مرحبًا بكم في ديدالوم مجمع الفنون

منصة الفن والأخبار الثقافية الرائدة

أحدث الأخبار والمقالات

‏إظهار الرسائل ذات التسميات كواليس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كواليس. إظهار كافة الرسائل

الأحد، سبتمبر 01، 2024

التوظيف الفني لعناصر اللغة السينمائية بالتطبيق على فيلم الممر

أحمد عز فيلم الممر

 

 

  المشاهد كما توضح كثير من الدراسات يقع تحت تأثير الأفلام أثناء مشاهدتها. ومن ثم تلعب الأفلام دورا محوريا في توجيه سلوك الأفراد وبث قيم اجتماعية وهي وسيلة فعالة لضبط اتجاهات الأفراد وتحديد أهدافهم داخل المجتمع وذلك لعدة أسباب منها :

  أولا: عدم إدراك المشاهد حقيقة أنه يتأثر بالأفكار والقيم التي تقدمها الأفلام.

  ثانيا: يضع المشاهد نفسه موضع البطل ويتقبل بطريقة لا شعورية الاتجاهات التي يعبر عنها ويمثلها وكذلك الدور الذي يقوم به.

  ثالثا: المشاهد الذي يعاني من المشاكل المختلفة يتقبل بطريقة لا شعورية أو شعورية الحلول التي تقدمها الأفلام كحلول لمشكلاته.

وقد انتھت معظم الدراسات ـ خاصة السيكولوجية ـ إلى فعالية الأفلام السينمائية في تغيير قيم واتجاهات الأفراد، وأن لھا تأثيرات عظيمة على التكوين النفسي والاجتماعي للمشاهدين. وقد لاحظ “مارتن كويجلي”(ناقد وباحث سينمائي أمريكي ) أن السينما اكتسبت أھميتھا الاجتماعية ـ باعتبارھا المؤثر الرئيسي في العالم الحديث ـ عن طريق قابلية المتفرج لتقليد ومحاكاة الأشخاص الذين يعجب بھم على الشاشة في سلوكه وتفكيره، بل إن تاريخ السينما يمتلئ بالعديد من الأمثلة التي تبرھن على قوة الشاشة في التأثير في عادات وتقاليد وأزياء المتفرجين. فقد أصبح الفيلم وسيلة يتفھم الفرد عن طريقها نفسه ودوره الإجتماعي وقيم جماعته ـ ولعل ھذا ھو السبب في التجاء بعض الحكومات إلى إنشاء أجھزة متخصصة تستخدم السينما في الدعاية لأھدافھا الإجتماعية والسياسية

  وعندما نتناول فيلم "الممر"، والذي يحكى عن بعض بطولات الجيش المصري.  نجد أن الإسم جاء لدحض فكرة الانهزام التي تتعمق داخل الإنسان بصفة عامة والشباب بصفة خاصة، عندما يمر بأزمات ومشاكل في حياته، وصولا إلى فكرة الانتصار والثقة بالنفس عقب مرور الأزمات، موضحا أن نهاية كل "ممر" ضوء أو نور يعبر منه الإنسان عندما يعبر أزماته.

  الفيلم كمضمون واضح ولكننا نتناول كيفية تعبير السينما بلغتها وأدواتها المختلفة عن هذا المضمون وهل نجحت في ذلك. وهل نجح الفيلم بطريقة ما في التأثير على الحالة النفسية للمشاهدين ووضعهم على حقيقة الأمور في هذه الفترة من تاريخ مصر وهي فترة العدوان الثلاثي وما تلاها بما كان يحيطها من غموض وتكتم ما.

اللغة السينمائية وفيلم الممر:

ماهي اللغة!

"هي أداة صاغها الإنسان للتفاهم مع نظرائه أي باعتبارها إنتاجا فنيا أي باعتبارها فنا ومن السهل أن نبين أن وجهة النظر هذه خاطئة. فلو أن اللغة كانت حقا فنا لكان من الواجب أن يكون وجودها قد سبق ظهورها إذ أن الناس في هذه الحالة كانوا سيحتاجون إلى كلمات للتفاهم على اختراع معاني اللغة نفسها "[1]

اللغة هنا ليست إنتاجا فنيا بل هي في الأصل إنتاجا جماعيا غرضه التفاهم فالصيحة المنذرة بالخطر التي أطلقها الرجل البدائي كانت أولا رد فعل غريزي وفسيولوجي قبل أن تصير رمزا يحتفظ بمعناه بغض النظر عن الظرف الأول الذي أطلقت فيه.

إذا كانت اللغة عنصرا أساسيا فى نجاح الرواية ووصول أفكارها إلى القارىء و تحقيق لغتها التعبيرية و أهدافها التأثيرية ، فإنها العنصر الوحيد الذى يستحيل على كاتب السيناريو أن يستفيد منه بشكل مباشر . و إنما عليه ان يوظف روحه و أسلوبه على النص السينمائى إذا كان هذا بالإمكان و إذا كان يحقق فائدة للغة السينمائية .. بمعنى أنه إذا كانت لغة الرواية تعتمد على العبارات الرنانة و الفخمة و الجمل ذات الوقع الخاص و التأثير الإيقاعى الشعرى مثلا ، فإنه على كاتب السيناريو أن يعبر عن هذه الروح من خلال وصف المكان و الحركة و الملابس و الإكسسوار و الحوار . و بالطبع يجب أن يشاركه فى هذا الإحساس كل العاملين فى الفيلم و بوجه خاص المخرج . وهكذا تشكل اللغة بمستوياتها المختلفة تحديا أمام كاتب السيناريو . أما إذا تناولنا الأساليب البلاغية فإن أسو أما يمكن أن يقع فيه كاتب السيناريو هو أن يحيل تلك الأساليب إلى صور مباشرة على الشاشة . و ذلك لأن الأساليب البلاغية للسينما تختلف .[2]

وتكون الصورة هي المادة الأساسية للغة السينمائية فهي المادة الخام الفيلمية وإن كانت مع ذلك حقيقة معقدة للغاية. ذلك أن تكوينها يتميز بتراكيب عميقة قادرة على نقل الواقع الذي يعرض عليها نقلا دقيقا. لكن ذلك النشاط موجه من الناحية الجمالية في الاتجاه المحدد الذي يريده المخرج. والصورة التي نحصل عليها بهذه الطريقة تدخل في علاقة جدلية مع الجمهور الذي تقدم له. وأثرها السيكولوجي عليه يحدده عدد من الخصائص ينبغي تحديدها بدقة إذا أردنا تكوين فكرة دقيقة عن أهمية الفيلم في الحياة الاجتماعية.[3]

والمقصود هنا كيف يعبر الفيلم أو الشريط السينمائي عن القصة وكيف يتم نقل الفكرة أو المضمون إلى المشاهد وعلى ذلك فإن لغة السينما تعني هنا الوسائل التي تتولى مهمة هذا التعبير في نقل هذ الفكرة. ولذا لا يجب الحكم على اللغة السينمائية بقيمتها الجمالية وحدها ولكن بقدر خدماتها التي تعود على القصة. فليست اللغة السينمائية هدفا مطلقا بل القصة هي الهدف الأول والأخير وليس أفضل استخدام للغة السينمائية هو التعاون بشكل فني جيد مع تقنيات ووسائل صناعة الفيلم ولكن المراد هو استخدامها وتوظيفها لعرض مضمون الفكرة بأفضل طريقة ممكنة.

 

عن فيلم الممر:

 

كل شخص في الحياة قد يمر بمراحل من الانكسار والهزيمة لمدة طويلة وقد يفقد الأمل في بعض الأحيان، ومع مرور الوقت والتفكير والهدوء يصل إلى مبتغاه أو إلى النور في آخر الممر، ولهذا تم الاستقرار على اسم "الممر" ليكون عنوان الفيلم الذي يحكى عن بعض قصص وبطولات القوات المسلحة، خصوصا الشخصية التي يقدمها أحمد عز وتدعى "نور" في أحداث الفيلم، فضلا عن تعريف الأجيال الجديدة والماضية بقوة دفاع الجيش المصري عن أراضي المصريين، ورفع الحالة المعنوية للشعب، حتى يتثنى لهم معرفة جيشهم وقوته أمام العالم.

فيلم "الممر" من تأليف وإخراج شريف عرفة، وشارك في كتابة السيناريو والحوار أمير طعيمه، ويناقش الفيلم المرحلة الزمنية بدءً من حرب 1967 وحتى حرب الاستنزاف ويشارك في بطولته بالإضافة للنجم أحمد عز، أحمد رزق، إياد نصار، أحمد فلوكس، محمد فراج، أحمد صلاح حسنى، محمد الشرنوبي ،محمد جمعة، محمود حافظ، أمير صلاح الدين، أسماء أبو اليزيد والوجه الجديد ألحان المهدى، كما يضم الفيلم هند صبري، شريف منير، أنعام سالوسة وحجاج عبد العظيم كضيوف شرف، وألّف الموسيقى التصويرية للفيلم الموسيقار عمر خيرت.

يحاول صنّاع فيلم "الممرّ" إيصال رسالة أمل رغم الانتكاسات والهزيمة، من خلال إضاءة منطقة شبه منسية درامياً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي المتمثلة بحرب الاستنزاف التي تلت هزيمة 1967، والتأكيد أنّ الجيش المصري في حالة حرب مستمرة، داخلياً وخارجياً، سواء وهو يواجه العدو الإسرائيلي بالأمس أو الإرهاب اليوم، وأنّه هو الذي يتحمّل عبء الدفاع عن الأرض ومقدّرات الوطن، في أحلك الأزمات، وخلال التحديات والمخاطر الإقليمية والدولية المختلفة.

ليست السينما أو الأعمال الفنية عموماً مطالَبة بمحاكاة الواقع، سواء المعيش أو الماضي، محاكاة تامة، ولا حتى شبه تامة، فالسينما بالأساس عمل درامي يعالج فكرة أو (ثيمة)، أو حدَثاً ما، بطريقة فنية لا تكترث كثيراً للواقع والأحداث التاريخية؛ فالفيلم يستند إلى جانب من بطولات الكتيبة 93" قتال"، التي كان لها عدد لا يُنكَر من البطولات خلال حرب الاستنزاف، وذلك بسبب تمركزها في منطقة رأس العش في بورسعيد، وهي تلك المنطقة التي وقعت فيها اشتباكات قوية مع القوات الإسرائيلية.

يُعدُّ الفيلم أضخم إنتاج سينمائي في تاريخ صناعة السينما في مصر، بميزانية تجاوزت 100 مليون جنيه مصري، وقامت شركة الإنتاج ببناء ديكورات الفيلم ومواقع التصوير بمساعدة وإشراف إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، كما تمّت الاستعانة بمتخصصين لبناء الديكورات بالكامل لمطابقتها بالمواقع الحقيقية خلال تلك الفترة، والاستعانة بفريق عمل أمريكي لتصميم مشاهد القتال والمعارك الحربية.

أسس وأدوات اللغة السينمائية وتطبيقها على فيلم الممر :

١: أسس اللغة السينمائية :

أولا: الإيجاز:

الإيجاز بمعناه البسيط هو إيصال المعنى إلى المتلقي بأقل قدر من التفاصيل المعبرة عنه أو من خلال التركيز على التفاصيل الرئيسية المكونة له[4].

  وفي السينما يقدم الإيجاز دورا هاما في اللغة السينمائية حيث يختار ويوظف أهم عناصر الحدث أو التفاصيل ذات الدلالة فقط دون ذكر التفاصيل التي يمكن فهمها ضمنا. ولا تمثل أهمية خاصة وذلك بقصد الاحتفاظ بانتباه المشاهد في حالة تركيز مستمر على مدار لحدث وتطوراته. إضافة إلى التحكم في إيقاع الفيلم.

وللإيجاز وظيفة تأثيرية خلاقة حيث يوظف للتأثير على عواطف المتفرج وإحساسه بهدف خلق الشعور بالمتعة لديه ووضعه في حالة شوق دائم لتتبع الرواية وتطورها.

وحيث أن الإيجاز في الشكل الشائع يعنى التركيز على التفاصيل المهمة لإظهارها في شكلها التأثيري الخلاق فإنه يعنى أيضا حذف أو إخفاء بعض التفاصيل أو الوقائع المهمة المحددة جزء أو أجزاء منها بهدف إخفاء القوة التأثيرية على معناها أو أثارها ونتائجها وعلى ذلك فإن عملية الحذف أو الإخفاء تصبح هدفا وإجراءا فعالا يضفي على المعنى قوة تأثيرية أو قوة بلاغية قد لا تتأتى في حالة إظهار التفاصيل المخفاة أو المحذوفة ومن هنا يتبين أن للإيجاز وظيفتين أساسيتين وهما:

١: الاختيار السليم لأهم التفاصيل أو كل ماله دلالة فقط وبعبارة أخرى اختيار الأزمنة المؤثرة أو الفعالة من التدفق الزمنى الطبيعي لحدث ما مع حذف الأزمنة الضعيفة منه وذلك بهدف التركيز على نقاط الحدث فقط.

٢: تعمد حذف أو إخفاء بعض التفاصيل المهمة لإضفاء قوة تأثيرية على المعنى فتؤثر بالتالي على المشاهد وتجعله أكثر استمتاعا بأسلوب الفيلم السردي أكثر منه لو ظهرت هذه التفاصيل.

وبتطبيق ذلك على الفيلم نجد أن:

 التعبير الدلالي في المشاهد الأولى نجح في ذلك بشكل كبير حيث أنه عبر عن فترة النكسة وهزيمة يونيو ٦٧ بمشاهد مركزة جدا تعبر عن ما حدث بشكل مباشر من استهداف المطارات والطائرات بشكل مباشر ومفاجئ إلى استهداف كل ما يمكن استهدافه من جنود ومعدات حربية وثكنات عسكرية بالتدمير أيضا استهداف وتحطيم روح المعنوية للمقاتل العربي والسخرية منه. كذلك التعبير عن الحالة التي وصل لها الشعب العربي والمصري خاصة من عدم تقدير وفقدان الثقة في الجيش وفي إمكانية تحقيق النصر مرة أخرى.

مشهد السنترال كان أكثر المشاهد تركيزا وتعبيرا عن عدد من المضامين التي تستغرق وقتا طويلا لتوضيحها ولكن هذا المشهد المركز جمع الكثير منها في هذه الثواني المعدودة حيث نجد أن الفئات المختلفة من الشعب والمتواجدة داخل السنترال تمثل حالة من الوعي الجمعي الذي يمكن أن نعتبره تعبيرا عن كافة فئات الشعب والذي وصل إلى حالة من فقدان الثقة في الجيش وأيضا إلى حالة يقينية من تخلى الجيش طواعية عن الأرض وانسحابه من ميدان المعركة مما جعل النظرة الشعبية للجيش هي نظرة ساخرة مهينة ساخطة. 

 نلاحظ أيضا مدى الكبت الدفين في نفس الضابط والذي يمثل الجيش هنا والذي تحامل على نفسه وتحمل كل المضايقات التي تواجهه من مختلف الجهات الشعبية وظهرت بشكل أوضح في السنترال إلى أن فقد صبره وانفجر في كل من حوله.

  استطاع الفيلم بهذا التركيز أن يعبر بشكل جيد عن فترة زمنية ليست بالقصيرة وعن أحداث وحالة نفسية شعبية سيئة. أيضا عن حالة الإحباط والقهر والإحساس بالعار والخزي والرغبة في الإنتقام من العدو لدى الضباط والجنود بشكل عام فهم يحاسبون على معركة لم يدخلوها من الأساس وحملهم الشعب نتيجة شيء لم يقوموا به كما استطاع بهذه المشاهد التمهيدية أن يؤسس بشكل قوى ويمهد لمراحل الإستعداد والتحفز والبدء في عمليات استنزاف قوية تؤدى في النهاية إلى حرب شاملة.

 أيضا ركزت المشاهد الأولى على المناطق العسكرية والجبلية التي تم فيها تصوير الفيلم، وأظهرت المقدمة التشويقية أجواء الفيلم التاريخية بعروض متتالية لطائرات حربية تُحلق فوق عدد كبير من الدبابات، بالإضافة لقواعد عسكرية ضخمة، ثم عدد من الجنود يسيرون بين الوديان وبعدها ينزلون من فوق جبل مرتفع، واختتمها بمجموعة من الجنود يزحفون قبل أن يستعدوا للتحرك قُدما.

يمكن فهم الإيجازوالإختزال هنا في بعض مشاهد الفيلم على أنه نوع من الإيجاز الفني القائم على الطبيعة العامة للغة السينمائية والذي من خلاله يتم اختيار أهم التفاصيل والأزمنة القوية مع حذف الأزمنة الضعيفة والإيجاز هنا يرتبط بطبيعة فن الفيلم من حيث لمرونة في تشكيل كل من عنصري الزمان والمكان الخاصين بالفيلم بما يخدم عملية السرد السينمائي.

  في بداية الفيلم في مشهد حفر الخندق نجد الضابط نور خارجا من الخندق ثم يتحدث إلى جنوده قائلا: "يا رجاله لازم الحفر يبقى بالعمق ده عشان الخندق ده يحميك بدل ما تندفن فيه". 

  اختزال شديد لزمن وشرح وتدريبات ومحاولات من الجنود ثم تنفيذ عملي وتوجيه من القائد وهو هنا يخدم السرد القصص من ناحية فكل هذه الخطوات مفهومه من السياق ثم يخدم زمن الفيلم حيث استخدم أقل التفاصيل ونقل المضمون إلى المشاهد وهذا يجعله يحافظ على تركيزه وانتباهه.

وفي مشاهد أخرى نجد الإختزال دراميا بمعنى الإيجاز الذي تتطلبه دواعي البناء الروائي من تأثيرات درامية تتمثل في إيجاد الإثارة والقلق والتوتر حيث يعطى للمعاني الدرامية قوة تأثيرية ويقدمها للمشاهد بطريق غير مباشر حتى لا تفقد قوتها المطلوبة وتأثيرها إذا قدمت بشكل أخر صريح.

في أغنية الممر في الدقيقة ٣٠ من بداية الفيلم نجد عدد من الاختزالات الدرامية في مشاهد تم مونتاجها بشكل متوازي تعبر عن تأثير الهزيمة على كافة الفئات منها لقطة أسر الضابط محمود ورفاقه حيث تم حذف وتخطى تفاصيل الأسر وما إذا كان بقتال أودون قتال تاركا ذلك لخيال المشاهد يراه وفق التسلسل الدرامي للأحداث في ذهنه وبناءا على الحالة المعنوية السائدة لدى الجميع في هذه الفترة.

وهناك أيضا الإيجاز لأسباب اجتماعية أو إنسانية أو رقابية: ويقصد به تجنب التصوير المباشر لمواقف القسوة والعنف والحوادث الأليمة أو المشاهد اللاأخلاقية بما قد يخالف الذوق العام والتقاليد الاجتماعية أو بما قد تؤذى الشعور الإنساني بشكل أو بأخر.

ثانيا : الرمز.

 يعتبر الرمز أحد دعائم اللغة السينمائية والتي تعتمد على الصورة في تعبيرها وذلك للإيحاء بالمعاني المراد إيصالها إلى المشاهد والرمز السينمائي لا يقوم على الحذف أو الإخفاء بل يستمد وجوده مما هو ظاهر في الصورة[5]. وفكرة الرمز في الصورة السينمائية بهذا المعنى تقوم على قدرة الصورة في احتوائها على مضمونين في أن واحد أحدهما ظاهر أو مباشر والأخر مستتر أو غير مباشر بحيث يشعر المشاهد بوجود أفاق أخرى تهدف إليها الصورة أي تصبح الصورة ذات بعدين أحدهما مباشر وظاهر والأخر غير ظاهر أو مستتر. ونجح الرمز في كثير من الأحيان في إيصال صورة بلاغية قد تعجز الجمل والعبارات والمشاهد عن إيصالها بنفس المعنى والمضمون.

وفي فيلم الممر الذي لا يخلو من الرمز والرسائل الكثيرة وراءه منذ البداية فنجد على سبيل المثال اجتماع قادة إسرائيل لمتابعة تقارير مصورة نجد أبرزها صورة أم كلثوم وهي تغنى وهو أبلغ دليل على أنها أصبحت رمزا يجتمع حوله العرب جميعا وأمكن استغلاله وتوظيفه لخدمة الهدف والقضية. ثم نجد تكرار صورة الزعيم جمال عبد الناصر المبتسم في هدوء فيه دليل على الثقة في النجاح والإنتصار وعلى استصغار كل ما تقوم به قوات العدو أمام الحق الأصيل للشعب العربي.

غير ذلك من الرموز التقليدية كأن يذكر أحد الجنود على هامش الحوار أن اسمه جورج مثلا فيه رمزا يشير إلى وحدة القضية وإلى أن الشعب بكل طوائفه يخدمون في جيش واحد لقضية واحدة.

   أيضا وجود الدليل السيناوى الوطني أبورقيبة وأخته فرحة التي حلت محله عندما تم القبض عليه دونما أي تردد أو خوف على مصيرها أو ما قد يحدث لها فيه رمز قوى ودليل على شدة إيمان كل المصرين بعدالة القضية ووحدة المصير والإقدام دون خوف أو تردد في سبيل الوطن والأرض.

أدوات اللغة السينمائية :

  ولدت اللغة السينمائية عندما أدرك صانعو الأفلام الفرق بين مجرد الوصل غير المحكم بين مجموعتين من الصور في حالتين مختلفتين من الحركة وبين فكرة أن هاتين المجموعتين من الصور يمكن أن ترتبط إحداهما بالأخرى بمعاني مختلفة إذا اختلف ترتيبهما أو عندما يجمعون بين رمزين مختلفين حيث ينتقل المعنى إلى معنى جديد.. وبالتالي يتم تقديم طريقة جديدة في توصيل إحساس أو فكرة أو حقيقة.. بمعنى أخر واحد زائد واحد يساوى ثلاثة. [6]

  ومن هنا بدأ المهتمون بالنظريات في إجراء تجاربهم ولم تكن هناك أي لافتات في الطريق لكي ترشدهم إلى اللغة التي يحتاجون إليها. وكانت نتيجة التجارب مرضية إلى حد ما في ذلك الوقت.

  يرى أرنهايم أن فن الفيلم يعتمد على تناول ما هو مرئي تقنيا لا ما هو مرئي طبيعيا. فن الفيلم هو نتاج للشد والجذب بين التمثيل والتحريف للواقع. فهو لا يقوم على الاستعمال الجمالي لشيء في الدنيا بل الاستعمال الجمالي لشيء يقدم لنا هذه الدنيا. فالعملية السينمائية لها صفاتها الخاصة فهي ليست نافذة على الواقع بقدر ما هي منشور زجاجي. 

  فإذا كانت اللغة السينمائية هي أداة تواصل بين المرسل والمرسل إليه بما تحمله من معان ودلالات. تقوم الصورة السينمائية بهذا الدور من خلال أدواتها الخاصة. واللغة السينمائية كما في اللغة المنطوقة تكون مباشرة أو غير مباشرة بليغة أو إخبارية. وذلك يتوقف على صانعها والغرض منها.[7]

  فبرغم الاعتقاد السائد بأن الكاميرا السينمائية تسجل صورة مطابقة للواقع إلا أن هذا التطابق في حقيقته تطابق ظاهري ولا يمثل صورة طبق الأصل تماما. فمن الناحية المبدئية هناك فوارق رئيسية بين رؤية الكاميرا للواقع ورؤية الإنسان له. تمثل في مجملها قصورا في رؤية الكاميرا مقارنة بالرؤية الإنسانية ولكنه بمثابة القصور الإيجابي الذي يجعل من الفيلم فنا.

  ومعرفة السينمائي للعناصر التي تكون هذا القصور تمثل أثاثا هاما في توظيفه الخلاق للصورة السينمائية. ولا يقدم صورة طبق الأصل من الواقع بل يقدم ما يمكن تسميته الواقعية الفنية.

