها و استغنى عن التليفزيون نفسه و البلد برُمَّتِها
نهاية ، لا بد للعاملين بأمن التليفزيون من معرفة طبيعة الجهاز الذي
يؤمِّنونه ، و إدراك أن الحرية في تداول المعلومات و نقلها بكل الوسائل
الممكنة ، هي أساس العمل فيه بدونها لا تعود للتليفزيون أي فائدة ترجى
يجب على المسئولين أيضاً ، إدراك أن الحفاظ على تراث التليفزيون ليس
مهمتهم و لا يستطيعون أصلاً القيام به ، إنما هي مهمة الجهاز القانوني
الضخم - الموجود فعلاً - مع اﻷقسام المختصة بمتابعة القنوات التليفزيونية ،
و دورهم الحقيقي في ملاحقة القنوات و الشركات التي تستغل المواد و البث
التلفزيوني المملوك للتليفزيون المصري دون الحصول على إذن باستخدامه
اﻷمر
كذلك إذا ، أما أسلوب تضييق الخُنَّاق و الإمساك بتلابيب كل من يفكر من
العاملين في القيام بعمله كما يجب و بما يُحتِّمه عليه ضميرُه ، عمله كما
يمارسه في القطاع الخاص و القنوات اﻷجنبية ، أبشركم أن هذا الأسلوب لن يؤدي
إلا إلى المزيد من التردي و رحيل الكفاءات و هجرتها إلى حيث تجد الفهم و
المهنية و الحرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق