مرحبًا بكم في ديدالوم مجمع الفنون

منصة الفن والأخبار الثقافية الرائدة

أحدث الأخبار والمقالات

‏إظهار الرسائل ذات التسميات السودان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السودان. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، أكتوبر 09، 2023

وينجي.. قصة أورويلية بائسة تعتريها البهجة

 

وينجي.. قصة أورويلية بائسة تعتريها البهجة

 




  هو كارتون لكنه ليس للصغار، إنه للكبار فقط.. كبار العقول والقادرين على التلقي الواعي والاستمتاع بحالة من النقد السياسي والاجتماعي بل والتاريخي.. 


  فيلم وينجي ينحت بمبضع جراح على صخرة حية صورة دولة تحتفي بكل شيء: بالتطرف الديني والتطرف الأيديولوجي وحتى التطرف الجنسي، لكنها فقط تقتل أبناءها المبدعين.


  وينجي، كما يشير صانع الفيلم الفنان إبراهيم سيد، كلمة نوبية تعني (نجم).. 

  في ظاهره، يحكي العمل قصة نجم من عامة الشعب يعلو صوته وينتشر صيته مما يثير حنق الحاكم (الكل في الكل) الذي لا يتصور أن صوتًا قد يعلو فوق صوته، أو أن شخصًا من كتلة الشعب قد يبرز عن المجموع بحيث يصبح مرئيًا للجميع، فيحدث الصدام غير المتكافئ الذي ينتهي بقتل النجم. أما ما بين السطور فتتخفى حكاية أكبر، حكاية صراع أخرس بين شعب خانع وحاكم متسلط.. إنها القصة ذاتها التي تنتهي كل مرة بثورة جديدة.


  يمكننا أن نحدد مكان أحداث فيلم التحريك السياسي (وينجي) على أنه السودان؛ فصانع الفيلم سوداني وألوان بشرة الشخصيات ملونة بدرجات البني الأقرب إلى سمرة أهل النوبة شمال السودان، والموسيقى في الخلفية تتردد من خلال السلم الخماسي الذي يشيع في نفس المنطقة، بل حتى اسم الفيلم تم اختياره باللغة النوبية وهو نوع من الإشارة إلى منطقة ومنطق الأحداث، لكن الفيلم يقودنا في اتجاه آخر إلى التسليم بأن المكان ليس كما يبدو لأن الأحداث قد تقع في أي مكان حيثما يوجد حكم شمولي في يد فرد يتمادى ويجد نفسه جديرًا بأن يكون كل شيء ولا يمثل الشعب بالنسبة إليه إلا جمهورا يجلس في مقاعد المتفرجين بينما بطانته/جوقته/رجاله يتولون مسألة تأليهه ليس في عقل جموع الناس، الكتل الصامتة فقط، بل أيضًا في عقله هو نفسه.


  يفرق الفيلم بحدة بين عالمين، عالم الحاكم وحاشيته في قلعته ذات الألوان الساخنة الزاهية فوق التل الأعلى، وعالم الشعب القانع الخانع في منازله بألوان الأرض الباهتة عند السفح، لكن العالم الأول عالم مزيف للغاية، والآخرون عالمهم حقيقي بعمق.. بينما تمثل بيوت الشعب كتلا متداخلة، كأنها وحوش خرافية ذاهبة في سُباتٍ عميق، تظهر في مجموعها كما لو كانت كتلة واحدة؛ نجد بيت الحاكم براحا يتسع ولا يسع غيره. 


  مع الشعب تظهر حيوانات حقيقية مستأنسة رغم أصلها الوحشي (القطة والكلب) نجدهم بين الناس، والجميع لا يختلفون في الهيئة أو السلوك فقط الحجم، أو المساحة التي يشغلها كل فرد، أما في بيت الحاكم لا نجد إلا بطة بلاستيكية ترافقه في مسبحه ولا تعني شيئا أكثر من كيان مزيف.. على ستار الحمام نرى صورة الحاكم مفتول العضلات مُسَوْبَرًا (نسبة إلى هيئة سوبرمان)، لكنه في الحقيقة لا يمت إلى هذا التصور بأي قدر من الصلة.. مجرد زيف نرى تفاقمه، بشكل لا لبس فيه، في مشهد بسيط مكثف حيث يمر الحاكم بموكبه شديد الفخامة في سيارته التي بدت طويلة للغاية، يتقدمها حارسان ذوا فخامة بملابسهما الأنيقة على ظهر دراجتين بخاريتين توحيان بالعظمة والثراء، كل ذلك يمر بامرأة عجوز قعيدة من عامة الشعب تتحرك فوق قاعدة بعجلات دقيقة هي أقرب إلى الزحافة التي يستخدمها بعض الشحاذين لاستعطاف الناس، ويرفع الحاكم يده محييًا جمهورًا ليس موجودا أصلا، وأمام هذا المشهد العبثي، تجد العجوز نفسها تضحك (بعد أن يمر الموكب) فهي لا تستطيع أن تعبر عن مشاعرها الحقيقية إلا في غياب صاحب الدولة وأصحاب صاحب الدولة وذيولهم.


وينجي.. قصة أورويلية بائسة تعتريها البهجة




  يبدأ الفيلم بنص مكتوب باللغة الإنجليزية، لماذا الإنجليزية؟!

  يظهر أن لذلك دلالة واضحة على أن إبراهيم سيد لا يريد لفيلمه أن يصنف كفيلم محلي، وربما هو يطمح أساسا لمخاطبة الخارج، أو ربما يكتفي من جمهور الداخل بالمثقفين/المتعلمين القادرين على متابعة فيلم يبدأ بنص إنجليزي، وفي كل الأحوال نرى إيهاما بالخوف يُضمِر تهكما واضحا وسخرية من فكرة تقييد الحرية.. يقول النص:

"ليست هذه قصة حقيقية.. صدقوني.. لأن لدي عائلة تحتاجني".

النص يجعل الفكرة واضحة إلى حد بعيد، لكن ككل الفنانين أصحاب القضايا يعود صانع الفيلم فيؤكد فكرته من خلال مشهد افتتاحي نرى فيه مجموعة، أسرة من أب وأم وأخ أكبر وحتى قط الأسرة، الجميع يجلسون في هيئة كتل كأنها من جرانيت أصم بعيون ضيقة هي الشيء الوحيد لديهم الذي يتحرك، لا نقول حتى إن أفواههم مغلقة؛ لقد أغفل مصمم الشخصيات رسم فم لأي منهم، أما الابن الأصغر فيخالف الجميع، يخرج عن الصمت، يرفع يده ويفتح فمه ويصيح.. يهتف مناديا بصوت لا نتمكن حتى من سماعه، لكن فوهة بندقية تمتد، لا نرى من يحملها، تُخرس الصوت الوحيد إلى الأبد ولا تترك منه إلا بقعة دم هي اللون الساخن الوحيد في صورة تعمها البُنِّيَّات وتفترش السماويَّ الباهت. 


  بعد هذه المقدمة المكثفة التي ترشد المتلقي إلى استقراء معانٍ يريد الفيلم أن تصل إلى كل متلق دون التباس، وبنفس القدر من الوضوح؛ دون أن يتخلى عن فنيته، تبدأ الأحداث بوصول فنان يبدو بهيئة الأراجوز التقليدي، بل إن الشاشة التي يظهر من خلالها تشبه مسرح الأراجوز التقليدي الذي كان جزءًا من التراث الفني عندنا في مصر والسودان وكذلك في كثير من بلدان الشرق الأوسط، تمثيليات الأراجوز لم تكن مجرد أداة للتسلية بل كثيرًا ما حملت نقدًا إجتماعيًا وسياسيًا لاذعًا، كما استُخدمت أحيانًا في إيصال رسائل ضد الاحتلال والفساد. هل ننسى الفيلم الرائع (الأراجوز) للمخرج هاني لاشين من بطولة عمر الشريف وهشام سليم رحمهما الله، وكيف ظهر من خلاله الدور التوعوي للأراجوز والطبع الثوري للفنان الذي يُعبر من خلاله عن مشاعره ومشاعر عموم سكان القرية.


  الفم على الشاشة.. بعرض مساحتها نرى شفتين مكتنزتين، ويبدو أن هذا الرمز في المجتمع الذي يصوره الفيلم يعتبر جريمة تستدعي حضور ممثلي السلطة: شرطي بشارب كث، وطائر غريب بمنقار طويل، ربما هو غراب أو نوع آخر من الطيور لها خواص الغراب المنفرة لا سيما ارتباطه بالبين، وعنكبوت يظهر أنه من تلك الفصيلة السوداء السامة من العناكب. كل هؤلاء يقلقهم اجتماع الناس حول الأراجوز، لكن الأراجوز يغني فتصدح أغنية أمريكية معروفة لتشوبي تشيكر (The Twist) والتي تقول:

  تعالوا جميعًا

  صفقوا

أنتم رائعون

  سأغني أغنيتي

  لن تستغرق وقتًا طويلا


  الموسيقيُّ يجمع الناسَ حوله، والموسيقى تحلق بعيدًا، وتخترق جدران قلعة الحاكم الذي يرتبك ويجري نحو النافذة متلصصا على ما يحدث هناك بين جموع شعبه، يستخدم منظارًا معظمًا مكتوبًا عليه بوضوح 1984، إنها علامة محيرة، ما الذي تعنيه، قد تكون إشارة مباشرة للتاريخ، يجوز ذلك؛ ففي هذا التاريخ بدأت في السودان اضطرابات على حكم جعفر النميري انتهت بإقصائه عن الحكم بعد عام واحد أو أقل، وفشلت كل مساعيه للسيطرة على الأوضاع مما جعل طائرته القادمة من أمريكا تغير مسارها وتهبط في القاهرة ليظل فيها خمسة عشر عامًا قبل أن يفكر في العودة إلى بلده ونشاطه السياسي، هناك إشارات في فيلم وينجي قد تؤكد أن المقصود بالحاكم يمكن أن يكون النميري، لقد بدأ حياته السياسية بميل واضح للشيوعية ثم تحول إلى التيارات الدينية المتشددة، ثم حاول مداهنة كل من قد يساعده على إبقاء مقاليد الحكم في يده، لكننا رأينا منذ بداية الفيلم ميل صانعه إلى أن تكون قصته ذات طابع عالمي، إذا أخذنا ذلك في الاعتبار يمكننا الانتباه إلى أن الرقم 1984 هو إشارة لرواية جورج أورويل التي تحمل نفس الاسم، هذه الرواية التي كتبت عام 1948 وكانت تدور حول ديستوبيا مستقبلية، فكانت تتنبأ بصورة العالم أو الدولة (إنجلترا) في المستقبل، بالنسبة للزمن الذي كتبت فيه الرواية كان عام 1984 يمثل مستقبلًا، حيث يصور أورويل دولة تحكمها مؤسسة شمولية يفقد المواطن فيها حريته ويتحول إلى ترس في آلة الوطن المُتَرَّسَة، تشبه الرواية واقع الفيلم مع اختلاف بسيط أن الدولة في الفيلم حالها أكثر مأساوية لأن من يديرها حاكم فرد مؤله.


  يرغب الحاكم منذ البداية في أن يتخلص من الأراجوز، الفنان، النجم الذي يأسر الجماهير، لكن رجله القوي، العسكري، تتفتق يده عن فكرة، وهنا أقول (تتفتق يده) ليس تجاوزًا، لكن صانع الفيلم يختار أن تخرج الفكرة من يده في إشارة واضحة لمصدر قوة هذه الشخصية، اليد رمز القوة والبطش والسلطة، تخرج الفكرة كأيقونة تقليدية، مصباح يبرز من يده ويتضخم ليقدم حلا آخر للحاكم، دون عنف، فقط أن يصبح الحاكم منافسًا قويًا للفنان، فينشئ مسرحًا مبهرًا، ويسميه كذلك (The Amazing Theatre)، وهو عمل يذكرنا بقصة قديمة في تراثنا العربي، وهي قصة أبرهة الحبشي وكعبته التي أنشأها في اليمن وزينها بكل ما يخطر أو لا يخطر على بال لصرف عقول العرب عن بيت الله الذي بمكة المكرمة، لكنه يفشل لأن كعبته زائفة والكعبة التي بمكة قد لا تكون صرحًا ضخمًا لكنها بيت عبادة حقيقي، مكعب صغير يصل الناس بتاريخهم وثقافتهم وعقيدتهم، لذلك لم يتمكن أبرهة من هزيمة روح المكان، وكذلك لم يتمكن الحاكم من الانتصار في معركة المحبة التي تَحكمُها المشاعر وتُحَكِّمها القلوب.


  المقارنة بين موقف الفنان ومركز الحاكم لا يمكن أن تخدع إلا ساذج؛ الفنان يعرض فنه في ساحة عامة أو شارع مشاع، أما الحاكم فيقصر عروضه على مسرح ضخم، الأول يقدم عروضه لعامة الناس، نراهم يجتذبهم الصوت واحدًا واحدًا حتى يصيروا جمهورًا كثيفًا، والثاني يقدم عرضه لجمهور عجيب، يبدو كثيرا لكننا لا نرى منه إلا أيدي مرفوعة، وربما نتساءل عن استخدام الأيدي فقط وهل لذلك علاقة بالرجل العسكري الذي اتفقنا أن عقله في يده، هل كل هؤلاء مجرد أتباع لصاحب اليد القوية.. أي أنه جمهور زائف في مسرح زائف، ولتكملة الحالة فإن الفن الذي يقدمه الحاكم أيضا مجرد خداع، حيث يقبع الرجل العسكري في غرفة سرية يشغل من خلالها موسيقى مسجلة بينما يتظاهر الحاكم أنه يعزفها، وعندما يتعطل جهاز التسجيل يجد الحاكم نفسه في موقف شديد الإحراج يجعله كما يقال يقلبها ظلمة على الجميع.



وينجي.. قصة أورويلية بائسة تعتريها البهجة



  يسرع الحاكم لإنقاذ نفسه باستخدام التليفزيون الذي يرى من هم مثله أنه وسيلة لتزييف الحقائق، فيصور نفسه ملاكًا، أو سوبرمان يحارب الإرهاب الديني تارة (في صورة رجل بعمامة سوداء، يحمل في كل يد سيفًا)، والتطرف الأيديولوجي (في صورة مسلح شيوعي)، كما يقاوم جماعات الشذوذ الجنسي (في صورة مهرج بطرطور يشبه ما يرتديه الأراجوز لكنه ملون بألوان قوس قزح) هذا العالم المزيف الذي يتصدر نشرات الأخبار ليس إلا تمويها (كوموفلاج)، وفي الخلفية تدور مؤامرة خبيثة لشيطنة الفنان من أجل التخلص منه، فالدولة آخر الأمر تتقبل بصدر رحب كل الأفكار المتطرفة ومن يحملونها ويدافعون عنها، لكنها فقط تصدر حكما بإعدام فنانها الأوحد، الرجل الوحيد الذي تجرأ ففتح فمه، وتطاول ليرفع صوته بالغناء وراح ينشر البهجة في النفوس القاحلة.


  يتم إعدام الفنان، النجم؛ لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، يمكنهم فصل روح عن جسد لكن أحدًا لا يستطيع أن يزيل أثر هذه الروح الذي خلفته في قلوبٍ وعقولٍ أجهدها طول ما كتمت مشاعرها.. تشق الصرخة المحتبسة فمًا في وجه مواطن بسيط فتخرج ثورة تطارد ذلك الزيف، طوفان غضب أحمر يجعل الحاكم يفر في طائرته من هذا العالم الأورويلي الذي لن يكون موجودا بعد الآن، ويبقى الفنان فكرة كنجم في السماء بعد أن أعادت تضحيته تشكيل العالم.


  من خلال كارتون وينجي (نجم) رأينا كيف يميل إبراهيم سيد إلى اعتبار فن التحريك أداة للنقد السياسي، ووجدناه مؤمنًا بدور الفنان في المجتمع، لا يخامره شك في أن كل فنان قادر على المساهمة في التغيير من خلال دوره الريادي وربما من خلال التضحية بنفسه أحيانًا، لذلك وظف تقنيات الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد البسيطة، كما لم ينح إلى غموض وتعقيد التكنيك ليترك مساحة أكبر لطرح الأفكار، فمثلا فصل بين عالم الحاكم والمحكومين من خلال استخدام الألوان الساخنة عالية التشبع للأول، وألوان الأرض من البنيات والأخضر والأزرق المخضر للآخرين وبيوتهم، وعندما تجرأ الفنان فظهر مرتديا اللون الأحمر يعزف على آلة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، على خلفية زرقاء عالية التشبع، عُد ذلك جريمة استوجبت مجابهته وانتهت بقتله. 


  كذلك تم توظيف الرموز الواضحة مثل اختفاء الفم من وجوه عامة الشعب دليلا على خنوعهم وخضوعهم التام، عندما تعبر المرأة العجوز الكسيحة عن نفسها يظهر ذلك في صورة إيموجي دون أن تفتح فمها، فتح الفم ليس مسموحا إلا للحاكم الذي يملك فمًا ضخمًا يتحرك فكه السفلي حركة مبالغا في اتساعها مما يدل على النهم الذي لا يتسنى لأحد سواه، حتى حارسه المقرب عندما يطرح عليه فكرة الغناء يعبر عن ذلك من خلال مصباح يخرج من يده وليس فمه، وعندما تخرج الثورة تظهر أول ما تظهر في صورة شق يظهر مكان فم المواطن ينفتح عن فم ضخم يطلق الصيحة الأخيرة لزوال النظام.


  وينجي، كارتون نصنفه مخصصًا للمتلقي الواعي، لكبار العقول فقط.


أحمد صلاح الدين طه

8 أكتوبر 2023
dedalum.info@gmail.com

 




 


الأحد، سبتمبر 03، 2023

أكثر من سبعين فيلما قيد التقييم ومازال باب المشاركة مفتوحًا في مهرجان السودان لأفلام التحريك

 

مهرجان السودان لأفلام التحريك Apedemak Sudan International Animation Film Festival

 

 

 




  أفادنا الفنان التشكيلي إبراهيم سيد مؤسس مهرجان السودان لأفلام التحريك Apedemak Sudan International Animation Film Festival الذي يجري العمل على إخراج دورته الثانية في مارس القادم 2024، أن المهرجان تلقى ما يزيد عن سبعين فيلما مرشحة للزيادة في الأيام المقبلة لأن المهرجان لم يغلق باب تلقي المشاركات بعد، ويمكن لفناني التحريك وصانعي أفلام الرسوم المتحركة من جميع دول العالم المشاركة بأفلامهم من خلال ملء الاستمارة في الرابط التالي:


استمارة المشاركة .. اضغط هناااا



  وقد أعلن المهرجان عن لجنة التحكيم التي ستتولى فحص وتقييم الأفلام المشاركة وهي لجنة دولية تتكون من كل من (مع حفظ الألقاب): نيكولاس فتوح - لبنان،  محمد غزالة من مصر، عبد الغني كرم الله من السودان، محمد بيوض من المملكة المغربية، وأحمد مدبولي سليمان من مصر.

  أما ضيف شرف المهرجان السيد سردار زنكنة من كردستان العراق.
  يذكر أن مهرجان السودان لأفلام التحريك أقيم العام الماضي ومستمر في ظل تحديات صعبة يمر بها السودان الشقيق، لكنه أخذ على عاتقه مهمة النهوض بهذا الفن، واكتشاف الهوية من خلال الكشف عن القصص المحلية ذات القيم الإنسانية العالمية.


  يشار إلى أن باب الدعم مفتوح لكل جهة او مؤسسة او فرد مهتم لكي يدعم ويرعى المشروع الوليد.

 

 








 

 

الجمعة، أبريل 21، 2023

ممشى أهل مصر عيد الفطر ٢٠٢٣ الممشى مفتوح من الساعة ٩ كل عام وأنتم بخير

  ممشى أهل مصر لقطة من أمام كوبري السكة الحديد كوبري إمبابة وألذي أفتتح عام ١٨٩٢ في عهد إلخديو عباس حلمي الثاني، ويسمى أيضا كوبري الصعيد لأنه الجسر الوحيد على طول سكة القطار للصعيد الذي يعبر النيل، وكان يبلغ طوله 495 مترا. ثم تم تعديله ونقل جزء منه إلى دمياط وهو المعروف الآن بكوبري دمياط في عام 1927.

 

 

 

 

الخميس، يناير 27، 2022

نيركوك.. صغير السودان الذي مازال يعاني

 


 

 

   فجأة يظهر أمام سيارتك طفل صغير في هيئة رثة، يجري مذعورًا بطول الشارع، لا يميز الخطر، لا يأبه لأبواق السيارات التي تتفاداه.. تكاد أنت أيضا أن تصدمه بسيارتك؛ فتزعق بسخط من نجى لتوه من الوقوع في جناية يمكنها تدمير حياته: "شحاذ مغفل".. تتركه في طريقه وتنصرف لحال سبيلك دون أن تعرف كيف بدأت القصة.

 

   بدا الصغير ماهرًا.. نيركوك، ونيركوك ليس اسمًا، ذلك فقط لفظ يعني الصغير بلهجة أو لغة محلية في جبال النوبة، أما الاسم فلا ينكشف من البداية، هو مجرد صغير في مكان ما على الأرض، في كنف أبيه يجلس مطمئنًا، يتعلم، يكتب على اللوح الخشبي التقليدي كأنه في القرن الماضي، وأبوه إلى جواره يقرأ ما كُتب فوق لوح آخر.. حياة هادئة.. العصافير تزقزق بينما قلم البوص ينغمس في حاوية الحبر العتيقة قبل أن يُسمع فجأة صوت مباغت.. ينظر الأب للسماء وينظر الابن إلى الأب، السماء التي تحمل الهدوء والسكينة واليقين تتحول أمام الرجل إلى ساحة قتال، والأب الذي هو بدوره أمان الصغير.. نيركوك.. يصبح فجأة مذعورًا؛ فكل شيء يتحول، يحاول الأب تأمين ابنه فيهرول به إلى مخبأ بدائي ويتركه للظلام المطبق فنسمع نداءً أخيرًا: "أبوي"، لكن النداء لا يُجاب.

 

   نيركوك.. الفيلم السوداني الذي أنتج في 2016 وأخرجه وصوره ومنتجه الواعد محمد كردفاني يتتبع الصغير آدم حيث يظهر بعد سنتين في مكان ما يجرب يديه الماهرتين، لكن هذه المرة ليس في الكتابة بالحبر بل في فتح خزانة.. الكاميرا ليست مستقرة كما كانت عندما كان جالسًا إلى جوار أبيه في قريته يتعلم الكتابة.. الآن الكاميرا مهتزة، والصورة ضحلة الوضوح، مساحات الظلمة داخل الكادر لها السيادة، والإضاءة الزرقاء بغموضها حاكمة، وفي الخلفية صوت غطيط خفيف، يبدو أن رجلًا مجهدًا ينام هنا، الصغير أيضًا مجهد من قفل الخزانة المحكم.. تسقط آلة من يده فيستيقظ النائم الذي يبادر بفتح النور فتتغير ألوان الكادر وتتوارى الظلمة قليلًا، يخرج الرجل مسدسه، لكن الصغير يكون قد فر عبر النافذة.

 

   نيركوك، الصغير السوداني صيرته الحرب لصًا محترفًا، يساكن أطفالًا آخرين كما لو كانوا جميعًا نتاج الحرب أو صراعات أخرى انتهت بهم إلى رعاية مازدا الشاب متوسط العمر الذي يستغل براءتهم كلًا حسب إمكانياته، فهو معلم ومربٍ، لكنه ليس فاضلًا كما يوصف المعلمون، إنه يعلمهم السرقة وتطفيش الأقفال، والتسلل عبر الأبواب المغلقة والنوافذ المواربة، والخائب منهم الذي لا يتمكن من إجادة أي من تلك الفنون يدفعه إلى التسول.. مؤسسة رعاية كاملة تأخذ بأيدي اليتامى من الشارع القاسي رأسًا إلى جهنم.

 

   صوت أذان الفجر وصعود نوره ذي اللون السماوي رويدًا على الشوارع التي ذكرتني – عن نفسي- بمدن الصعيد القصية ينهي مغامرة الأمس الفاشلة في عالم الجريمة، ومع انفراج طاقة النهار تأتي الصغيرة آمنة التي تنصحه بالعدول عن طريقه، في حوار بسيط قد يكون تقليديًا.. سمعناه ربما في أفلام قديمة، لكنه يفي بالغرض، يجعل الصغير يعيد حساباته ويفكر جديًا في اللجوء إلى الحلال: "جنيه على جنيه يصيرون جنيهين".

 

   سكة الحلال طويلة لكنها تبقى نظيفة.. تبقى حلالًا، لكن مازدا شيطان الفيلم يأبى إلا أن يحتفظ بتلميذه النجيب، لا أحد مثل آدم من الأطفال الآخرين الكسالى.. يقنعه بالتهديد وبحبس ملاكه الصغير (آمنة) في غرفة ذات باب حديدي محكم الغلق، بالمنطق أيضًا.. نعم بالمنطق.. منطق إبليس.. يحاول إقناعه أن الله جعل الحرب تشرده وتقضي على أبيه وتطرده من بلده حتى جاء حافـيًا فتلقاه مازدا وعلمه صنعة المجازفة بالسطو على البيوت وفتح الخزائن.

 

   يقول له: "سنواتٍ وأنا أسأل الناس فيدفعونني ويقولون لي الله يعطيك، الله ما أعطاني، حقي أنا أخذته بيدي". الصغير لا يقتنع، لكن لا مهرب آخر أمامه، يعود مع شيطانه لسرقة نفس البيت الذي أموه بالأمس، كادا ينجحان إلا أن صاحب البيت يعود فجأة ويقتتل هو ومازدا.. أما آدم فيحسم الأمر.. يمسك المسدس الذي عرف مكانه بالأمس، يصوبه نحو الرجلين الملتحمين ويطلق النار، ولا يتركنا المخرج نعرف أبدًا على من أطلق النار، ومن أصاب منهما، هل حاول إنقاذ قرينه فصوب نحو صاحب البيت؟ أم أنقذ نفسه بالتخلص من مازدا؟ في الحالتين هرب، فالقتل لم ينه قضية قط، ولن يحسم صراعًا أبدًا.. هرول في الشارع على غير هدى، لا يعرف إلى أين يذهب.. لكن قائد سيارة ما يتفادى الاصطدام به، ليس رحمة به ولا عطفًا عليه، لكن خوفًا على نفسه من العواقب، يفتح زجاج سيارته قليلًا ويزعق: "شحاذ مغفل"، وينصرف إلى حال سبيله.

 

   نيركوك.. واحد من الأفلام السودانية التي تستحق المشاهدة، رغم أنه من التجارب المبكرة لصانعه، ورغم أنه نُفذ في وقت كانت السينما السودانية تتعافى من رقودها في غيبوبة طويلة، إلا أنه قدم لغة سينمائية بليغة، ربما تقليدية وبسيطة لكنها محكمة وتنبئ عن مواهب لم تلبث أن أثبتت نفسها، ويومًا بعد يوم نرى تقدمها الثابت في ساحة السينما بخطوات قوية.

 

 

أحمد صلاح الدين طه

  8 يناير 2022 

dedalum.info@gmail.com

 

 

لمشاهدة الفيلم اضغط هنا

 


 

 

الجمعة، مارس 12، 2021

هل توجد سينما سودانية؟

هل توجد سينما سودانية؟

 تاريخ السينما في السودان سؤال قد يبدو بسيطاً، لكن إجابته معقدة، طرح نفسه بقوة عندما فوجئنا كجمهور بأفلام قوية تحصد الجوائز في المهرجانات، وتلفت نظر عامة الجماهير، وقادمة من السودان.. طرح نفسه عندما أعلن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية أنه سيحتفي بالسينما السودانية فواجه تساؤلات عن: كيف تحتفون بسينما غير موجودة أصلاً؟! الواقع أن إجابة السؤال تأخذنا إلى تحليله إلى عدة تساؤلات: أولاً عن وجود السينما في السودان، وثانياً عن صناع السينما السودانيين، وثالثاً وأخيراً نصل إلى التساؤل الأشمل عن وجود سينما سودانية. قد لا يكون صعباً على السودان، مثلها في ذلك مثل مختلف الدول العربية -وربما جميع العالم أيضاً- أن تحتفي بمرور مائة عام على السينما في السودان.. نعم دخلت السينما إلى السودان قبل أكثر من مائة عام، وهي معلومة صحيحة، لكنها معلومة احتفالية مضللة إلى حد بعيد؛ مثلها كما يحدث عندما نحتفي في مصر بمائة عام من السينما مرات عديدة: مرة بمرور مائة عام على أول عرض سينمائي في مصر عام 1896، ومرة بمرور مائة عام على إنشاء أول دار عرض في مصر 1897، ومن حينها نجد سبباً للاحتفال بمائة عام على السينما كل فترة مع أول تصوير سينمائي، وأول شريط توثيقي، وأول تصوير روائي أو ذي طابع تمثيلي وهكذا.. مثلنا في ذلك مثلما قد تحتفي السعودية مثلاً بأول فيلم تم تصويره عن الحج، كعلامة في تاريخ السينما السعودية وهو في الواقع فيلم من إنتاج استوديو مصر، أو أقدم لقطات عن الحج وهي لمصور أوروبي جاء مع بعثة حج أندونيسية أو ماليزية، كما يهتم السينمائيون الفلسطينيون برائدي السينما الفلسطينيين إبراهام وبدرو لاما (أو إبراهيم وبدر لاما) ذوي الأصول الفلسطينية الذين ولدا في تشيلي ثم عاشا وأنتجا ومثلا وأخرجا أفلامهما بمصر، أي أنهما يعدان في نفس الوقت رواداً للسينما المصرية. وهكذا يجد البعض سبباً للاحتفاء بمرور أكثر من مائة عام على السينما في السودان حيث قام مغامر سويسري بتصوير فيلم عن رحلة صيد قام بها عام 1910، وعرض هذا الفيلم في ظروف غير واضحة تماماً: هل كان عرضاً عاماً أو محدوداً أو خاصاً بأصدقائه مثلاً، لكنه تم في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان عام 1912، وهذا سبب كاف للتأريخ للوجود السينمائي على أرض السودان، حتى لو لم يكن لهذا الوجود وقع حقيقي في حياة السودانيين الذين ربما لم يتح إلا لفئة محدودة جداً منهم مشاهدة هذا العرض. بعد سنوات من هذه الواقعة أنشئت أول دار عرض للسينما الصامتة عام 1924، ثم أول دار عرض للسينما الناطقة 1930، ثم شركة السينما السودانية 1940 والتي أنتجت بالتعاون مع شركة مصر للتمثيل والسينما أفلاماً غنائية قصيرة (فيديوكليبات بلغة أيامنا هذه) لمطربين سودانيين. ثم أنشأت الإدارة البريطانية وحدة أفلام السودان 1949 لإنتاج أفلام تسجيلية وتعليمية، واستمر الوجود السينمائي عبر نقاط مضيئة متقطعة طوال السنوات التالية وعبر كثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية التي من المؤكد أثرت على السينما في السودان كما أثرت على كل مناحي الحياة الأخرى، وصل عدد دور العرض السينمائي في السودان في أفضل الحالات إلى 67 دار عرض، وتقلص في أحلك الفترات إلى 7 دور عرض فقط كانت تعرض الأفلام الهندية للعمال الهنود، وللغرابة كان القانون يمنع إطفاء الأنوار أثناء العرض، وهي الحالة - فيما نعرف- الوحيدة في العالم التي يقدم فيها عرض ضوئي وسط الأضواء بقانون ملزم. من الأفلام الهامة في تاريخ السينما في السودان فيلم آمال وأحلام عام 1970 الذي يعد أول فيلم سوداني، وفيلم عرس الزين 1976 الذي هو فيلم كويتي وسوداني في نفس الوقت، كويتي لأن مخرجه ومنتجه خالد الصديق كويتي، وسوداني لأنه مأخوذ عن رواية للأديب السوداني الكبير الطيب صالح، وتدور أحداثها في السودان. قد لا نعرف بالإضافة للفيلمين السابقين إلا خمسة أفلام طويلة أخرى: فيلمي (تاجوج) و(بركة الشيخ) لجاد الله جبارة الذي بدأ إخراج فيلم آخر عن رواية البؤساء لفيكتور هوجو وأتمته ابنته سارة جبارة بعد أن توفاه الله، و(رحلة عيون) لأنور هاشم و(يبقى الأمل) لعبدالرحمن محمد عبدالرحمن، بالإضافة طبعاً لأفلام قصيرة والعديد من الأفلام التسجيلية التي كانت الهدف الأساسي لإنشاء وحدات الإنتاج السينمائي الرسمية في السودان. قصة فيلم آمال وأحلام بين الإنجاز والواقع: قد تكون قصة إنتاج أول فيلم سوداني طويل ملهمة إلى حد بعيد ودرامية إلى حد أبعد، منذ نشأة مصوره ومنتجه الرشيد مهدي الذي بدأ محترفاً عمل النجارة الذي درسه وتخصص فيه، ثم هوايته للتصوير الفوتوغرافي الذي قاده ليكون رائداً في مجال احتراف الفوتوغرافيا، حيث صنع أول كاميرا استخدمها من الخشب تضم معمل تحميض داخل الكاميرا، ثم أنشأ أول استوديو تصوير في منطقة عطبرة، وكان رائداً أيضاً في مجال الطباعة بإنشاء أول مطبعة في المنطقة، وأيضاً رائداً في مجال الإنتاج السينمائي حيث كان أول سوداني ينتج ويصور فيلماً روائياً طويلاً، وهو فيلم آمال وأحلام الذي قالت بطلته ليلى جوقا أن الرشيد مهدي كان يصرف من جيبه بسخاء على إقامة وتنقلات وطعام الفريق طوال مدة التصوير. بذل الجميع جهداً كبيراً استمر قرابة ثماني سنوات منذ 1962 وحتى 1970 عام خروج الفيلم للنور، عرض الفيلم في دار سينما أم درمان الوطنية، بعد أن تم تحميضه بمعامل دوناتو بميلانو الإيطالية، وبعد أن مر بمقص الرقيب في الخرطوم الذي اقتطع فيما يقال نصف مدته حيث كان طول الفيلم ثلاث ساعات، استطاع الرشيد مهدي تعويض المدة المقتطعة بإضافة أغان واستعراضات، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً، وتم عرضه في المدن السودانية، ومنح الرشيد أرضاً لينشئ عليها أول استوديو سينمائي بمنطقة عطبرة، واستورد له معدات تصوير ومونتاج وطبع وعرض من إيطاليا، لكن ذلك لم يعن إنتاج أي فيلم روائي طويل يذكر بعد ذلك بواسطة الرشيد مهدي، وتفرق صناع الفيلم بعد ذلك كل في عالمه، حتى أن بطلة الفيلم ليلى حسين الشهيرة باسم ليلى جوقا أصبحت تجلس بقدرة فول في أحد الأسواق تبيع الفطور لرواد السوق وكفى. فيلم آمال وأحلام كتبه الدكتور هشام عباس، وأخرجه إبراهيم ملاسي، تم تصويره بكاميرا 16مم بدون صوت ثم تم تسجيل الصوت بأسلوب الدوبلاج. استوديو جاد للإنتاج السينمائي: ومضة أخرى استمرت إلى حين كانت مع نشأة استوديو جاد للإنتاج السينمائي الذي تؤرخ صورة قديمة للافتته -التي لم تعد موجودة- أنه أسس عام 1970 تقريباً في نفس العام الذي رأى فيه فيلم آمال وأحلام النور، لكن الاستوديو أنشأه سينمائي آخر، مصور أيضاً هو جادالله جبارة، الذي بدأ حياته جندياً في الحرب العالمية الثانية مما سمح له بالتنقل خارج السودان والتعلم، وتقاعد بعد الحرب ليبدأ في القاهرة نشاطاً في مجال تسجيل الصوت في استوديوهات السينما، ثم يعود إلى السودان ليلتحق بالعمل في عروض السينما المتنقلة، ثم يسهم في تأسيس وحدة الإنتاج السينمائي ثم مؤسسة الدولة للسينما، وترك بعد رحيله عام 2008 تراثاً ضخماً من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية وأكبر عدد من الأفلام الطويلة لمخرج واحد في السودان وجوائز عالمية لأفلامه: تاجوج، وبركة الشيخ. لم يترك جادالله جبارة الكاميرا من يده حتى وافته المنية كما تقول ابنته سارة التي كانت عينه التي أخرج من خلالها فيلمه الأخير البؤساء، والذي عمل عليه بعد أن فقد بصره، فكان يتخيل وتنفذ هي، وبعد أن توفي قبل أن يتم الفيلم أتمته هي، كما ورثت شغفه بالسينما مع كم ضخم من أشرطة السليلويد والصور التي تواصل سعيها مع جهات عالمية لحفظ هذا التراث وترميمه ورقمنته، كما تتنقل به كما روت في أحد اللقاءات لأن على الشباب ومن حقهم أن يروا كيف كانت السودان. نادي السينما السوداني: تأسس عام 1968 برئاسة سعاد إبراهيم أحمد (1935-2013) الملقبة بأم النوبيات وكانت رحمها الله سياسية مهتمة بالثقافة السودانية، والنوبية خاصة. كان هدفه الأساسي إقامة عروض سينمائية مختلفة عن العروض المعتادة في دور العرض العادية، بعيداً عن مقص الرقيب، كما يهدف لنشر الثقافة السينمائية، ولفت نظر الجمهور السينمائي لأهمية السينما. سودان فيلم فاكتوري: هو منصة لتشجيع صناعة السينما أسست عام 2010 بدعم من معهد جوتة الألماني (فرع السودان)، وساهم في إنتاج أفلام وتدريب جيل من السينمائيين الشبان، كما أقام مهرجان السودان للسينما المستقلة عام 2014 كأول مهرجان سينمائي في السودان على الإطلاق. سينمائيون في تاريخ السودان: أسماء لا يمكن حصرها بدقة، ليس لأنها كثيرة لكن لأن لا أحد اهتم أن يوثق لتاريخ السينما في السودان، فلم تكن صناعة ذات بال، حتى مع وجود جهات الإنتاج الرسمية وغير الرسمية المحدودة، اهتمت الدولة باستيراد الأفلام وتوزيعها دون أن تعتبر الإنتاج مجالاً قد يلفت نظر المسؤولين، ما خلا بعض الإنتاج التطبيقي مثل توثيق الأحداث أو الإعلام أو الدعاية والتواصل عامة، ربما آمنت الدولة في السودان بما ادعاه من قبل الممثل والرائد السينمائي المصري فلسطيني الأصل بدر لاما عندما زار السودان وسأله أحد الصحفيين عن إمكانية وجود سينما سودانية؛ فأجاب بأن اللهجة السودانية لا تصلح للتمثيل والسينما والمسرح، هذا الادعاء الذي حدا بالمصور السوداني الرائد الرشيد مهدي أن يغامر بإنتاج فيلم آمال وأحلام، لكن فيما يبدو أن الاعتقاد نفسه تملك نفوس البعض وجعلهم يتكاءدون زهداً في سبيل السينما أو الاهتمام بها. مع ذلك يمكننا استبيان مجموعة من الأسماء التي لمعت كومضات برق في تاريخ السينما في السودان مثل: كمال محمد إبراهيم: يعتبرونه شيخ السينمئيين السودانيين، والأب الشرعي للسينما في السودان، فقد كان أول المبادرين لتأسيس وحدة أفلام السودان التي أسستها الإدارة البريطانية بناء على مذكرة كتبها، ثم كان أول من عمل كمخرج وكاتب سينمائي وأول من قدم فيلما قصيراً هو فيلم (طفولة مشردة)، ثم فيلماً آخر هو فيلم (المنكوب)، كما ألف كتاباً عن تاريخ السينما في السودان. الرشيد مهدي: رائد السينما السودانية، مصور، ومنتج، غامر بإنتاج أول فيلم روائي طويل يعتد به في تاريخ السينما السودانية، فيلم (آمال وأحلام). إبراهيم ملاسي: مخرج فيلم آمال وأحلام، ولا تتوفر عنه معلومات وافية أكثر من كونه رائداً ثقافياً وساهم في نشر الثقافة في السودان. جادالله جبارة: واحد من الرواد الكبار، صانع سينما ومؤسس لصناعة للأسف حالت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اكتمالها، لكن ذلك لا يقلل أبداً من إسهامه، سعى وتعلم، وساهم في الكيان الرسمي لصناعة السينما في السودان، كما أسس استوديو جاد ككيان مستقل قدم من خلاله كماً ضخماً من الأفلام الوثائقية، والأشرطة التوثيقية، وفيلمين طويلين يعتد بهما في إطار الصناعة السينمائية المتقنة هما فيلمي: (تاجوج)، و(بركة الشيخ). وكان هناك مشروع سينمائي ثالث وهو فيلم عن رواية البؤساء لفيكتور هوجو استمر عمله فيه حتى وفاته رغم إصابته بفقد البصر لكنه لم يتخل عن حلمه، الذي أكملته ابنته سارة جبارة بعد وفاته. سارة جادالله جبارة: ما دمنا تحدثنا عن الأب الرائد؛ فلابد من ذكر الابنة سارة التي ربما كانت الوحيدة من الأبناء العديدين التي اندمجت في الصناعة وكانت الذراع الأهم لوالدها حتى أنها كانت عينه التي حاول أن يحقق من خلال عونها له بعد كف بصره إنجاز فيلمه الأخير عن رواية الأديب العالمي فيكتور هوجو: (البؤساء)، الفيلم الذي غادر الأب الدنيا؛ فأكملته الابنة سارة، غير أفلام وثائقية أخرى أنجزتها. أنور هاشم: درس الإخراج في مصر، وأخرج العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية المميزة، لكنه اشتهر أيضاً بفيلمين روائيين طويلين أخرجهما، فيلم شروق الذي لم ير النور لأنه الفيلم الأول وربما الوحيد الذي منعته الرقابة في السودان، ثم فيلم رحلة العيون الذي اعتمد فيه على نجوم مصريين مثل بطلة الفيلم سمية الألفي، ومعها الفنان القدير محمود المليجي، وظهرت في الفيلم أيضاً الراقصة نجوى فؤاد، والفنانة نبيلة السيد والفنان أمين الهنيدي، والمطرب التونسي الشهير لطفي بوشناق. جزء كبير من الأحداث يدور في مصر، وامتدت العناصر المصرية في الفيلم إلى العناصر الفنية مثل مدير التصوير علي خيرالله الذي هو المنتج المنفذ أيضاً، والموسيقى التصويرية لدكتورجمال سلامة وغيرهم حتى تكاد التترات تكون نسخة من الأفلام المصرية. غير أن البطولة كانت للمطرب السوداني الشهير بابن البادية. إبراهيم شداد: درس السينما في ألمانيا، وسافر إلى مصر وكندا، ثم عاد إلى السودان، أخرج أفلاماً قصيرة أو متوسطة الطول لفتت الأنظار بتخليها عن الحوار وانتصارها للغة الصورة. سليمان محمد إبراهيم النور: درس في معهد "غيراسيموف" للتصوير السينمائي في موسكو بالاتحاد السوفياتي السابق، أو كما يشير هو في أحد لقاءاته أنه تخرج في: "كلية الفيلم التسجيلي بموسكو"، وكان مشروع تخرجه فيلم تسجيلي بعنوان: (ولكن الأرض تدور) عن التجربة الاشتراكية في اليمن الجنوبي، حيث اعتبر أن التصوير في اليمن أسهل كثيراً من العودة إلى السودان أو التصوير في موسكو نفسها. منار الحلو: درس السينما في رومانيا الطيب مهدي: درس في المعهد العالي للسينما في القاهرة بمصر، وكان مشروع تخرجه فيلم الضريح 1977، الذي صور في مكان ما بصحراء مصر بممثلين سودانيين ونرى في التترات أسماء لسينمائيين عرب تفوقوا بعد ذلك منهم المخرج السوداني منار الحلو الذي كان مساعدا للمخرج، ومدير التصوير السوري هشام المالح. حسين شريف: مخرج وفنان تشكيلي ولد عام 1934 وعاش عشر سنوات في القاهرة، درس بمدرسة كلية فيكتوريا بالأسكندرية.. نفس المدرسة التي درس بها العديد من المشاهير ومنهم أمراء عرب وأوروبيين صاروا ملوكاً وفنانون أصبحوا من الرموز مثل عمر الشريف وشادي عبدالسلام، ويوسف شاهين، ومنهم السياسي والمفكر السوداني الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق وحفيد القائد السوداني محمد أحمد المهدي مفجر الثورة المهدية في نهايات القرن التاسع عشر. بعد كلية فيكتوريا درس الإخراج والكتابة السينمائية والفن التشكيلي بلندن، فيلمه الأول كان (جَزْع النار) ومعناه رمي النار، حيث يتحدث عن طقس قبلي محلي يتلخص في رمي الحجارة عند شروق الشمس بعد موسم الحصاد، ثم كان فيلمه الثاني انتزاع الكهرمان الذي لاقى قبولاً جيداً في المهرجانات السينمائية الدولية التي عرض بها، ويذكر أن أواخر أيامه قضاها في منفاه الاختياري بمدينة القاهرة، حيث أنجز بالتعاون مع المخرجة التسجيلية المصرية عطيات الأبنودي فيلم مفكرة هجرة، وتوفي رحمه الله عام 2005 قبل أن يتم فيلمه الأخير (التراب والياقوت)، والذي قال عنه في لقاء تليفزيوني قبل وفاته أنه مراحل إنتاجه تخطت العامين، وأنه سافر إلى مناطق عديدة حول مصر في الوادي الجديد والصعيد والبحر الأحمر لتكون مناطق تصوير لفيلمه حيث تشبه لحد بعيد مناطق سودانية، وحتى بعض