بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، أبريل 23، 2010

نهر النيل في مفترق التوجهات


   قبل حوالي عقد من الزمن و بالتحديد في فبراير 1999م. وقعت دول حوض النيل التسع بالإضافة إلى إريتريا ( كمراقب ) مبادرة حوض النيل . و هي اتفاقية دولية هدفها أساساً الوصول إلى تنمية مستدامة من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل .وجود هذه الاتفاقية لم يمنع بحال حدوث أزمة بين دول المنابع و دولتي المصب متمثلتين في مصر بإضافة السودان إليها و اللتان تستحوذان على النصيب الأعظم من ماء النهر .
  ما الذي حدث خلال السنوات العشر الأخيرة ؟ و لماذا تذكرت دول المنابع فجأة أنها لا تستفيد – بقدر كاف – من ماء النهر ؟!
  قبل ذلك ، لماذا أساساً توجد مشكلة مياه بين الدول أعضاء الاتفاقية إذا أخذنا في الاعتبار أن حصة  مصر من المياه - تبعا للاتفاقيات القديمة التي ترفضها دول المنابع – لا تزيد عن 55,5 مليار متر مكعب و حصة السودان 18,5 مليار متر مكعب بينما إجمالي حجم مياه الأمطار التي تهبط داخل حوض النيل تبلغ حوالي 1660 مليار متر مكعب من الماء لا يستغل منها سوى 4% و يفقد الباقي نتيجة التبخر أو في المستنقعات و الأحراش .
  واضح طبعاً أن ما يزعج دول المنابع بالأساس رفضها لثلاثة بنود أساسية في مبادرة حوض النيل تعتبرها مصر و السودان مسلمات ، هى :
1-      الاعتراف بالحق التاريخي لدولة المصب بالإضافة إلى السودان في ماء النيل و الذي يحدد الحاجات المائية للدولتين بالحجم المذكور سابقاً . هذا الحق تعارضه دول المنابع لأنه حُدد  تبعاً لاتفاقيات عقدت بين الدول المستعمرة في زمن الاحتلال . في ظل غياب تام لإرادة الشعوب . بينما ترى مصر – على الأقل – أن حجم الماء المخصص لها لا يفي باحتياجاتها في ظل زيادة عدد السكان و النمو في النشاط الاقتصادي ؛ و بالتالي إن لم يزد يجب ألا يقل .
2-      ضرورة الإخطار المسبق لدولتي المصب بشأن أي مشروعات تنشأ على النهر أو فروعه و يمكن أن تؤثر على تدفق الماء بالشكل الطبيعي ، و هو ما أصبحت دول المنابع تعتبره تدخلاً في شئونها الداخلية خاصة بعد ظهور مستثمرين و ممولين للمشروعات التنموية في هذه الدول يعرضون المال لقاء الماء و منهم على سبيل المثال إسرائيل و الصين و السعودية هذه الدول بحاجة للتعاون مع دول غنية بمواردها المائية و تربتها الخصبة ، كما لا يغيب عنا أن إسرائيل تسعى منذ أمد بعيد لتأمين احتاجاتها من الماء من نهر النيل و هو ما رفضته مصر مسبقاً حفاظاً على اتفاقيات تقسيم ماء النهر لكن مصر أيضاً لم تقدم مشاريع واضحة للتعاون المستمر مع دول المنابع يكفي هذه الدول و يؤمن استقرارها و يؤكد ارتباط المصالح التي تؤكدها مبادرة حوض النيل دون القيام بخطوات جادة خلال عقد كامل تلى توقيع المبادرة وانشغلت فيه مصر بقضايا أخرى أغلبها محلية ، ثم انتهى الأمر بدول المنابع تطرح فكرة مفادها : إن على مصر و السودان أن تدفعا مقابلا مالياً لقاء ما تحصلان عليه من ماء .
3-      الالتزام بقاعدة الإجماع عند التصويت لتغيير أي من البنود الأساسية للاتفاقية ، و االموافقة بالأغلبية عند تغيير أي من البنود الأقل أهمية ، و في الحالتين كلتيهما لا بد من موافقة مصر و السودان ؛ مما يعني التحكم التام لهاتين الدولتين في مصير المبادرة و تبعية جميع دول الحوض لآرائهما و تصوراتهما و ربما مصالحهما أيضاً .
هذا البند الأخير فيما يبدو كان السبب وراء الخروج على مصر و السودان . الخروج الذي بدا كما لو كان انقلاباً قامت به دول المنابع السبع على سلطة  دولتي المصب و هو ما يؤذن بتوتر لا يبدو أنه سيكون عسكرياً في المنطقة . بل ربما كانت السبب فيه قناعة لدى دول المنابع السبع أن انشغال مصر و السودان بشئونهما الداخلية سيحول دون القيام بأي خطوات حقيقية تمنع تهميش دورهما و الحط من مكانتهما بين دول الحوض .
ببساطة ما سبق معناه أن المشكلة بالأساس ليست في ماء النهر الذي و إن كان المصدر الأساسي لاستمرار الحياة في مصر . أيضاً المورد الأكبر للماء المستغل في الأنشطة الاقتصادية و الشرب في السودان ، لكنه مع ذلك لا يعد إلا جزءاً بسيطا من الماء المهدر في دول المنابع  و بذلك تكون القضية في العلاقات الاقتصادية و السياسية بين مختلف دول حوض النيل . تلك العلاقات التي تضمن استمرار تبادل المنفعة دون فرض ضغوط من بلد على الأخرى و دون الاتكاء على مسألة الحقوق التاريخية .

هناك تعليقان (2):

  1. أخشى أن تكون بوادر الحرب على الماء و قرع طبول الحرب العالمية الثالثة
    فالماء هو الحياة و ليس له بديل ،بعد أن حاربت أمريكا دولا و خلغت حكومات و رؤساء من أجل الماء هاهي الآن تخطط لضمان حصة إبنها بالتبني إسرائيل.
    تبدأ الأزمة من النيل لتنتهي بالفرات و يتتحقق الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات

    ردحذف
  2. ما أخشاه حقاً أن ليس هناك من يحارب ، و هذا ما حدا ببعض المستفيدين أن يؤلبوا دول المنبع على مصر و السودان المشغولتان بهمومهما الداخلية

    ردحذف

إعلانات مدمجة

مشاركة مميزة

تمديد فترة التسجيل في الدورة السادسة من المهرجان الدولي للسينما البيئية في قابس حتى 15 فبراير 2025 عند منتصف الليل

  أعلنت إدارة المهرجان الدولي للسينما البيئية في قابس، تونس عن تمديد فترة التسجيل للمشاركة في دورته السادسة، المقرر انعقادها في الفترة من 12...

سيعجبك أيضاً إن شاء الله