  فعنما تبدو شخصية ما واقعية داخل عالم الفيلم لا خارجه نستطيع أن نتقبل تصرفاتها بافتراض الشخصية أو العالم الذي أنشئ في الفيلم ومن ناحية أخرى عندما نحكم على شخصية بأنها واقعية داخل عالم هذا الفيلم أو ذاك لا يعوزنا أن نبين أنها لن تكون قابلة للتصديق خارجه. فإن قابلية تصديق الشخصية يحكم عليها من خلال التطورات الجارية في سياق الحكاية وبهذا لا تحتاج تصرفاتها أي اعتبارها غير واقعية في ضوء حكم الواقع بل اعتبارها واقعية فقط في ضوء المعتقدات المتولدة من الداخل.[8]

  قدم فيلم الممر صورة للبطل نور قد تكون غير منطقية لكثير من المشاهدين حيث نجد هذا الضابط في شكل مثالي قد يبتعد قليلا عن الواقع فمن في مكانه ويعيش في هذا الجو المشحون الغير واضح والمضطرب من المنطقي أن نراه في حالة من الخوف والانهيار وفقدان الثقة في القيادة بعد النكسة وخاصة بعد أن رأينا الاضطراب والفوضى وسوء التقدير من القيادات والتي كانت من الأسباب المباشرة للنكسة. والى أدت أيضا إلى حالة من الغضب الشعبي العام ضد القيادة والجيش إلا أننا وجدنا الوجه الأخر الذي يثق في قدراته وقدرات الجيش والقيادة ويشير إلى أن المعركة مستمرة وأن الفوز والنصر سيتحقق في النهاية لأن من يدافع عن الحق وعن الأرض لابد وأن الله سينصره. رأينا ذلك في مشهد حوار الأب نور مع ابنه على الذي كان يعاني هو الأخر من تنمر زملائه عليه وعلى أبيه.

  أيضا وجدنا شخصية الجندي القناص هلال الصعيدي الذى يقف في مواجهة طائرات العدو بكل ثبات وقوة ودون أدنى شعور بالخوف وهذا غير منطقي بالمرة في السياق الطبيعي ولكننا قبلناه دراميا مع إدراكنا لطبيعة هذا الجندي وطبيعة نشأته فهو مشحون بقوة الإيمان بعدالة القضية وبسمو الرسالة التى يحملها، فاستطعنا تقبل بل والتعاطف مع الشخصية فهي تتماشى مع الواقع الدرامي التي وضعتنا فيه ورأينا ذلك متجسدا في شخصية هذا الجندي الشجاع هلال والذي استطاع أن يسيطر على مفاتيح الشخصية حتى النهاية.

الإطار :

لا يوجد مجال لمقارنة حدود صورة الفيلم وحدود النظر البشري لأنه بكل بساطة لا وجود للتحديد في المدى الحقيقي للرؤية الإنسانية.

ويمثل الإطار عنصرا أساسيا بشكل مطلق إذا أراد الفنان عرض الصفات الجمالية في الصورة. حيث لابد من مكان محدد يجرى فيه التنظيم فليس ثمة توازن في اللانهائي

فالسينما فن ينظم عناصره داخل إطار مكاني يمثل مساحة الشاشة وإطار زماني يمثل توالى الأحداث بطريقة معينة وإيقاع معين. اختيار المادة الفيلمية هو الميدان الأول في العمل الخلاق للسينما والنقطة الثانية هي تنظيم محتوى الإطار.[9]

  في مشهد من المشاهد الفارقة في فيلم الممر بين الضابط نور وزوجته حوار كاشف يوضح الحالة المضطربة والغير واضحة بالنسبة للضابط فيطلب منه أن تذهب هي والإبن إلى بيت أبيها لبعض الوقت فلم يعد هو هو بل أصبح شخصا أخر لا يعرفه. بينما نجد الصورة واضحة تماما أمام زوجته حيث تدرك الموقف جيدا وتدرك دورها تماما في هذه الفترة الحرجة فنجد الإطار ( الكادر)  يعبر عن ذلك تماما حيث يقف على أمام ستاره تلقى بعض الضبابية عليه في نصف التكوين بينما تقف زوجته واضحة تماما في النصف الثاني.

  التوازن في الصورة قائم على التساوي والتقابل في الكتل ما يشير إلى أن تنظيم محتوى الإطار له دلاله واضحة دراميا ونفسيا فعندما ينقسم الإطار إلى نصفين يشير إلى المساواة وتشير لغة السينما هنا إلى الرمزية المطلقة التي يتحدث عنها المشهد فتساوي الأدوار يرمز إلى التكامل المطلق أيضا فدور المرأة وقت الحرب لا يقل أهمية عن دور المحارب نفسه إذا قامت به كما ينبغي فهى الداعمة النفسية الأولى وهى الأب والأم في البيت .

  كان للصورة هنا خاصية أخرى وهى دورها الدال فكل مايظهر على الشاشة في الحقيقة له معنى وفن الفيلم كغيره من الفنون يجعل من الصورة أن تكون دالة بطريقة مباشرة  ورمزية في نفس الوقت حيث يشير الرمز لحقيقة أعمق وهى التي نراها وراء تلك المظاهر.

أحجام اللقطات :

ولسنا بمجال هنا لشرح أحجام اللقطات ولكننا نشير إلى الإبداع في توظيفها بما يتناسب وتكوين الصورة الكاملة الواضحة عن الموضوع داخل اللقطات أو محور المشهد. تلك الصورة التي يرسلها إلينا لمخرج أو الفيلم بلقطات معينة مختلفة الأحجام والترتيب بقصد أن تصل الفكرة والصورة والرسالة كما يريدها.

فمثلا في مشهد الجندي هلال الذي يواجه الغارة الجوية بمفرده وبشجاعة مذهلة قد تصل في إدراكها لأن توصف بالانتحار أو أن هذا الشخص فعلا لا يبالى نجد صفير إعلان الغارة ثم إسراع الجنود إلى الخنادق في لقطة عامة.

  خروج الجندي هلال عن الصف   في لقطة متوسطة وزاوية رؤية منخفضة لنراه شامخا  ثم في لقطة أضيق نجد فوهة السلاح في مواجهة الغارة ونجد الفارق الكبير جدا في النسب بين حجم السلاح في الصورة وحجم الطائرات القادمة مما يبين الرسالة من المشهد فمهما كانت القوه غاشمة فهي ضئيلة في مواجهة سلاح الحق والتصميم على الانتصار .

  بنفس الطريقة نجد لقطتين كبيرتين لهلال في مواجهة الغارة يكل جرأة وعزم وتحدى شديد ونلاحظ أيضا في التكوين مدى التباين بين حجم هلال في الصورة وحجم الطائرات المعادية الغادرة. بزوايا أيضا أقل من مستوى الرؤيا للتعظيم وقبل أن نتساءل عن اللقطات التي تجمع هلال بالغارة الجوية نجد الإجابة

لقطة عامة كأنها لقطة تأسيسية ولكنها متأخرة حيث أن الحدث الهام في المشهد ليس الغارة نفسها وإنما هذا الشاب الجريء الذي يتصدى لها ومن هنا جاء هذا الترتيب في اللقطات حيث أن الرسالة من المشهد هي أن الجندي المصري القوى المؤمن بعدالة قضيته يواجه غارة جوية بمفرده دون أدنى خوف أو حساب وهذ يشير إلى بلاغة اللغة السينمائية فلو اختلف ترتيب اللقطات لاختلف فهم المشهد تماما وبالتالي اختلفت الرسالة البصرية والذهنية المطلوبة.

  تتوالى بعد ذلك اللقطات الضيقة حيث نجد هلال بالفعل يحاول بسلاحه البسيط إصابة الطائرات المغيرة إلى أن تتركه وتنتهي الغارة وتتركه بمفرده بنفس حالة التصميم والإرادة وهنا تنخفض زاوية اللقطة أكثر ليزداد عظمة وتفخيم دلاة على حالته بعد مرور الغارة .

 ترابط الأدوات المستخدمة في اللغة السينمائية :

   أيضا من بلاغيات اللغة السينمائية أن تدفعك للتساؤل وابحث عن إجابات لكثير من الأسئلة ومقارنة الفيلم بأفلام أخرى للإجابة فهل هذا الفيلم استطاع أن يوظف تراك الصوت ليكمل ويضيف لرسالة الصورة ليس هذا فقط وإنما يؤكد على أهمية  أن يكون هناك تماسك في الشخصيات وفي الواقع الفني الذى وضعنا فيه الفيلم هل هذه الشخصيات صادقة بالنسبة لما نراه في الحياة وهل التصوير  كان نمطيا أم أنه أعد بشكل جيد ليتناسب مع طبيعة الفيلم وه أجزاء الفيلم مرتبطة وتضيف من أجل شيء ما وهل هناك إيقاع متين حتى يصبح هناك شكل وذروة وبناء وتوتر ثم يتم تفجيره!

  الأهم من ذلك هل هناك عقل وراء العمل وهل هناك إحساس بأن عقلية واحدة هي التي فرضت رأيها الخاص على مادة الفيلم.

  الإجابة على كل هذه التساؤلات قد تكون صعبة وقد كون سهلة وقد لا تحتاج لها فبمجرد استمتاعك بالعمل تدرك إجابة الكثير من الأسئلة.

  في مشهد أغنية الممر مونتاج الأغنية مبنى على القطع المتوازي لعدد من الشخصيات التي ظهرت منذ بداية العمل ونلاحظ أن الأغنية أوضحت كثير من التطورات التي حدثت لهذه الشخصيات بلقطات قليلة جدا أي أن الأغنية في المجمل أوصلت رسائل عدة بوقت قصير جدا وبالتالي اختصرت كثير من الوقت اللازم لإحداث نفس التأثير.

  تراك الصوت لو تم حذفه لتغير الأمر من رسائل درامية إلى لقطات غير مترابطة بأي شيء وستبدو وكأننا نقوم بعمل فاصل من مشاهد متفرقة.

  التصاعد الدرامي لكل شخص مبنى على ما سبق فمثلا تأثير ما حدث على موظف السنترال (حجاج عبد العظيم) وأنه حزين لما حدث منه تجاه الضابط وأن الضابط معه الحق فبدلا من الدعم النفسي الذى يحتاجه كل جندي يقابله السخرية والشماتة التي تزيده انهزاما وضعفا. الصحفي الذى يعمل عند الراقصتين وهو غير مقتنع أوضحت لنا اللقطات عدم اقتناعه بهذا الصنيع وهذا ما جعلنا نتقبل ما سيفعله بعد ذلك (مراسل حربي). الضابط المهندس الذى قرر ترك خطيبته خوفا عليها من مصيره المجهول. الضابط محمود الذى وقع في الأسر هو ومجموعته. حال وموقف المجتمع والقيادة السياسية من الحرب. الحال الذي وصل إليه الضابط نور بعد موقف السنترال وابنه الذى هو أمل المستقبل. وكيف أنه سيخرج من هذه الأزمة النفسية ليبدأ بداية مختلفة. الجندي هلال الذي ينتظر في مكان حراسته مترقبا أي هدف إسرائيلي دون خوف أو تردد.

  وضعتنا هذه الأغنية في مكان مختلف عما قبلها من أحداث واختصرت الكثير والكثير من المشاهد والحوارات التي كانت ستؤدى بنا إلى  نفس النقطة ولكن  بعد عناء ومجهود وتكاليف كثيره فعلت كل هذا بلقطات قليلة جدا الأغنية مما يدل على فكر الصانع وإمساكه باقتدار بكل خيوط العمل والشخصيات.

  في الإمكان أن لا يفهم المتفرج ما أراد المخرج أن يقوله أو أن يسيء فهمه. إن المتفرج، طبقًا لانتباهه ومستوى ذوقه وتعلمه وثقافته وآرائه الأخلاقية والسياسية والاجتماعية ووجهات نظره، يستطيع أن يرى في الصورة نفسها معاني شديدة التنوع.. وهناك تصورات بقدر عدد المتفرجين. وليست السينما بالميدان الوحيد الذي يتنوع فيه العمل الفني في تلك المرايا العديدة ذات الجوانب المتعددة التي هي ضمائر المشاهدين. وإذن فالصورة وحيدة المعنى حقًا في محتواها المادي الذاتي لكنها مع ذلك مرنة على نحو، مدهش عندما تقابل بجاراتها اللاتي يعطينها "المعنى" الذي يريده المخرج وإذا كان في وسع الوثيقة الفوتوغرافية أن تضمن مادية الواقع الذي تصوره ذاتها (مع افتراض أنه لم تحدث فيه خدعة)، إلا أنها لا تثبت شيئًا مطلقًا فيما يتعلق بمعنى الحدث. ومن هنا دور التوليف أو التعليق.

ويتوقف كل شيء في النهاية وإلى حد كبير على إدراك المتفرج للصور بناءا على مخزونه المعنوي والذهني، وهو دائمًا عرضة للوقوع في "معنى عكسي" أو "معنى زائف"، أي أنه يمكن أن يفلت منه الجوهر.

كل هذا يبين أن الصورة الفيلمية رغم، دقتها، بالغة الليونة وقابلة لمختلف التفسيرات.

  نجح "الممرّ، من وجهة نظري، في ثلاثة أمور مهمة للغاية؛ أولها أنّه رصد بطريقة غير مباشرة، في بداية أحداث الفيلم، أسباب هزيمة يونيو/حزيران 1967 دون تدليس أو مواربة، رغم أنّ ذلك الأمر يقدح في نظام الرئيس عبد الناصر، لكنّ صناع الفيلم كانوا مباشرين في ذلك وعرضوا جزءاً منها، من خلال الحوار بين الأبطال، وأهم ما عُرض كان حالة الفوضى وسوء التخطيط وتقدير الموقف الذي كان يعرفه الجميع ولا يستطيعون شيئاً حياله.

  نجاح فيلم الممر جعل الدخول إلى منطقة الأعمال الوطنية، ليس محظورا، حيث مهَّد "الممر" الطريق إليها بأمان، فضلا عن أنه خلق حماسا وفضولا لدى صناع السينما والدراما، لتسليط الضوء على المزيد من الأعمال التي تناقش قضايا الحروب والقصص الإنسانية داخلها.

  عقب عرض فيلم "الممر"، طغى على المشاهدين حالة من النشوة والسعادة لما رأوه من محتوى يدعو إلى التفاخر، دفعهم إلى المطالبة بإنتاج المزيد من الأفلام الوطنية التي تشير إلى جنود منسيين بمثابة أبطال.

  من داخل شرفات المنازل ينبع صوت التصفيق والفرحة، مع كل مشهد انتصار للجنود المصريين ضمن أحداث الفيلم، الجميع في آن واحد يشاهدون العمل، ويشعرون بعزة النفس والكرامة التي وهبها لهم هؤلاء الجنود بدمائهم وأرواحهم.

  في مشهد لا يتكرر إلا في مباريات القمة أو بطولات يشارك فيها المنتخب المصري، التفت الأسر المصرية في البيوت، حيث عزمت على مشاهدة فيلم الممر، حتى المقاهي عرضته، ما خلق حالة من البهجة في الشارع.

  نجاح فيلم الممر لم يقف عند حد الإشادة من الجمهور والنقاد فحسب، بل وصل إلى شباك التذاكر أيضًا، حيث بلغت إجمالي إيرادات العمل منذ عرضه حتى ليلة السبت 5 أكتوبر 74.488.643جنيه.

  وزاحَمَ (الممر) أقوى الأفلام في تاريخ السينما المصرية، ليحتل المركز الرابع في ترتيب الأعمال الفنية الأكثر من حيث الإيرادات.

 يعتبر (الممر) مغامرة كبيرة، راهن عليها المخرج شريف عرفة، وأبطال الفيلم، وعلى رأسهم الفنان أحمد عز، فهم أسماء كبيرة في عالم الفن، وغالبًا تلك النوعية من الأعمال، يكون نجاحها غير مضمون، مثل نظيرها من الأفلام الأخرى، وهو التحدي الذي نفذوه، وجنوا ثماره في النهاية.

  صناع الفيلم تغلبوا على مخاوفهم التي راودتهم بسبب غياب الأفلام الوطنية على الساحة منذ وقت طويل، وفازوا بالرهان، فاستطاعوا تقديم تحفة فنية لاقت إشادة المصريين والعرب، وتقديم محتوى سيخلده التاريخ وتتعلم منه الأفلام المقبلة.

لم يكن(الممر) مجرد فيلم وطني عابر، يمكن مشاهدته والتنبؤ بأحداثه، التي اعتدنا أن تدور إما عن نكسة 1967، أو انتصار أكتوبر المجيد 1973، ولكنه رصد فترة لم تتحدث عنها الغالبية العظمى من الأعمال الوطنية، وهي "حرب الاستنزاف، وغليان الشارع المصري، وعلاقة الشعب بالجيش".

ملحمة تاريخية، عاش أبطالها الحقيقيون فترة عصيبة في تاريخ مصر، ضحوا من أجل ترابها، منهم من ماتوا فداء الحرية ورفعة مصر، وآخرين عاشوا ليرووا ذكريات النصر بجباه مرفوعة كقمم الجبال، كل هذا وأكثر، جسَّده صناع فيلم "الممر" الذين أرَّخوا تلك الحقبة، وتعمقوا في تفاصيلها.
  
يقول منتج الفيلم هشام عبدالخالق إن الفيلم تم تصويره فى 21 مكان تصوير، فى 5 مدن مختلفة هى السويس، جنوب سيناء، أسوان، الإسماعيلية والقاهرة، ومن أجله تم بناء ديكورات تحاكى المعسكرات الإسرائيلية والمصرية وغرف القيادة خلال حرب 67 وما بعدها، لتظهر الأحداث بشكل يضاهى الحقيقة، كما تم الاستعانة بعدد كبير من المعدات العسكرية الحقيقية التى شاركت فى حرب 67، كما تستخدم فيه الذخيرة الحية، لتبدو الأحداث للمشاهد حقيقية فى زمن الحرب، ومن أجل أن يتحقق ذلك تلقى أحمد عز تدريبات في مدرسة الصاعقة بالقوات المسلحة لمدة أسبوعين.

  كانت بعض مناظر الديكور والأزياء من سلبيات ونقاط ضعف الفيلم؛ فلم يستطع المخرج ومهندس الديكور التعبير بدقة عن الفترة الزمنية التي تكتنف أحداث الفيلم، خصوصاً مع المغالاة في ديكور شقة الضابط المصري، بما لا يعكس الحالة المادية والاجتماعية والذوقية في تلك الفترة، كما لم يكن المزج بين المواد الفيلمية المصورة قديماً، ومشاهد الفيلم سلساً؛ فقد كان المزج مفتَعلاً مضطرباً، بخلاف جنوح بعض عبارات الفيلم، التي جاءت على لسان الضابط نور (أحمد عز) إلى الأسلوب الخطابي المباشر، واللغة الشعاراتية المدرسيّة خاصة في كثير من حوارات المراسل مع أعضاء الكتيبة.

  السينما غير مطالَبة بمحاكاة الواقع محاكاة تامة ويعتبر العمل تجربة متميزة لا بدّ من استثمارها بجزء ثانٍ يتجاوز السلبيات

  لكن تبقى ثمة سلبيات ونقاط ضعف في الفيلم، لعلّ أهمّها أنّه عرَض شخصية المراسل العسكري بشكل كوميدي لا يتناسب وطبيعة الفيلم، من خلال الدور الذي أدّاه الممثل الكوميدي أحمد رزق، وهو ما أعطى الشخصية بُعداً ساخراً، وأضفى عليها تصوراً جعل المراسل العسكري طوال الفيلم شخصية ضعيفة تجبن عن مواجهة المخاطر، رغم أنّ الجيش المصري كان، ولما يزل، يتخيّر المراسلين العسكريين وفق شروط خاصة.

  وثالث الأمور التي نجح "الممـرّ" فيها؛ التأكيد على دور أهالي سيناء في مقاومة المحتل، وتقديمهم الدعم الكامل لقوات الجيش المصري في تلك الفترة الحساسة، وهو أمر يُعدّ تقديمه مهماً في الوقت الحالي، مع تزايد الأعمال الإرهابية في سيناء، ومواصلة اتهام بعض أهالي سيناء بالتعاون مع الإرهابيين!

  أما ثاني الأمور التي نجح صناع الفيلم في إبرازها؛ فيتمثل في بثّ روح المقاومة وإذكائها، واستعادة الأمل مهما كانت الظروف، وتذكير الشباب المصري خاصة، والعربي عامة، بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث يعرفون أنّ العدو الإسرائيلي هو الخطر رقم (1) الذي ينبغي أن نواجهه ونستعد له باستمرار؛ لأنّ أطماعه في المنطقة لن تنتهي إذ هي قائمة على نزعة لاهوتية، التفت إليها كاتبا الحوار (شريف عرفة وأمير طعيمه)، فكانت الإشارة إليها عن طريق حوار حدث بين الضابط المصري، نور (أحمد عز)، قائد مجموعة الصاعقة، والضابط الإسرائيلي ديفيد (إياد نصار).

  نجح صنّاع الفيلم؛ الكاتب والمخرج شريف عرفة، وفريق الفنيين والمساعدين والأبطال، في صناعة توليفة سينمائية ليست بالطبع متسقة ومتوافقة مع الأحداث التاريخية الحقيقية في تلك الفترة، لكنّها، على أيّة حال، جاءت معبرة عن مضمون الأحداث، ولو بشكل جزئي، تحتل فيه الدراما جانباً معتبراً، فيما يتوارى التاريخ والأحداث الحقيقية، وهذا أمر طبيعي رغم اعتراض أعضاء المجموعة المصرية، المعروفة باسم "73 مؤرخين".

وحيد الملاح

مدير تصوير وناقد سينمائي  

المراجع :

اللغة السينمائية              مارسيل مارتن ترجمة سعد مكاوى  أقلام عربية للنشر والتوزيع الطبعة الأولى ٢٠١٧

فن السينما                   رودلف أرنهايم  ترجمة عبدالعزيز فهمي  المؤسسة المصرية العامة للطباعة والنشر

النقد السينمائى.             د وليد سيف  الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠١٥

اللغة السينمائية.            هاشم النحاس   الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠١٩

أسرار النقد السينمائي      د وليد سيف  الهيئة العامة لقصور الثقافة ٢٠١٢

قواعد اللغة السينمائية      دانييل أريخون     ترجمة أحمد الحضري   الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٩٧

سحر السينما.               على أبوشادى.  الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠٠٥



[1] ص٩ كتاب اللغة السينمائية مارسيل مارتن

[2] من كتاب النقد السينمائي د. وليد سيف 

[3] ص١٨ كتاب اللغة السينمائية مارسيل مارتن

[4] شبكة الانترنت  موسوعة مقاتل من الصحراء المبحث ١٩ أسس اللغة السينمائية

[5] اللغة السينمائية  مارسيل مارتن

[6] ص١٠. قواعد اللغة السينمائية   دانييل أرخون

[7] ص١٣ اللغة السينمائية. هاشم النحاس

[8] ص١١٨ التذوق السينمائي الان كاسبار

[9] ص ٢٢ عن السينما رودولف أرنهايم

الجمعة، فبراير 18، 2022

February 17, 2022من كواليس تصوير برنامج ملامح القناة الثانية عن الإذاعي والروائي ضياء سليمان

من كواليس تصوير برنامج ملامح القناة الثانية عن الإذاعي والروائي ضياء سليمان 

 

تم تصوير البرنامج يوم الأربعاء ١٦ فبراير ٢٠٢٢٬ بمدينة الشيخ زايد.

 

تم التصوير باستخدام كاميرتين Canon 5D Mark IV وعدسات كانون واحدة ٢٤:٧٠/٢.٨ ٬ والثانية ٧٠:٢٠٠/٢.٨ .

 


Translate ترجم إلى أي لغة

بحث Search

عام جديد سعيد 2025

أرشيف المدونة الإلكترونية


شرفتنا بزيارتك أنت اليومَ الزائر رقم