هذه المناطق داخل القاهرة وفي بعض الأماكن الأثرية، وكان الفيلم حسب قوله إعادة إنتاج سينمائي لقصائد شعرية سودانية. سامي الصاوي: درس السينما في لندن، يذكر دائماً له فيلم (دائر على حجر) الذي يتحدث عن مهنة حفر حجر الطاحون. حورية حاكم: يعتبرها الكثيرون أول سينمائية سودانية، مع الإشارة إلى أنها مولودة بالقاهرة في عين شمس عام 1950، لأب كان يعمل في سلاح الهجانة المصري، ودرست في المعهد العالي للسينما بالقاهرة وتخرجت فيه عام 1972، ثم عملت التليفزيون السوداني، لكنها ما لبثت أن غادرت السودان لتعيش وتعمل في الكويت ومصر حيث توفاها الله عام 1998م. سينمائيون جدد: فجأة، وفيما يبدو أنه بدون مقدمات ظهر مجموعة من السينمائيين السودانيين الجدد، بأسماء لمعت في مهرجانات دولية، وبأفلام لاقت الترحيب والتقدير لمستواها الفني الراقي، وموضوعاتها الشيقة، وأيضًا لأنها سودانية.. كاد الناس ينسون فكرة أن في السودان فن مميز.. ثلاثون عامًا من العزلة لأسباب قد يختصرها الكثيرون في نظام الحكم، وقد تكون محاولة نظام سلطوي التدثر بعباءة الدين رغبة منه في إضفاء شرعية على وجوده سببًا مهمًا لعرقلة السينما الناشئة ودفعها إلى الصفوف الخلفية، لكن الواضح أيضًا أن هذا النظام الذي قمع الحريات كان أحد أسباب العودة القوية المميزة لصناعة السينما التي تحمل توقيعات سينمائيين سودانيين أكثرهم سطوعاً مثلًا: أمجد أبو العلاء مخرج فيلم ستموت في العشرين، ومروة زين بفيلمها أوفسايد الخرطوم، وحجوج كوكا مخرج فيلم أكاشا الكوميدي الذي صور في خضم الحرب المحلية، ثم صهيب قاسم الباري الذي أعاد للأذهان صوتًا وصورة صناع سينما برعوا وأبدعوا قبل أعوام القطيعة السينمائية ثم ظلوا متمسكين بحلمهم الذي ظل حلمًا يسعون إليه ولا يدركونه. عندما خرجت الثورة السودانية التي أطاحت بالنظام السابق (أو على الأقل خلخلته) في أواخر 2018م. كانت الأفلام السودانية الملفتة ظهرت للنور في وقت سابق من نفس العام أو على وشك الظهور، وهو ما يعني بوضوح أن الأفلام لم تكن نتاجًا للثورة، وهو ما يجعلنا نتوخى الحذر في إطلاق الآمال بشأن نهضة سينمائية سودانية في القريب العاجل، قد يحدث ذلك وهو ما نرجوه، لكن ليس علينا التوسع في الأحلام حتى نتجنب بقاءها أحلامًا كما حدث قبل ثلاثة عقود، قد يغيب عن البعض أن النظام القمعي الذي ساد في الماضي القريب كان هو نفسه السبب المباشر في مستوى الأفلام الاحترافية التي شاهدناها، فقد دفع التضييق حتمًا أجيالًا عديدة من صناع الأفلام للدراسة والإقامة والعمل في الخارج، في مصر والخليج وأوروبا وغيرها، هؤلاء لم يكتفوا بالدراسة والعودة إلى الوطن كما حدث مع الأجيال القديمة؛ لكنهم مارسوا العمل في مؤسسات إنتاج عريقة أو على الأقل غنية. احتكوا بأسواق مختلفة، واكتسبوا قدرات فنية ومادية ساعدتهم بقوة في العودة بإنتاجات تلقى القبول العالمي. نظرة سريعة على أسماء الجهات التي شاركت في الإنتاج أو مولت أو دعمت ماديًا أو حتى معنويًا أفلام الصناع الجدد ستكشف لنا بوضوح أنها سينما قادمة من الخارج أكثر منها منتمية إلى الحال السوداني، وهذا لا يعيبها؛ لكنه يجعلنا نفكر: ماذا لو لم يضغط النظام السابق ويضيق على الحريات ولم يدفع هؤلاء المواطنين السودانيين إلى الهجرة.. هل كانوا سيصبحون ما هم عليه الآن؟ هل كان السوق المحلي كفيلًا بجعلهم ينتجون أفلامًا تصل إلى العالمية؟! السؤال الآن عن السينما السودانية: هل توجد سينما سودانية؟ الإجابة جاءت بسيطة وفي الصميم في حديث أحد رواد السينما في السودان عندما قال في لقاء تليفزيوني إن ما نحلم به سينمائيًا في السودان يتلخص في العرض، نريد إتاحة العروض السينمائية في السودان، إنشاء سوق للمشاهدة، دور سينما توازي تعداد السودانيين (مع الأخذ في الاعتبار التطورات الرهيبة في مفهوم العرض السينمائي واحتلال المنصات الإلكترونية النصيب الأكبر من سوق السينما)، هذا تحديدًا أول الطريق؛ لأنه الهدف.. كما تعلمنا أنك لتستطيع أن تعبر طريقًا طويلا مهما كان غير معبد عليك أن تنظر مباشرة إلى هدفك وسوف تصل. وجود وسيلة للعرض محلياً تغطي تكاليف الإنتاج والأرباح معناه أنك كمنتج أفلام لن تخشى أن تخوض غمار هذا السوق، فأنت على الأقل لا تنتظرك خسائر، وكسينمائي لن يكون عليك مخاطبة ذائقة أصحاب المهرجانات أو المؤسسات الممولة على اختلاف توجهاتها، سيكون عقلك وقلبك موجه فقط ببوصلة مجتمعك الذي هو جمهورك، في هذه الحالة فقط نستطيع أن نعلن وجود سينما سودانية لأنها ستحمل ثقافة أهل السودان وهمومهم وتطلعاتهم أيًا ما يكون القالب الذي تتخذه، وللملاحظة ليس وجود سينما كهذه بالأمر الهين، حتى أن معظم المنتجات السينمائية العربية (باستثناء المصرية إلى حد ما) لم تصل أن تمثل مجتمعاتها، قد تكون هناك أفلام جيدة الصنع، أفلام ضخمة التمويل، أفلام تنافس في المهرجانات، لكن ذلك لا يعني وجود صناعة سينما يمكن أن يلحق بها اسم شعب عربي ما على أنه محققها وأنها تنتمي إليه. 

أحمد صلاح الدين طه 

الخميس 11 مارس 2021

Translate ترجم إلى أي لغة

بحث Search

عام جديد سعيد 2025

أرشيف المدونة الإلكترونية


شرفتنا بزيارتك أنت اليومَ الزائر رقم