عيد الأب بعين مصورة مغتربة
مرت السنوات و تقاذفتها ويلات الحياة و كانت الطفلة تحس فقد أبيها ، و الأم لا تعرف كيف تزيل عنها ما رسخ في ذهنها من ذكريات قليلة للأب يلاعبها و يداعبها .. يراقصها و يضحك معها ؛ فما كان من الأم إلا أن لجأت لحيلة قص صورة الأب من كل صورهم ، لكنها لم تحسب في ذهنها قاعدة كنا ندرسها و يدرسها طلبة الفنون حتى الآن : " التفاصيل التي لا تدركها العين يكملهاالعقل" . هذا ما حدث بالفعل .. عاشت الصغيرة و كبرت مع ذكرياتها و صوها القديمة مخلقة في ذهنها صورة مثالية لأب مفقود ، شكلته بمزاجها ، حرفته و طورته بما يوافق نموها و يرافق تحور جسدها و تبصر عقلها و مراوغة ذاكرتها ، حتى مرت اﻷعوام ، اثنتي عشرة سنة تفتش عن مفقودها ، و تخيب إخفاقا بعد إخفاق ، حتى جاء اليوم .. دون مقدمات وجدت أباها الذي ما فتئ يبحث عنها .. اللهفة حديث و الواقع أصم و جدت رجلا بعد خمس عشرة سنة ، لكنه لم يكن أباها ، أبوها الذي التصق بفراغات الصور كان حالة أخرى مختلفة تماما عما أقره الواقع لها . الرجل العجوز الواقف ببابهم لم يكن الأب الشاب الذي ظل يراقصها في لحظات الفرح و يربت كتفها كلما أخفقت ثم يعود ليستريح في فراغات الصور المخبأة داخل رأسها متوارية عن مقص الأم الصارمة التي لا تؤمن بالخيال. بعد سنوات الاغتراب المرة وصلت محطتها الأخيرة فوجدت أبا لا تستطيع التواصل معه حتى لغته غير لغتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق