قبل سنوات كنت أظن وجود الصحفي مصوراً كان أم مراسلا في ميدان الحدث وقت وقوعه يعطيه ميزة بخصوص الاطلاع على الحقيقة المجردة قبل تداولها و تنقيحها و تعديلها أحياناً من قبل محرري الصحف و نشرات الأخبار و من قبل المؤسسات الصحفية، بل و الأجهزة الأمنية أيضاً و التي تمارس دور الرقيب على وسائل الإعلام المختلفة فيما يبدو لأنهم يظنون أنهم يعرفون أكثر و لديهم دراية أكبر بمصلحة الوطن.
ذلك التصور تلاشى تقريباً بمجرد أن بدأت العمل في مجال الجمع الإخباري News Gathering ، و الجمع الإخباري لمن لا يعرف يشير في محطات التليفزيون المختلفة إلى الأفراد و الإدارات المكلفين بنقل الأحداث من ميادينها سواء عن طريق التسجيل و عمل تقارير أو فيديوهات ذات تحرير مبدئي Raw Cut Footage و أيضاً عن طريق البث المباشر بأجهزة الاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية .
عندما وجدت نفسي في قلب الأحداث اكتشفت أن هؤلاء الموجودين حولي سواء المشاركون في الأحداث أو الصحفيون لا يستطيعون معرفة أكثر مما تكشفه زاوية رؤيتهم المحدودة ، أما الحقيقة فلا شك أنها أشمل و أعم و أكثر تعقيداً و تعدداً .
هذا تحديداً ما أوجد مجالاً خصباً في وسائل الإعلام للتأويل و التحوير و التأليف و التزييف أحياناً . كل ذلك يحدث عادة في مرحلة ما بعد الجمع الإخباري ، أما عملية الجمع نفسها فغالباً ما تكون محايدة سواء رغب في ذلك القائمون عليها أم لا ، فطبيعة الأحداث المتسارعة و ضغط عجلة التطورات تجعلانهم في لهاث دائم للحاق فيلحقون تارة و أخرى يخفقون لكنهم في كل الأحوال يستمرون ، و حتى لو كان ما يقومون به يتعرض لتشويه من قبل الجهات التي يعملون لصالحها لكن الحقيقة التي سجلتها الكاميرات تبقى وثائق سيأتي من يفحصها و يدرسها و يحللها يوما ، ثم يقارنها بغيرها ليكشف أو يكتشف ما كان خفياً .
و بما أن المتلقي يرغب في معرفة الحقيقة ؛ عليه أن يفقد الثقة و ينتهي عن تقديس ما تقدمه له وسائل الإعلام المختلفة سواء الصحف أو الفضائيات و حتى مواقع الإنترنت ليستطيع نقدها و إعادة ترتيب المفردات فيحصل على صورة أقرب ما يمكن للحقيقة .
تلك المعلومة ليست جديدة ، بل هي قاعدة أصبح الكثيرون يعرفونها ، و هذا ما يجعلهم يتشبثون بمحول قنوات الستالايت أو يبقون لساعات محملقين في شاشات حواسبهم سعياً ليس فقط إلى المعرفة التي أصبحت متاحة بتدفق شديد الغزارة في السنوات الأخيرة ، لكن أيضاً لاستكشاف ما خلف المعلومات المجردة .
المشكلة هنا ليست في ارتياب المتلقي تجاه الخبر الذي يصله إلى بيته بل في توجسه من وجود الصحفيين و المصورين الذين يبذلون وقتهم و جهدهم و أحيانا أعمارهم في محاولة كشف زاوية رؤية أكبر تتيح في النهاية لعامة الناس مزيداً من المعرفة . هذه الريبة تطورت لتصبح عنفاً موجهاً و رفضاٍ لا يخفى على أحد .
هنا تكمن القضية حقيقة ، فمنع الصحفي عن ممارسة مهنته لن تكشف الحقيقة لكنها ببساطة ستريح رؤوس البعض ممن يسعدهم أن يبقى الظن لدى الشعوب في واحدية الحقيقة و جلائها ، و ذلك يجعلهم لا يبذلون جهداً في مناقشة صور أو تصورات مختلفة للحدث بقدر ما يركزون جهدهم في تقديم لوحة جيدة الصنع ، و أحياناً رديئة الإخراج ، يقتنع بها الجمهور و يرتاح إليها صانعوا القرار .
ذلك ما دأبت على صناعته و حرصت عليه الأجهزة الأمنية في الماضي القريب و كان كل مصور ليحصل على تصريح للتصوير يستغرق عشرات الأيام و أحيانا شهوراً مما يعني أنه لا يستطيع تغطية أي حادث مفاجئ أو حتى غير مفاجئ ، و مع ذلك كان يسمح بالتصوير فقط بعد أن يقوم البعض بتنظيف موقع الحدث و هو ما يعني إعادة ترتيب الأدلة ليستطيع المسئولون رسم صورة متكاملة للنتائج التي سوف تسفر عنها التحقيقات فيما بعد و طبعاً بما لا يعرضهم - على الأقل - لوجع الدماغ .
هذا ، و ربما لاحظ البعض أن ثمة انفراجة في حرية العاملين في مجال الجمع الإخباري أثناء الثورة في ميدان التحرير ، و بعد الثورة في ربوع مصر و هو شهر عسل لم يطل و بدأ التصوير و خاصة الفيديوي يمثل مشكلة لدى البعض ، و رجع تربص ما بالمصورين و الصحفيين حتى لو لم يكن بنفس الكثافة كما كان قبل لكنه يعود رويداً . كما زاد الطين بلة أن وسائل الإعلام المختلفة و التي تداولت موضوع الجاسوس الإسرائيلي و صوره على أنها انفرادات صحفية و سبق لكل وسيلة على حدة ، هؤلاء جميعا ركزوا على أنشطة مختلفة للجاسوس تشترك جميعاً في أنها معظمها أنشطة يمكن أن يقوم بها كل صحفي أجنبي أو حتى مصري بدءاً من سؤال الناس عن أحوال البلد و حتى التقاط صور لنفسه أمام الأهرامات ، و طبعا ليس المجال هنا مناقشة أدلة و تحقيقات تقوم بها جهات مسئولة دون شك تعرف أكثر مما هو معلن ، لكن المسيء فعلاً هو رسم صورة لهذا الجاسوس على أنه مجرد صحفي ، و ربما صحفيٌ " شاطر " يُرصد وجوده دائماً في مواقع الأحداث ، و طبعا لا ينقص الناسَ مثل تلك الصور ليتحولوا إلى ضباط مباحث يتعقبون كل صحفي و كل أجنبى ؛ حتى أن صحيفة كأخبار اليوم ( العدد الأسبوعي لجريدة الأخبار المصرية ) ظهرت علينا السبت الماضي بخبر أفردت له مساحة مبالغاً فيها على صفحة الغلاف بعنوان يقول ماذا تفعل هذه السيدة الأجنبية بميدان التحرير ؟! و الغريب أن وجود سيدة أجنبية بميدات التحرير ليس و لم يكن أبدآً مثيرآً للريبة إلى هذا الحد ، خصوصاً و ما كانت تقوم به تبعاً لرواية الصحيفة يوحي بأنها إما صحفية أو إحدى ناشطات أو موظفات جمعية تعمل في مجال حقوق الإنسان و كأني بالجريدة تستعدي الناس تجاه هؤلاء و إلا، إذا كانت الجريدة تعرف أكثر بشأن هذه السيدة تحديداً ؛ فلم لم تذكر ما عندها من معلومات ، و إن كانت لديها معلومات شديدة الخطورة بحيث لا يمكن ذكرها ، فلماذا يتم تصوير السيدة على أنها مجرد صحفية أو ناشطة حقوقية ؟
من جهة أخرى لو لم يكن لدى الجريدة معلوماتٌ كافية تدين سيدة ما فكيف تفرد هذه المساحة لخبر يسيء إليها و ربما يعرض حياتها و آخرين للخطر ، ألا يعد ذلك جريمة أو على الأقل إخلالاً بأصول الشرف المهني ؟
ذلك التصور تلاشى تقريباً بمجرد أن بدأت العمل في مجال الجمع الإخباري News Gathering ، و الجمع الإخباري لمن لا يعرف يشير في محطات التليفزيون المختلفة إلى الأفراد و الإدارات المكلفين بنقل الأحداث من ميادينها سواء عن طريق التسجيل و عمل تقارير أو فيديوهات ذات تحرير مبدئي Raw Cut Footage و أيضاً عن طريق البث المباشر بأجهزة الاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية .
عندما وجدت نفسي في قلب الأحداث اكتشفت أن هؤلاء الموجودين حولي سواء المشاركون في الأحداث أو الصحفيون لا يستطيعون معرفة أكثر مما تكشفه زاوية رؤيتهم المحدودة ، أما الحقيقة فلا شك أنها أشمل و أعم و أكثر تعقيداً و تعدداً .
هذا تحديداً ما أوجد مجالاً خصباً في وسائل الإعلام للتأويل و التحوير و التأليف و التزييف أحياناً . كل ذلك يحدث عادة في مرحلة ما بعد الجمع الإخباري ، أما عملية الجمع نفسها فغالباً ما تكون محايدة سواء رغب في ذلك القائمون عليها أم لا ، فطبيعة الأحداث المتسارعة و ضغط عجلة التطورات تجعلانهم في لهاث دائم للحاق فيلحقون تارة و أخرى يخفقون لكنهم في كل الأحوال يستمرون ، و حتى لو كان ما يقومون به يتعرض لتشويه من قبل الجهات التي يعملون لصالحها لكن الحقيقة التي سجلتها الكاميرات تبقى وثائق سيأتي من يفحصها و يدرسها و يحللها يوما ، ثم يقارنها بغيرها ليكشف أو يكتشف ما كان خفياً .
و بما أن المتلقي يرغب في معرفة الحقيقة ؛ عليه أن يفقد الثقة و ينتهي عن تقديس ما تقدمه له وسائل الإعلام المختلفة سواء الصحف أو الفضائيات و حتى مواقع الإنترنت ليستطيع نقدها و إعادة ترتيب المفردات فيحصل على صورة أقرب ما يمكن للحقيقة .
تلك المعلومة ليست جديدة ، بل هي قاعدة أصبح الكثيرون يعرفونها ، و هذا ما يجعلهم يتشبثون بمحول قنوات الستالايت أو يبقون لساعات محملقين في شاشات حواسبهم سعياً ليس فقط إلى المعرفة التي أصبحت متاحة بتدفق شديد الغزارة في السنوات الأخيرة ، لكن أيضاً لاستكشاف ما خلف المعلومات المجردة .
المشكلة هنا ليست في ارتياب المتلقي تجاه الخبر الذي يصله إلى بيته بل في توجسه من وجود الصحفيين و المصورين الذين يبذلون وقتهم و جهدهم و أحيانا أعمارهم في محاولة كشف زاوية رؤية أكبر تتيح في النهاية لعامة الناس مزيداً من المعرفة . هذه الريبة تطورت لتصبح عنفاً موجهاً و رفضاٍ لا يخفى على أحد .
هنا تكمن القضية حقيقة ، فمنع الصحفي عن ممارسة مهنته لن تكشف الحقيقة لكنها ببساطة ستريح رؤوس البعض ممن يسعدهم أن يبقى الظن لدى الشعوب في واحدية الحقيقة و جلائها ، و ذلك يجعلهم لا يبذلون جهداً في مناقشة صور أو تصورات مختلفة للحدث بقدر ما يركزون جهدهم في تقديم لوحة جيدة الصنع ، و أحياناً رديئة الإخراج ، يقتنع بها الجمهور و يرتاح إليها صانعوا القرار .
ذلك ما دأبت على صناعته و حرصت عليه الأجهزة الأمنية في الماضي القريب و كان كل مصور ليحصل على تصريح للتصوير يستغرق عشرات الأيام و أحيانا شهوراً مما يعني أنه لا يستطيع تغطية أي حادث مفاجئ أو حتى غير مفاجئ ، و مع ذلك كان يسمح بالتصوير فقط بعد أن يقوم البعض بتنظيف موقع الحدث و هو ما يعني إعادة ترتيب الأدلة ليستطيع المسئولون رسم صورة متكاملة للنتائج التي سوف تسفر عنها التحقيقات فيما بعد و طبعاً بما لا يعرضهم - على الأقل - لوجع الدماغ .
هذا ، و ربما لاحظ البعض أن ثمة انفراجة في حرية العاملين في مجال الجمع الإخباري أثناء الثورة في ميدان التحرير ، و بعد الثورة في ربوع مصر و هو شهر عسل لم يطل و بدأ التصوير و خاصة الفيديوي يمثل مشكلة لدى البعض ، و رجع تربص ما بالمصورين و الصحفيين حتى لو لم يكن بنفس الكثافة كما كان قبل لكنه يعود رويداً . كما زاد الطين بلة أن وسائل الإعلام المختلفة و التي تداولت موضوع الجاسوس الإسرائيلي و صوره على أنها انفرادات صحفية و سبق لكل وسيلة على حدة ، هؤلاء جميعا ركزوا على أنشطة مختلفة للجاسوس تشترك جميعاً في أنها معظمها أنشطة يمكن أن يقوم بها كل صحفي أجنبي أو حتى مصري بدءاً من سؤال الناس عن أحوال البلد و حتى التقاط صور لنفسه أمام الأهرامات ، و طبعا ليس المجال هنا مناقشة أدلة و تحقيقات تقوم بها جهات مسئولة دون شك تعرف أكثر مما هو معلن ، لكن المسيء فعلاً هو رسم صورة لهذا الجاسوس على أنه مجرد صحفي ، و ربما صحفيٌ " شاطر " يُرصد وجوده دائماً في مواقع الأحداث ، و طبعا لا ينقص الناسَ مثل تلك الصور ليتحولوا إلى ضباط مباحث يتعقبون كل صحفي و كل أجنبى ؛ حتى أن صحيفة كأخبار اليوم ( العدد الأسبوعي لجريدة الأخبار المصرية ) ظهرت علينا السبت الماضي بخبر أفردت له مساحة مبالغاً فيها على صفحة الغلاف بعنوان يقول ماذا تفعل هذه السيدة الأجنبية بميدان التحرير ؟! و الغريب أن وجود سيدة أجنبية بميدات التحرير ليس و لم يكن أبدآً مثيرآً للريبة إلى هذا الحد ، خصوصاً و ما كانت تقوم به تبعاً لرواية الصحيفة يوحي بأنها إما صحفية أو إحدى ناشطات أو موظفات جمعية تعمل في مجال حقوق الإنسان و كأني بالجريدة تستعدي الناس تجاه هؤلاء و إلا، إذا كانت الجريدة تعرف أكثر بشأن هذه السيدة تحديداً ؛ فلم لم تذكر ما عندها من معلومات ، و إن كانت لديها معلومات شديدة الخطورة بحيث لا يمكن ذكرها ، فلماذا يتم تصوير السيدة على أنها مجرد صحفية أو ناشطة حقوقية ؟
من جهة أخرى لو لم يكن لدى الجريدة معلوماتٌ كافية تدين سيدة ما فكيف تفرد هذه المساحة لخبر يسيء إليها و ربما يعرض حياتها و آخرين للخطر ، ألا يعد ذلك جريمة أو على الأقل إخلالاً بأصول الشرف المهني ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق