مرحبًا بكم في ديدالوم مجمع الفنون

منصة الفن والأخبار الثقافية الرائدة

أحدث الأخبار والمقالات

‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحمد صلاح الدين طه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحمد صلاح الدين طه. إظهار كافة الرسائل

الأحد، يوليو 07، 2024

الفيلم القصير ملح البحر.. التماهي بين الواقعي والمتخيل

 

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

 

  مساحة للالتباس الموجه، المقصود، بين الواقع والحلم.. الواقعي والمتخيل، تستدرجنا إليه صانعة الفيلم اللبنانية الشابة ليلى بسمة من خلال مفتتح تأملي.. فتاة في مقتبل العمر تطفو فوق الماء بلباس بحر أحمر.. كاشفٌ لكنه ليس مثيرًا، مثل البحر الذي تعوم فيه؛ شفافيته عالية لكنه ضحل، تنعكس عليه سماوية العُلَىِ لكن صورة أعشاب البحر وصخوره تتخلله فتكشف حقيقته.. واقعٌ هادئٌ مثالي، لكننا نكتشف أنه حلم، نفيق منه مع البطلة على صوت أذان الفجر لنكتشف واقعًا آخر أكثر واقعية، فتبدأ القصة في الانجلاء والقضية في التجلي.

  قصة بسيطة: مراهقة لبنانية تحب شابًا ومن أجله ترفض الهجرة بصحبة أخيها إلى كندا. في الواقع هي لا ترفض، لكنها محتارة في اتخاذ القرار بين البقاء في بلدها، حيث الحب والوطن والسكن، أو المغادرة إلى المهجر حيث المستقبل الأفضل والأمل في وطن جديد بلا مشاكل. حيرتها تدفعها للكذب على أخيها عندما يسألها عن سبب معارضتها: "كِرْمَا لشَبّ!!"، فتجيبه ببراءة لا تدرك أنها حقيقية رغم زيف الإجابة: "لا مش كِرْمَا لشَبّ".

  ربما لا تريد أن تعترف لنفسها أنها منقادة، دائمًا هناك من يقود خطواتها. عندما لم يتمكن الأب من إيصالها إلى محل عملها، بادر أخوها إلى أخذها معه (في طريقه)، وبينما يخطط الأخ مستقبلها فيقرر أن حلمها بالالتحاق بالجامعة في بيروت، وبيروت نفسها لا تناسبها، "بيروت مش إلِك؛ كلها سهر وفلتان" على حد قوله، يقرر حبيبها ذو الملامح الحيادية الأميل إلى الحدة أن "كندا مش إلها" وأنها: "She wants to discover Beirut". يتداول أصدقاؤها الحوار والجدل حول الأنسب بالنسبة لها، دون أن تتدخل هي في الحوار -المفترض أنه يخصها- إلا بتوزيع الابتسامات، وطلب سيجارة وتلقي قبلات صديقها الذي يحاول بجفاء ترديد أفكار قد تؤثر على قرارها. تقوم صديقتها المشاركة في الجدل وتسحبها من يدها لتقفز معها في الماء، والبحر بوابة يسحبنا السرد من خلالها إلى أجواء فانتازية، أشبه بالحلم حيث يسحبها صديقها عبر ممر تشاهد فيه نفس الشخصيات التي مرت بالبطلة خلال يومها الواقعي: مديرها في الكافيتيريا المطلة على البحر التي تعمل فيها يمارس عمله بتجهيز المشروبات خلف البار، والدها ووالدتها يتجادلان كالعادة وهما يمارسان أعمالًا منزلية، الأم تُعدّ الطعام بينما الأب يصلح سباكة حوض المطبخ ويعد الأم بأن يصحبها إلى كندا بمجرد أن يتدبر الأبناءُ أمورَهم، خادمتهم الإفريقية تبتسم لها ابتسامة ذات مغزى كتلك الابتسامة التي ظهرت على وجهها في الصباح وهي ترمق الشورت القصير الذي شرعت البطلة في الخروج به واعترض أخوها عليه قائلا: "أنا وأصحابي بنتكلم ع البنات اللي بتلبس هيك". الخادمة تبدو أكثر غنجًا ومرحًا وترمح لتغيب في ممر مضاء بالأحمر الدافئ في إشارة حسية قد لا تغيب عن أحد، ثم صاحبتها التي أخذتها من يدها مندمجة في علاقة حميمة مع صديقهم الآخر، وأخيرًا بعد عبور هذه المشاهد اليومية الواقعية مجتمعة بقوة الفانتازيا اللاواقعية، تصل إلى باب غرفة مضاءة بنفس اللون الأحمر، بمجرد أن تدلف ينقطع الصوت وتتوقف الموسيقى ويبدو المشهد أكثر واقعية رغم احتفاظه بنفس المنظومة اللونية للمشهد السابق: الضوء الأحمر الساخن من داخل الغرفة والضوء الأزرق السماوي البارد قادم من الخارج، وتغيب البطلة مع صديقها في علاقة حميمة خلال أطول مشاهد الفيلم، خلالها تتنوع العلاقة اللونية وتتبدل فتبدأ بسيادة الأحمر مضيئًا وجه البطلة وجسدها ويملأ الأزرق الظلال ثم تحدث جدلية لونية خلال الاندماج بين العشيقين قبل أن ينتهي الأمر بسيادة الأزرق البارد.

  ينتهي الفيلم نهاية مفتوحة تجعلنا لا ندرك تمامًا إلام انتهت القصة وما الحقيقي فيها وما الوهمي، هل مرت الفتاة بتلك العلاقة حقًا أم عاشتها في خيالها. تتوالى لقطة للصديق نائمًا وحده على سرير ولقطة تأملية طويلة نسبيًا للفتاة تخرج من الماء، ثم لقطة للأخ يعود بسيارته ليصطحبها من مكان عملها فيتلفت حوله باحثًا عنها دون أن نرى أنه وجدها، ولقطة طويلة للبحر تنزل عليه التترات، الكل ينتظر الفتى النائم والفتاة الطافية على الماء والأخ، بل والبحر نفسه في حالة انتظار، دون أن تُحسم القضية أو يُسمح للقصة أن تنتهي.

  يمكننا بسهولة استجلاء علامات محددة، رموزًا تقود السرد ويمكن اتخاذها خيوطًا نستطيع بتتبعها فك عقدته وفهم مسراه، أول الخيوط في العنوان: (مِلح البحر)، والذي يحيلنا إلى مفهوم آخر: (مِلح الأرض)، وهو تعبير شاع في الأدب الغربي بل وعند بعض المثقفين العرب مقتبسينه من حديث منسوب إلى سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في عظة الجبل، كما ورد في الكتاب المقدس(متى5:13 عندما يخاطب حوارييه قائلًا: "أنتم ملح الأرض"، وتبدو العبارة إطراء لهم، فهي تعني أنهم كالملح للطعام. قليل.. نعم، لكن دونه يقع الفساد: القليل يحفظ الكثير، والبعض يُصلح الكل. في جملة المسيح التي تلي ذلك يتحول الحديث إلى القسوة عندما يقول عليه السلام: "ولكن إذا فسد الملح فبماذا يُملَّح؟ لا يصلح بعدُ لشيءٍ إلا لأن يطرح خارجًا ويداس من الناس". فملح الأرض هم هؤلاء الذين يحملون على عواتقهم حفظ الآخرين. مسؤولية ثقيلة حملت عليهم، لو لم يكونوا أكْفَاء لحملها فليس أمامهم إلا أن يداسوا من الناس، ولا خيارات أخرى، فهم عندها يكونون كالملح الفاسد يطرح خارجًا. وكما أن للأرض ملحًا، فالبحر هو مصدر الملح، مما يكسبه خاصة معالجة الجروح كما تقول إحداهن لبطلة الفيلم: "ملح البحر منيح علشان الدم". الدم هو علامة أخرى يقودنا إليها السرد.

  الفتاة التي تقول هذه النصيحة للبطلة، كنا قبل قليل رأينا صورتها على هاتف الأخ الذي كان يقلب صور فتيات بدا أنه يبحث بينهن عن شريكة العمر، أي أنها مرشحة لتكون إحدى أفراد العائلة، والعائلة يربطها الدم.

    الدم ظاهر في الفيلم من خلال السرد البصري، يظهر بدءًا من أول الفيلم بلونه من خلال لباس بحر أحمر ترتديه البطلة في الحلم الذي تبدأ من خلاله علاقتنا ببطلة الفيلم وأزمتها. الدم له معانٍ عديدة في ذاكرة الإنسان، فالدم صلة بالأرض، والدم أخُـوّة. الدم جرح والدم شرف، الدم كل شيء يربطنا بالأرض والوطن.

  يقدم السرد علاقة خاصة بين الدم والبحر، فكما أن ملح البحر جيد (منيح) للدم، فهو جيد للاستشفاء، يغسل الهموم. البحر يعني النجاة المحتملة والعودة الممكنة والغموض المؤكد. المخرجة تستغل هذه العلاقة بين الدم والبحر لتجعلها وسيلة انتقال مونتاجية، فاصل بين المَشاهد، كلما رأينا الدم يمتزج بالبحر عرفنا أن ثمة انتقال بين الواقعي والمتخيل، ولم يكن ذلك من خلال تكرار لقطة واحدة بل بصور مختلفة. في أول الفيلم نرى اللون الأحمر للباس البحر طافيًا فوق ماء البحر فنعرف أننا في حلم كلما اختلط الأحمر بالأزرق.. الدم بماء البحر المالح. أحيانًا نجد لقطة للدم شفيفا ينتشر ويمتزج بالماء، وأحيانًا نرى كتلة دم كثيفة داكنة بين الماء دون أن تمازجه، وفي مشهد العشق نجد لعبة الضوء الأحمر والأزرق فنقع في حيرة وتساؤل عن كون اللحظة واقعية أم متخيلة.

  تراك الصوت أسهم ببراعة في الانتقال بين عوالم الفيلم المختلفة، ارتبطت الموسيقى بمشاهد الحلم والبحر، تتصاعد وتتمازج مع صوت الماء ثم تنتهي عندما يخرج السرد من الحلم/البحر إلى أرض الواقع. عندما تقفز البطلة بصحبة صديقتها في البحر نسمع الموسيقى المتصاعدة وصوت الأمواج وعندما تصاحب البطلة حبيبها نعرف أنهم يسيرون في ممر وهمي من خلال استمرار نفس المنظومة الصوتية، أما عندما يُغلَق باب الغرفة عليهما نفاجأ بمنظومة صوتية أكثر واقعية.

  تماهي الواقعي والمتخيَل يجعل المشاهد غالبًا يغفل أو يتسامح مع تفاصيل يفترض أن تكون واقعية أو تأتي في تسلسل منطقي، مثلًا: البطلة التي تستيقظ دون أن يدفعها دافع سوى صوت أذان الفجر. تذهب دون أن يضغط عليها أحد لتتوضأ وتصلي، ثم نجدها خلال يومها تندفع بعزم إلى ممارسة علاقة محرمة مع شاب لا تربطه بها أي علاقة شرعية وكأن الأمر عادي، كيف يمكن أن تقبل أذهاننا تديُّنَها الذي لا يبدو تظاهرًا ولا يمكن أن يكون نفاقًا لأن لا أحد يراها عندما تصلي. ثم نتقبل هذه العلاقة التي تنغمر فيها وتحرص عليها. هل فعلت أم تخيلت؟ لا يجيبنا الفيلم بحسم لكنه يعطي إشارات تُغلب فكرة الحلم.

 أيضًا، بينما يتبادل العاشقان حديثًا نفهم منه أن لكليهما (خبرات) سابقة؛ نكتشف مع البطلة دمًا على ملاءة السرير يُغلِّب كونها تفعل ذلك للمرة الأولى، لكنها في لقطة تالية تتأمل الدم نصف المتجلط من جرح أصاب الفتاة أول اليوم، وتبتسم كأن صانعة الفيلم تهدف إلى تشويش الفكرة لترك المتلقي تائها في حالة برزخية بين الواقع والخيال.

  تفاصيل أخرى ربما أقل أهمية نتغاضى عن لامنطقيتها وكسرها للتسلسل السردي بسبب مساحة اللاواقعية التي نعيشها في الفيلم مثل المبالغة في حجم الجرح الناتج عن عملية العناية الشخصية، ثم ارتداء البطلة لشورت قصير رغم علمها بحدوث جرح كهذا، ثم مبادرتها -بعد توجيه أخيها لها- إلى ارتداء سروال طويل، صحيح أنه ضيق للغاية لكنه بالتأكيد لا يشبه الشورت. عندما تصل إلى عملها نجدها ترتدي الشورت نفسه الذي لا يفترض أنها خرجت به والذي استلزم السرد أن ترتديه لأن الفتاة التي تلتقيها في الكافيتيريا سيلفت نظرها أن هناك دمًا على فخذ البطلة وأن ملح البحر قد يشفي الجروح، الجملة الحوارية هنا محورية وارتداء البطلة لسروال طويل يجعل الحديث لا معنى له، ومن ثم تغاضت صانعة الفيلم عن التسلسل المنطقي لتصل إلى هدفها بشكل مباشر.

  الجنس سلاح ذو ألف حد وحد، وربما أكثر من ذلك، فكما أنه أداة يميل الشباب للتعبير من خلالها، ويدمن المخرجون العرب تحديدًا اللجوء إليه والإغراق فيه، كنموذج لدينا المخرج الفرنسي من أصل تونسي (عبد اللطيف كشيش) صاحب ما وصف بأنه أطول مشهد جنسي في السينما في فيلمه (Blue Is the Warmest Colour) 2013م. كذلك شرعت ليلى بسمة في جعل مشهد العشق أطول مشاهد فيلمها على الإطلاق مما قد يجعل الفيلم يحيد عن قضيته ويدفع المتلقي للاهتمام بما قد يقدمه الفيلم له من متعة جنسية بدلا من الاهتمام بمحتواه القصصي أو ما يقدمه من جماليات بصرية لا شك في روعتها، ولا شك أنها كانت الشغل الشاغل للمخرجة التي قررت أن تصور الفيلم بخام سينمائي 16مم وهو اختيار يلفت النظر للاهتمام بالتجربة الجمالية في عصر ساد فيه الإنتاج الرقمي.. لكن دائمًا إذا نافست الغريزةَ الجمالَ في الفن كان النصر للغريزة، وهنا أذكر دائمًا تجربة شخصية عشتها عندما قررت أن أدخل إحدى قاعات العرض في الصعيد قام أحد المستثمرين بتجديدها بعد إغلاقها لعشرات السنوات وحوّلها إلى دار عرض شعبية (ترسو في غير زمن الترسو)، وفي هذه القاعة اكتشفت أن أحدهم قام بتجميع المشاهد الإباحية من الأفلام المصرية واللبنانية والتركية القديمة، وصنع منها برنامجًا كاملا يصل إلى ثلاث ساعات لا تقل انحطاطًا عن أي فيلم بورنو، وكان نصيب كبير من مشاهد هذا العرض مُقتصًا من أفلام المخرج الراحل الكبير صلاح أبو سيف (غفر الله له)، والذي طالما ذكر، بسعادة طفولية كفنان كبير، كيف وظف هذه المشاهد ليشوش نظر الرقباء عن المحتوى السياسي والفكري لأفلامه، والواقع أنه لو كان رأى أفلامه يُفعل بها ذلك لأصابه الغم والنكد حيث توارت تجربته السياسية وتوجهاته الفكرية وبقي من أفلامه فقط ما حذفت الرقابة أكثره يومًا، لذلك لا ننصح أي صانع أفلام في مقتبل حياته بالإفراط في هذا الجانب، رغم أنه سيجد تصفيقًا حارًا من الكثيرين، وستصبح أفلامه أكثر شعبية.. لكنه يذبح تجربته الجمالية من حيث لا يدري.

  ملح البحر هو تجربة جمالية مميزة، استطاعت ليلى بسمة من خلالها أن تكشف لنا موهبة تَعد بالكثير من النجاحات القادمة.

أحمد صلاح الدين طه

الأحد 7 يوليو 2024

dedalum.info@gmail.com

 

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

Sea Salt ملح البحر Leila Basma

 

الجمعة، أكتوبر 07، 2022

حكمة نعيمة ألماظية التي فهمتها زوزو .. كيف فهمتها أنت؟

شخصية نعيمة ألماظية هي الشخصية الدرامية التي تؤديها الفنانة الراحلة تحية كاريوكا في فيلم خلي بالك من زوزو الذي كتبه الراحل صلاح جاهين وأخرجه الراحل حسن الإمام وأدت فيه الراحلة سعاد حسني دور زوزو، هذا الفيلم الذي أثار الجدل عند عرضه، وربما كان حينها جدلا أقرب إلى الأحقاد المهنية فقد استقر في دور العرض عامًا كاملا مما قد يكون أثار حفيظة الفنانين والمنتجين الآخرين الذين كسدت بضاعتهم، وربما كانوا سبب الهجوم (شبه الأخلاقي) الذي تلقاه الفيلم وربما كان القصد منه كسر شوكته إنتاجيًا. أثار الفيلم بعد ذلك موجة أخرى من الحراك سببها ما فهمه البعض من أنه يهاجم الصعود للتيار الديني، في إشارة لمشاهد محدودة تطرح فيها شخصية مسطحة (غير ذات عمق درامي) بسمات مختل عقليا يصف نفسه بأنه متذمت، واعتبرها البعض إشارة أو نبوءة بصعود التيار الديني الذي صعد إلى الساحة بعد ذلك بسنوات. الفيلم أيضا يطرح صعود ثقافة المادة وسقوط الإيمان بالمبادئ والقيم من خلال الصراع الطبقي، أو في واقع الأمر هو صراع فئوي لأن فئة العوالم لا يمكن اعتبارها نموذجا لطبقة كاملة حتى لو اتفقت بعض خصائصها، إلا أنها فئة تميزت حتى أيام ظهور الفيلم بالنعزال عن المجتمع بمختلف فئاته، قد تكون هذه الفئة تربح من المال ما يضاهي أبناء الطبقات العليا لكنها تحيا حياة الطبقات الدنيا وتتعرض لنفس التعالي من طبقات المجتمع الأخرى.. رصد الفيلم صعود ثقافة هذه الفئة وتسيد ثقافتها وهو أمر يشبه صعود ثقافة مجتمع الغجر في الغرب مع حركات الفن والأفكار الثورية التي انتشرت سريعًا في الغرب بعد الحربين العالميتين ثم تمدد تأثيرهم ليصل إلينا ويعم العالم ويتسيد ثقافة الأجيال التالية.. حتى أصبح من السهل على الناس حاليا أن يتاجروا بأدق خصوصيات حياتهم حتى أجسادهم من خلال التكتوك وغيره استجلابا للدولارات التي صارت الهدف الوحيد للجميع بعد أجيال من عصور سقوط القيم والفضائل وغياب المثل. مازال فيلم خلي بالك من زوزو جدير بالتأمل والاكتشاف والاتفاق والاختلاف بعد كل تلك السنوات.
أحمد صلاح الدين طه
#ديدالوم #dedalum_tv



الاثنين، سبتمبر 26، 2022

فيلم توشريت.. سجال بين الفني والإعلامي

 


  ليس غريبًا على من يشرع في صناعة فيلم تسجيلي/ وثائقي هذه الجدلية؛ فبينما يدرك أن عمله يختص بصفات إعلامية، يعرف أيضًا أنه يصنع فيلمًا، والفيلم –أي فيلم- هو عمل فني قبل كل شيء.

  العمل الإعلامي يسير في اتجاه واحد، رسالة تعبر من منتِج الرسالة إلى مستقبلها عبر وسيلة ما.. منتج الرسالة يضع في اعتباره أن المتلقي ساذج للغاية، ومن ثم على الرسالة أن تكون بسيطة جدًا، مباشرة إلى أبعد الحدود، أما في العمل الفني فيكون لدينا مضمونٌ مبنيٌّ على وجود الموضوع والشكل، وتأويلات لا حصر لها، فالمتلقي هنا جزء من العمل الفني يثريه من خلال ثقافته بأفكاره فيكون سير عملية الإنتاج الفني مزدوج الاتجاه؛ فإذا كان كلٌّ من العمل الإعلامي والعمل الفني يسيران متوازيين.. لا يلتقيان أبدًا رغم تجاورهما في هذا النوع الفيلمي، يصبح على صانع الفيلم التسجيلي همًّا.. كيف يوازن بين هذا وذاك فيعبر بهما دون تغليب مسيء لأحدهما ودون أن يقع في الفخ فيخسرهما معًا.

  صناع فيلم (توشريت أرض الجدب) واجهوا هذه المعضلة وحاولوا تخطيها بسلام.. فهم -كدارسين للإعلام يصنعون مشروع تخرجهم- كان عليهم أن يقدموا رسالة واضحة جلية من خلال فيلمهم، وفي نفس الوقت كشباب لهم طموحاتهم الفنية أرادوا صناعة فيلم يعيش طويلًا أبعد من مجرد العرض في الجامعة والحصول على تقدير مناسب يضمن لهم التخرج، فالفن نفَسُه طويل وعمره كالسيرة أطول من عمر صاحبها.

  ليوفِّي الفيلم بُعدَه الإعلامي لم يكن عليهم إلا أن يضعوا رسالتهم بشكل مباشر على ألسن المتحدثين، سيناء أرض السلام، أرض الله، تتمتع بالهدوء والسكينة، أرضها مباركة غنية بالأعشاب الطبية وهواؤها يشفي العليل وما إلى ذلك، أما ليستوفي الفيلم بعده الفني قرروا الخوض في غمار التجربة من خلال تقنيات وأساليب فنية يمكننا استجلاء بعضها فيما يلي:





الغموض والمفارقة:

  مع الاسم الذي يبدو غريبًا لأي شخص معاصر، لأنه منتزع من كتب التاريخ (توشريت) يبدأ الغموض المشوق، وبتفسير معنى الاسم تبدأ المفارقة؛ فبينما المعنى الحرفي للاسم هو أرض الجدب بما يعطيه هذا من دلالات سلبية: الأرض القاحلة، لا ماء، لا حياة، خطر محدق بالعابرين فضلا عن المقيم، رغم ذلك يكتشف الفيلم أنها كانت ومازالت ولازالت أرضًا للجذب، وربما كان جدبُها سر جذبِها، فلأنها نفت عنها ونفرت منها الخبثاء من البشر، والضواري من الوحوش؛ كانت وطنًا للودعاء والحالمين.. المتعبدين والنساك وأهل الله من كل لون وأصل ودين، بل حتى الأعشاب الطبية الطيبة استوطنتها ووجدت فيها ملاذا تُعَزّ فيه ولا تَعِزُّ عن أهله.





  تستمر المفارقة من خلال السرد السينمائي الذي اعتمد على أربع حكايات لأربع شخصيات وحكاية واحدة حاكمة هي حكاية الشيخ البدوي أحمد منصور الذي يبدأ الفيلم بلقطات له دون كشف عن هويته ثم يختتم بحديثه، فهو محور الفيلم لأنه الوحيد الذي لم يأت من خارج سيناء، وهو ربما لذلك الوحيد الذي لا تشمل حكايته تحولًا، التحول الوحيد في حياته كما يروي هو يكمن في فرصة السفر إلى الإمارات بدعوة من كبيرها الشيخ زايد رحمه الله، والذي ذِكر اسمه وحده يوحي بالرخاء الذي كان ينتظر البدوي السيناوي طبيب الأعشاب الذي رفض المغادرة مهما كانت المغريات، فكيف يغادر أرضًا سلوكها الجذب.

  يتفرع الفيلم إلى أربع حكايات لأربعة أشخاص، كل حكاية تحوي مفارقة غيرت مسار حياة صاحبها، ودفعته إلى الإقامة في سيناء وتحديدًا منطقة كاترين:

1.      الإماراتي إبراهيم أبوسالم، الذي ترك مجاله في هندسة الطيران لينشئ مزرعة للنباتات العضوية هنا.

2.      الإنجليزي Ben Hoffler الذي ترك عمله في إحدى الشركات الكبيرة التي تعمل في البحث عن الذهب الغارق، ليستقر في سيناء، يؤلف كتابًا ويرسم طريقًا فيها للعابرين والمجذوبين لقوَّتها ويسميه درب سيناء.

3.      الشابة المصرية زهرة مجدي، التي جاءت في رحلة سياحية ثم قررت ترك مدينتها لتبدأ حياتها بمشروع خاص بها في كاترين، ليس بعيدًا عن مجالها الذي هو دراسة الأعشاب الطبية، لكنه بعيد عن مسقط رأسها حيث –ربما- لم يتخيل أحد سواها أن تعيش بعيدًا عنه.

4.      الألماني Bernard Etitelgoerge أو Cosmos الذي جاء يلتمس طريقًا إلى محل ميلاد المسيح عليه السلام في القدس لكن السلطات الإسرائيلية تمنعه فيرتد ولا يرغب في العودة إلى بلده.. لقد جذبته سيناء ليستقر فيها ويكمل ما بقي من حياته، كما يقول.

  حكايات كل منها كفيل بإنتاج فيلم مستقل عنها، لكن صانع الفيلم هنا يضفرها في مونتاج متوازٍ حيث جدلية القطع بين القصص الأربع التي تسير معًا حتى تعيد تسليمنا إلى القصة الرئيسية التي هي قصة حكيم سيناء أحمد منصور.






الحنين:

  مخاطبة الحنين أو ال(نوستالجيا) هي إحدى التيمات التي تنجح دائمًا في دمج المتلقي مع الفيلم، فكما يتفق كثير من الفلاسفة والمحللين النفسيين أن الإنسان، بل والموجودات جميعًا، تميل للعودة إلى أصولها، والطبيعة هي الأصل الذي خرجنا جميعًا منه فتتوق نفوسنا للعودة إليها.

  فيلم توشريت يعطينا هذه الفرصة في دقائق معدودة، أقل من خمس عشرة دقيقة هي مدة الفيلم، نعود فيها مع قصص العائدين إلى الطبيعة البكر ونتأمل من خلال لقطات متسعة هذا البراح الذي يجعل جذورنا تتنفس إحساس الطزاجة، لكن ربما كان التزام المونتير والمخرج بمدة محددة للمشروع والتزام فريق التصوير بزمن معين لإنجازه، سببًا في اختصار مساحات التأمل، حتى أنهم في لقطة تظهر السحاب مع الجبال تكسوها الأشجار يختارون أن يسرِّعوها لتظهر السحب تلهث فتصدم المتلقي وتخرجه من حالة التأمل، لكن هي فيما يبدو الضرورة، وللضرورات أحكام.

  حالة النوستالجيا تلك بعثها في نفسي وجه الشيخ أحمد منصور الذي افتتح الفيلم به، شيء ما جعل وجهه يبدو لي مألوفًا، في البداية قلت إنها قسمات وجهه الطيبة وابتسامته المريحة المتفائلة، لكن ليس ذلك فقط، فلم يكن من الصعب استرجاع صورته من الذاكرة واكتشاف أنه هو نفس الشخص الذي رأيناه بطلًا لفيلم وثائقي يحمل اسم (حكيم سيناء) صنعه منذ سنوات عديده المخرج ومدير التصوير المعلم علي الغزولي، ونتعجب من أن الملامح هي نفس الملامح والعمر مجرد رقم في الملفات الرسمية، كأن ذلك إثبات عملي لقوله أن مَن يعِش في هذه الأرض يسترِح "نفسيًا وعصبيًا وعقليًا.. لا تخاف فيها، ولا تقلق فيها، ولا تهمم فيها، ولا تعيا فيها كمان".





تيمة البحث واكتشاف الذات:

  القادمون الأربعة يفدون إلى سيناء كجزء من رحلتهم لاكتشاف الذات واستكشاف العالم أو البحث عن الله، موضوع لا يُمَل أبدًا. طالما هناك أطفال جدد يولدون كل يوم ومراهقون يخرجون من البيضة –كما يقال- لتنسم هواء العالم، سيبقى هناك من تسحره هذه التيمة ويشده هذا الموضوع لمشاهدة الفيلم سواء كان وثائقيًا أو روائيًا، أضف إلى ذلك حالة صوفية أضفاها المكان بتاريخه كمعبر للرسل وأرضٍ للتجلي، وتجلٍّ للرحمات.

البعد البصري:

  اعتمد الفيلم بصريًّا على عنصرين رئيسين: استخدام العدسات المتسعة التي تكشف مزيدًا من المسطحات (اللاندسكيب) وتسمح بزيادة عمق مجال الوضوح Depth of field؛ فتؤكد بذلك سطوة المكان وسلطانه الجاذب على كل المتعلقين به، والكاميرا المتتبعة التي تتحرك دائمًا خلف شخوص الفيلم كأنها رغبة من صانع الفيلم في اكتشاف عالمهم، أو السير في أثرهم كما يخطو المريد حيثما انطبع قدم شيخه، مما يؤكد بصريًا تيمة الاكتشاف ويؤكد الانبهار بعالم خصب جديد يتابعه المشاهد ولا يرغب أن تفوته منه فائتة.

  من الواضح طبعًا أن الإمكانيات الإنتاجية لم تتح لفريق العمل مزيدًا من عناصر التحكم البصري، فقد استخدموا ضوء النهار العادي، لا إضاءات تكميلية ولا عواكس ولا حتى إمكانية الانتظار وتخير أوقات النهار المناسبة لزوايا التصوير، وهو أمر ليس غريبًا في مجال الأفلام التسجيلية خاصة إذا كنا نتحدث عن إنتاج محدود، لكن ذلك لم يمنع أنهم استطاعوا الاستفادة بالمتاح، وإبراز جمال المكان، وتأمله بشكل يحقق مضمون الفيلم الذي يدور حول قدرة المكان، أرض سيناء، على الجذب الذي يعارض مسماها المرتبط بالجدب.

الأحد، أكتوبر 25، 2020

كتب عن المونتاج السينمائي والتليفزيوني، حملها مجاناً من هذا الرابط

كتب عن المونتاج السينمائي والتليفزيوني، حملها مجاناً من هذا الرابط



  إذا كانت السينما، والفيديو يوصفان بأنهما: "الصور المتحركة"، فالحركة أساسها المونتاج؛ لأن المونتاج هو الإيقاع الذي تتدفق على أساسه هذه الحركة، ولذلك اعتبر البعض تاريخ السينما هو تاريخ تطور المونتاج.
  هذه بعض الرواب لتحميل مكتبة لا يستهان بها في مجال المونتاج، ندعوكم لقراءتها، وإذا أتيحت لكم الفرصة اقتناء نسخ ورقية منها لاحقاً.
  يمكنكم تحميلها من الروابط التالية، بالضغط على عنوان الكتاب.

 
تقنيات مونتاج السينما والفيديو.. التاريخ والنظرية والممارسة

تقنيات موناج السينما والفيديو.. التاريخ والنظرية والممارسة.. رابط ثاني


تقنيات مونتاج السينما والفيديو.. التاريخ والنظرية والممارسة.. رابط ثالث

الصور المتحيزة _ التحيز في المونتاج السينمائي لـ خالد المحمود

الصور المتحيزة.. التحيز في المونتاج السينمائي.. رابط ثاني

كتاب مونتاج الافلام والصور بدون معلم

دراسة المونتاج السينمائي في تشکيل صورة ّ العدودة المصرية

كتاب تعريف المونتاج التلفزيوني وأنواعه

كتاب طرق المونتاج التلفزيوني وكيفية تنفيذها

كتاب شريط التسجيل التفزيوني ومميزاته

كتاب المؤثرات الصوتية أنواعها وإستخداماتها

تعلم أدوبي بريميير6 باللغة العربية


Translate ترجم إلى أي لغة

بحث Search

عام جديد سعيد 2025

أرشيف المدونة الإلكترونية


شرفتنا بزيارتك أنت اليومَ الزائر رقم